الوقت- يبدو أن هجمات باريس الإرهابية دفعت بفرنسا لـ"إعادة تموضع" جديد فيما يخص الأزمة السورية، حيث يظهر تجاوز باريس للعديد من خلافاتها مع موسكو بشأن مستقبل سوريا. "إعادة التموضع" الفرنسية تمثّلت بإرساء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرنسوا هولاند، دعائم تحالف ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، واتفاق على زيادة التنسيق العسكري والاستخباراتي حول سوريا.
لم ينتظر الرئيس الروسي طويلاً ليترجم هذه التحالف على أرض الواقع حيث أمر بوتين، كبار القادة العسكريين في اجتماع بالاتصال بالبحرية الفرنسية والعمل معهم "كحلفاء"، وذلك بعد إعلان هولاند تحرّك حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول نحو مياه شرق المتوسط، للمشاركة في القضاء على التنظيم الإرهابي.
التحرّك الفرنسي نحو المتوسط، وقرار الرئيس هولاند الذي يبدو جادّاً هذه المرّة بخلاف مشاركة بلاده في التحالف الدولي، يتزامن مع جملة من المتغيّرات الميدانية والسياسية التي تؤسس للقضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا.
سياسياً، لم تكتفي العاصمتين الروسيّة و الفرنسية بالمكالمة الهاتفية بين بوتين وهولاند، حيث "تم الاتفاق على إجراء اتصالات وتنسيق أقوى بين الأجهزة العسكرية والأمنية في البلدين فيما يتعلق بالعمليات التي تشنها البلدان ضد التنظيمات الإرهابية"، وفق بيان الكرملين، بل قدّمت روسيا مشروع قرار جديد حول مكافحة الإرهاب إلى مجلس الأمن، يتشابه مع الصيغة الفرنسية التي تعد حالياً بعد هجمات باريس وذلك تنفيذا لقرار الرئيس هولاند بتشكيل تحالف واسع للقضاء على جماعة "داعش" الإرهابية وتكثيف الضربات ضدها.
ميدانياً، لم يكن الواقع الميداني بعيداً عن نظيره السياسي، فقد شنّت الطائرات الحربية الفرنسية 7 غارات جديدة على معقل تنظيم "داعش" الإرهابي في الرقة، مم أدّى إلى تدمير مركز قيادة ومعسكر تدريب، وفق إعلان رئاسة الأركان الفرنسية. الطائرات الروسية التي كثّفت من غاراتها على مواقع التنظيم في الرقّة، عمدت أيضاً إلى إستخدام قاذفات إستراتيجية بعيدة المدى من طراز تو-22 وفق ما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو. كذّلك سجّل يوم أمس تدمير نحو500 صهريج محملة بالنفط تابعة لـ"داعش" كانت متجهة من سوريا الى العراق، وفق ما أوضح رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الفريق الأول أندريه كارتابولوف.
تداعيات مفترضة
لا شكّ في أن التعاون الروسي-الفرنسي سيلقي بظلاله على المعادلة الميدانية، خاصّة أن تحركات يوم واحد من قبل الجانبين سويّة، كانت كفيلة بنزوح العديد من عائلات تنظيم داعش الإرهابي وعناصره من مدينة الرقّة باتجاه مدينة الموصل العراقية، وفق ما أعلن المرصد السوري المعارض.
كذلك، سيوثر التعاون الروسي الفرنسي،لاسيّما بعد حصول الأخيرة على موافقة الإتحاد الأوروبي بالإجماع على طلب وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان المساعدة العسكرية من دول الاتحاد الأوروبي للمشاركة في بعض مواقع العمليات في الخارج، سيؤثر على موقف الرئيس أوباما الذي فجّر مفاجئة كبيرة عندما أشاد للمرة الأولى بالدور الروسي في سوريا أثناء زيارته إلى الفلبين.
بالتأكيد لن تسمح واشنطن بأي تحالف أوروبي يستثنيها، وربّما هذا ما دفع بالرئيس الأمريكي للإعلان عن انفتاح بلاده على التعاون مع موسكو بشأن سوريا، وكشف تفاصيل لقائه الأخير مع بوتين على هامش قمة العشرين في تركيا في وقت سابق من الأسبوع الجاري، رغم أن الرئيس الروسي لم يشر إلى أي تنسيق محتمل مع واشنطن، بل اوضح الكرملين أن أمريكا تدعم روسيا في حربها على تنظيم داعش الإرهابي بالأقوال وليس الأفعال.
من أبرز التداعيات المرتقبة، عزوف فرنسا عن المطالبة برحيل الرئيس الأسد كشرط مسبق لأن ظروفها الداخلية لا تتحمّل أي مماطلة، مما سيفرض معادلات جديدة على واشنطن مع روسيا فيما يخصّ الخلافات التكتيكية حول الرئيس الأسد. أمريكا ستكون مضطرة أيضاً، لتجاهل شرط رحيل الرئيس الأسد، إلا ان المخرج النهائي لهذا الأمر قد يكون عبر وساطة فرنسية لتقريب موقف واشنطن وموسكو بشأن سوريا، خاصّة بعد إعلان الرئاسة الفرنسية أن زيارتي هولاند إلى واشنطن (يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني) وموسكو (يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني) تأتي في إطار حملة الرئيس لحشد المجتمع الدولي لمواجهة الإرهاب بعد هجمات باريس.
أحداث باريس وضعت المنطقة على مفترق طرق، وقد نشهد تنسيق عسكري روسي أمريكي غير مباشر على الأرض، رغم نأي واشنطن بنفسها عن عبارة "التعاون العسكري مع موسكو"، في معرض تعليقها على توسيع العملية العسكرية الروسية في سوريا. الأيام المقبلة ستحفل بعبارات جديدة في البازار الإعلامي فيما يخض الأزمة السوري أبرزها، الحليف( الفرنسي)، وحليف الحليف( الأمريكي والروسي كلاًّ من وجهة نظره).