الوقت- بعد أن أصبحت السعوديّة في عهد محمد بن سلمان منبوذة دوليّاً، نتيجة لسلسلة الأعمال الإجراميّة المتواصلة التي يرتكبها حكامها، يبدو أن ولي العهد السعودي، يحاول جاهداً تلميع صورة بلاده البشعة أمام المجتمع الدوليّ وشعوب العالم لإخفاء الجرائم التي يرتكبها بحق شعبه وبعض الدول، الشيء الذي دفعه لخلق عدّة مبادرات مثل “السعودية 2030” التي تشمل إقامة مدينة المستقبل “نيوم” بتكلفة تبلغ 500 مليار دولار، ومؤخراً ما أطلق عليه مشروع “الشرق الأوسط الأخضر”، الذي يقتضي أن يستثمر فيه مبلغ 700 مليار دولار، لمحاولة تلميع انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، والتغطيّة على الصورة القبيحة التي طبعها عن بلاده في الأذهان الدوليّة.
مع اقتراب مملكة آل سعود من هاويّة العزلة الدوليّة يوماً بعد آخر، نتيجة "السياسات الصبيانيّة" لمحمد بن سلمان، واستراتيجيّاته المفضوحة دوليّاً، بعد الفضائح الكبيرة التي وثّقت منهجه الدمويّ في التعاطي مع السعوديين ومع الدول الأُخرى، يهدف مشروع ولي العهد الجديد المتمثل بـ "مدينة المستقبل"، إلى تقليص انبعاث غازات الاحتباس الحراريّ لغاية العام 2060، وغرس 10 مليارات شجرة، تم غرس 10 ملايين شجرة منها، إضافة إلى وقف تمدد الصحراء عن طريق توسيع المناطق الخضراء بمساحة 541 كم مربع، وإقامة محطات كهرباء تعمل على الطاقة البديلة، التي ستوفر كهرباء خضراء لحوالي 600 ألف أسرة وشق 9900 كم من خطوط السكك الحديديّة لتقليص الازدحام في الشوارع وتوسيع المحميات الطبيعيّة بآلاف الكيلومترات المربعة وتشغيل حوالي 10 آلاف عامل في الهيئة الخاصة للحفاظ على البيئة.
وإنّ ضخامة المشاريع التي يتم الحديث عنها، لم تفلح كما فعاليات محمد بن سلمان السابقة في تغيير المواقف الدوليّة والتغطية على جرائم الأخير بحق مواطنيه، ما يعني أنّه من الصعب أن تقنع الرياض صانعي القرار في الولايات المتحدة بأنّها أصبحت دولة مثاليّة في ليلة وضحاها وهذا أحد أسمى أهداف تلك الفعاليّة الجديدة، حيث تواجه السعوديّة الكثير من المشاكل الدوليّة الكبيرة وبالأخص جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ الشهير، جمال خاشقجي، في قنصليّة بلاده باسطنبول، وسجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في البلاد، والحرب على اليمن ومسألة المصير المريع للمهاجرين الإثيوبيين والناشطين والمدونين السعوديين المحتجزين في سجون النظام السعوديّ، إضافة إلى قضية الاحتجاز التعسفيّ من خلال قيام سلطات بن سلمان بتنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، والمنافسين.
أيضاً، تؤكّد الوضعيّة الاقتصاديّة الصعبة التي تعيشها المملكة أنّ الهدف الحقيقيّ من فعاليات ابن سلمان لا يدور حول القضايا التي طرحتها مشاريعه، بل في مشاركة رؤساء دول ومديرو شركات دوليّة وممثلون عن مؤسسات تمويل وخبراء من أرجاء العالم، وذلك لاستغلال الفعاليات الدوليّة الهامة لحرف الأنظار عن جرائمه الوحشيّة والحد من الانتقادات الدوليّة لانتهاكه الخطيرة التي حولت السعودية إلى مملكة للقمع والحكم الاستبداديّ، وأصبحت في المرتبة الأخيرة على مستوى دول الخليج في مؤشر المشاركة السياسيّة في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة.
وفي هذا الصدد، يحاول محمد بن سلمان المشهور بدكتاتوريّته الشديدة، استرضاء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي ما زال يرفض التحدث معه بسبب قضية خاشقجي الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة ويكتب في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكيّة، كما تعهّد في السابق بفتح ملف حقوق الإنسان في المملكة، ووفقاً لتحليلات كثيرة فإنّ العلاقة بين واشنطن والرياض ما زالت متوترة وفاترة، خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن إخراج صواريخ الباتريوت التي تم نصبها في المملكة في 2019 ونقلها إلى ساحة آسيا كدفاع ضد هجوم صينيّ محتمل، ما أغضب السعودية جداً، رغم أن بايدن أدار ويدير محادثات مع الملك سلمان.
إضافة إلى ما ذُكر، لا شك أنّ "ملف إدخال الرياض في حظيرة التطبيع الأمريكيّة"، يوازي خط إعادة العلاقات التي كانت توصف بالجيدة بين الإدارة الأمريكيّة والسعوديّة، فمن غير المعقول ألا تستغل واشنطن جرائم النظام السعوديّ لصالح مجرمي تل أبيب، وقد أَخرجت العائلة المالكة، السعودية من دائرة الدور الذي يفترض أن يكون ريادياًّ على المستوى الدينيّ والسياسيّ العربيّ، لتودي به إلى الدرك الأسفل كما يقول العرب، مقابل بعض الخدمات الهزيلة التي يقدمها الصهاينة لابن سلمان ليضمن بقاءه على كرسي الحكم لمدة أطول، متناسيّاً أنّ الانبطاح السعودي، والخيانة الواضحة، وإزهاق دماء العرب، تحقيقاً لمصالح أمريكا وطفلها المدلل، من بوابة التعاون والتطبيع، سيسرع أكثر من نهاية "جبروت الملوك" بعكس ما يتوقعون.
ولا يمكننا التغاضي عن أنّ حكام آل سعود لولا المبالغ الطائلة التي يدفعونها، لما بقوا لحظة واحدة على عروشهم المتهالكة، وهذا ما يبرر صمت المجتمع الدوليّ الذي لم يتوقف عن تقديم الدعم السياسيّ لهذا النظام الباغي، في ظل غياب مؤسف لمحاسبة قياداته، لهذا وبالاستناد على الوقائع التاريخيّة والحاليّة، ستستغل واشنطن بالتأكيد ثمن صمتها وسيسير الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، على طريق سلفه السابق دونالد ترامب، الذي قال يوماً "السعودية بقرة متى جف حليبها سنذبحها".