الوقت- الحرب الأخيرة التي شنها العدوان الاسرائيلي على غزة لم تكن بأي حال من الأحوال في صالح الصهاينة ولم تحقق لهم أي نصر، وحتى ملف الأسرى لم ينتهي لصالح العدو الاسرائيلي على عكس ما كان يتوقع بعد الحرب على القطاع، ومن الواضح أنه لم يتم حتى الآن جسر التباينات بين حماس والاسرائيليين، الا أن تصريحاتهما تؤكد رغبتهما في إنجاز الصفقة. فهل نشهد قريباً صفقة جديدة لتبادل الأسرى، أم أن الحديث حول ذلك لا يزال مبكراً؟.
مساء الأحد أعلنت حركة المقاومة الإسلامية ("حماس")، أنها تمتلك "أوراق قوة" لتحقيق صفقة تبادل، لتحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما جاء على لسان عضو المكتب السياسي للحركة، حسام بدران.
وقال بدران في لقاء بث عبر فضائية "الأقصى" (تابعة للحركة) إن "حماس تمتلك أوراق قوة لتحقيق صفقة تبادل لتحرير الأسرى".
ولم يدل المتحدث، بتفاصيل حول ما تمتلكه الحركة، لكن حماس أكدت سابقا في أكثر من مرة أنها تحتفظ بأربعة إسرائيليين داخل قطاع غزة، دون الكشف عن مصيرهم أو وضعهم الصحي.
ومن بين الإسرائيليين الأربعة جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف 2014، بينما دخل آخران القطاع في ظروف غير واضحة خلال السنوات الماضية.
اسرائيل تتظاهر بأنها غير مهتمة بصفقة تبادل الاسرى، لكي لا تبدو ضعيفة أمام الداخل الاسرائيلي، ولكن في حال تمت الصفقة لن يرحمها الشارع الاسرائيلي وسيتهم الحكومة بالرضوخ لشروط حماس، وبالمقابل ستكون حماس انتصرت في هذه الجولة وسيكون لها تأثير بعيد المدى على الصراع مع اسرائيل.
التظاهر بتجاهل ملف الأسرى
تتظاهر اسرائيل بأنها غير مهتمة بعملية تبادل الأسرى، ولكنها في الحقيقة توظف الجميع لاتمام هذه الصفقة بجميع السبل الممكنة، إذ بدأت بتحريك ملف صفقة التبادل مع "حماس" بشكل يختلف عن الفترات السابقة. فقد أقحمت إسرائيل قبل أيام الوسيط الألماني في إطار الملف، بعد الزيارة الأخيرة التي قامت بها إنجيلا ميركل المستشارة الألمانية المغادرة للسلطة، الشهر الماضي. وقبل ذلك بأيام، وصل إلى مصر وفد من حركة حماس، يعد الأعلى مستوى منذ بدأ العمل لإحياء ملف صفقة التبادل، بدعوة من عباس كامل، رئيس المخابرات المصري. وكانت إسرائيل قد تحركت نهاية الشهر الماضي لاقناع كل من قطر وتركيا الى جانب مصر بالتوسط لإنجاز الصفقة، قبل أن تقحم أيضاً الوسيط الألماني. وتؤكد مصر أنها تلقت قبل شهرين طلباً من إسرائيل يدعوها لتحريك ملف الصفقة، بعد أن سحبت إسرائيل في ذات الشهر شرطها الذي ربط إعمار غزة بانجاز الصفقة، وبادرت إسرائيل بالفعل برفع عدد من القيود عن القطاع المحاصر.
لا يمكن تجاهل اهتمام إسرائيل بإتمام صفقة التبادل، اذ أكد بينيت خلال لقائه مع عائلة الجندي ارون شؤول التزامه بإعادة المحتجزين لدى حركة حماس. ويعتبر التزام القادة الإسرائيليين، منذ عام ١٩٤٨، باستعادة جنودهم المحتجزين عند الأعداء أحياءً كانوا أم أمواتاً، مبدأً رئيسياً يصعب تجاهله. وكانت إسرائيل قد أعلنت بعد الحرب الأخيرة على غزة، رفضها لإدخال أي مواد تتعلق بإعمار غزة، قبل استعادة الإسرائيليين الذين تحتجزهم حركة حماس. وتلمح إسرائيل لنيتها تقديم تسهيلات كبيرة لضمان إعادة اعمار غزة، والتي اعتبرها نفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل أنها تحقق مصلحة لإسرائيل. وتلوح إسرائيل بهذه الورقة لاغراء حركة حماس، التي لا تخفي رغبتها القوية لكسر الحصار، لتقديم تنازلات في إطار ملف صفقة التبادل. وطرح يائير لابيد وزير خارجية إسرائيل خلال زيارته الأخيرة إلى مصر، خطة لإعادة إعمار غزة على مرحلتين، تبدأ الأولى بالمساعدات الإنسانية التي تشمل بناء شبكة كهرباء وبنية تحتية للمياه، وصولاً إلى بناء ميناء.
لقد جرى الحديث أن تبدأ الصفقة التي اقترحها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في قطاع غزة، يحيى السنوار، باطلاق ما بين ٢٥٠ و٣٠٠ أسير فلسطيني من كبار السن والمرضى والنساء والأطفال، مقابل تقديم حركة حماس معلومات حول الإسرائيليين المحتجزين لديها، في مرحلتها الأولى. وتتمسك حركة حماس بضرورة افراج إسرائيل عن الأسرى المحررين في صفقة شاليت عام ٢٠١١، والذين اعادت إسرائيل أسرهم عام ٢٠١٤.
وترفض إسرائيل في هذه الصفقة تحرير أسرى من ذوي الاحكام العالية، بحجة أن حوالى نصف الأسرى يعود لممارسة العمل المقاوم. كما ترفض تحرير أسرى صفقة شليط المحررين وأسرى سجن جلبوع الستة.
صفقة تبادل الأسرى، والتي تشمل هؤلاء من ذوى الأحكام المرتفعة، والذين قضوا جل حياتهم في سجون الاحتلال، يشكل إنجازها أولوية للفلسطينيين جميعاً، الأمر الذي يفرض علينا انتظار الوقت المناسب، أو خلق الظروف المناسبة، التي تجبر دولة الاحتلال لانجازها وفق شروطنا. وأثبتت التجارب أنه طالما كان الطرف المفاوض قوياً، ويتحكم بأوراق اللعبة، في النهاية تستجيب إسرائيل لشروطه. كما أثبتت التجارب خلال سنوات الحصار الطويلة، أن الهدوء في غزة لا ينتج عنه فك للحصار أو تخفيفه، وإنما التصعيد العسكري والأمني يفتح باب مساومة إسرائيل، وارغامها على تقديم تنازلات للفلسطينيين. وخلال الشهور الثلاثة التي أعقبت جولة الحرب الأخيرة، ساد الهدوء، وشددت إسرائيل من حصارها للقطاع، الا أنه بعد تصعيد غزة الأخير بعد ذلك، لفك الحصار، تساهلت إسرائيل في حصارها، وبدأت بتفكيك محسوب. حررت حركة حماس من خلال صفقة شاليت في تشرين الأول عام ٢٠١١ (١٠٢٧) أسير فلسطيني، مقابل جندي إسرائيلي واحد، وغيرت كل القيود التي وضعتها لتحرير الأسرى الفلسطينيين، مع السلطة الفلسطينية. ونجح حزب الله بتحرير مئات الاسرى اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، ومئات الجثامين لشهداء لبنانيين وفلسطينيين، مقابل الكشف عن مصير جنود، أو الافراج عن جثامين جنود، عبر أربع صفقات تبادل للأسرى خلال الأعوام ١٩٩١ و١٩٩٨ و٢٠٠٤ و٢٠٠٨. كما نجحت حركات التحرر الفلسطينية المنضوية تحت منظمة التحرير عندما كانت في أوج قوتها وصراعها مع إسرائيل بتحرير آلاف الاسرى الفلسطينيين خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينات القرن الماضي.
استطاعت حركة حماس عام ٢٠١١ وبعد سنوات من التفاوض إتمام أول صفقة لها لتبادل الأسرى على الرغم من غياب الخبرة استنادا إلى راديكاليتها البارعة في إدارة المفاوضات، وهو ما يجب على حركة حماس البناء عليه اليوم رغم قتامة وصعوبة الظروف الحالية، وعليه على الحركة التمسك بشروطها ونقاطها الأساسية كي تستطيع أن تحقق مكسباً جديداً، عبر صفقة لا تخلف بوعود حماس ولا تؤدي إلى تبديد آمال الأسرى والشعب الفلسطيني.