الوقت_ لا يخفى على أحد أنّ النظام السعوديّ الحاكم في بلاد الحرمين، يعد من أكثر الأنظمة العربيّة وبالتحديد الخليجيّة الأكثر قمعيّة واستبداداً في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة، ومؤخراً تحدثت أوساط حقوقية أنّ سياسة منع المراقبين من زيارة السجون السعوديّة يهدف إلى حجب واقع الجرائم المرتكبة ضد معتقلي الرأيّ، حيث يسعى النظام المشهور بدكتاتوريّته الشديدة إلى كم الأفواه المطالبة بأبسط الحقوق، ويستخدم قانون "مكافحة الإرهاب" كغطاء للقمع الممنهج ضد الشعب السعوديّ، وقد أكّدت منظمة "سند" لحقوق الإنسان أنّ السطات التابعة للنظام السعوديّ، تتبع أسلوب "التكتم الإعلاميّ" عن أوضاع معتقلي الرأيّ داخل الزنازين، ليكون ملفهم أكثر تعقيداً، وسط قلق عائليّ وشعبيّ وحتى دوليّ على مصيرهم، خاصة بعد الأمثلة الكثيرة التي واجهت مصيراً مؤسفاً.
منهجٌ قمعيّ
في ظل حملات الاعتقال التي لا تتوقف بحق نشطاء المعارضة وأقربائهم، تمارس السلطات السعوديّة قمعاً ممنهجاً وشديداً ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وتلاحقهم بسبب عملهم ونشاطهم، وفي هذا الخصوص، بيّنت المنظمة الحقوقيّة أنّ الرياض تمنع زيارة المراقبين والمنظمات الحقوقيّة للمعتقلات الحكوميّة، لاسيما الزنازين التي يقبع فيها معتقلو الرأيّ، حيث تحاكم السعودية النشطاء في البلاد بمحاكمات معيبة، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير.
ومع غياب أيّ نية لحكام المملكة بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، تتركز الأساليب التعسفيّة التي ينتهجها حكام آل سعود للتكتم على أوضاع معتقلي الرأي المزرية، في المحاكمات السريّة ومنع الاتصال أو زيارة العائلات، أو زيارة الفرق التابعة للمؤسسات الحقوقيّة، حيث إنّ الرياض تستخدم قوانين سيئة كنظام مكافحة الإرهاب ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ضد معتقلي الرأي، في نهج واضح لاعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم.
ومن الجدير بالذكر أنّ ملف حقوق الإنسان، لاسيما ملف معتقلي الرأي، يُعد الأكثر تعقيداً، وهو ما شوّه صورة المملكة أمام العالم، بسبب سياسة القمع التعسفية والظلم الذي تنتهجه الحكومة ضد الناشطين والمفكرين والمعبرين عن الرأي، رغم محاولات النظام السعوديّ لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكامه بحق شعبهم، عبر تلميع سجله "المُشين" في حقوق الإنسان، حيث أنفق مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، في ظل تصاعد التنديدات الدوليّة نتيجة سلسلة الأعمال الإجراميّة المتواصلة والأسلوب الحكوميّ الهمجيّ.
أساليب وحشيّة
نتيجة لغياب أيّ قانون يحمي السعوديين وبالأخص معتقلي الرأي من المعاقبة بالأساليب الساديّة التي تتبعها الأنظمة الديكتاتوريّة، ومع غياب الإحصائيّات الرسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون آل سعود، أوضحت المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان إضافة إلى تقارير منظمات أخرى رُفعت إلى المقررين الخاصين بالأمم المتحدة ولجنة مناهضة التعذيب، أنّ سلطات آل سعود تستخدم آليات متعددة في تعذيب المعتقلين بهدف انتزاع اعترافات أو لأهداف انتقاميّة.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه منظمات حقوقيّة أنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، تشمل الزنازين التي توصف بأنّها" وباء" الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
ومن تلك الأساليب الساديّة التي تمارس بحق المدافعين عن حريّة الرأي والتعبير، ما يُعرف بـ "الفلقة" وعي طريقة قديمة تُنفذ بربط القدمين بعصا أو لوح خشبيّ ومن ثم ضرب أسفل القدمين بعصا أو خيزران أو سلك معدنيّ، إضافة إلى أسلوب الصعق بالكهرباء، وهو أسلوب قمعيّ يتم من خلال ضرب جسد الضحية بقضيب كهربائي يصدر طرفه شحنات كهربائيّة عالية تصعق الجسد، كم أنّها في بعض الأحيان تترك آثاراً وعلامات دائمة أو مؤقتة، ويُستخدم هذا الأسلوب على مختلف أماكن الجسم، بما في ذلك الأعضاء التناسليّة.
إضافة إلى ذلك، تستخدم السلطات السعوديّة أسلوب "التعليق" والذي يجمع التعذيب بطرق مختلفة، بينها التعليق من الأيدي أو الأقدام، أثناء التعليق قد يتعرض الضحية أو المعتقل للضرب أو الصعق الكهربائيّ وهو في هذا الموقف الضعيف، ما ينتج عنه آلام مضاعفة، فيما ينتج عنه في بعض الحالات تلف طويل الأجل في الأعصاب أو الأوتار، ناهيك عن أسلوب الحرق بالسجائر، حيث يتم إطفاء السيجارة المشتعلة على الجلد، ما يؤدي إلى حروق وتقرحات وندب بعضها شديدة التأثير.
أيضاً، أساليب الركل والصفع واللكم العنيف، والتي يتعرض لها معظم المعتقلين، وتسبب ألاماً جمّة وهلعاً كبيراً، وغالباً تترك آثاراً واضحة مثل الكدمات والكسور، الشيء الذي يسبب أضراراً داخليّة كثيرة مثل النزيف، وفي أغلب الحالات تتم تلك العمليات التعذيبيّة عبر أدخال الضحية لغرفة خاصة، ومن ثم يدخل فيها عدد من عناصر المباحث أو السجانين “المقنعين” الذين تكون مهمتهم إنزال الضرب المبرح على الضحية وبشكل جماعيّ، كما أنّ جهاز المخابرات يقوم عادة بتأخير زيارة الأسرة، حتى يتشافى جسد الضحية من كدمات وآثار الضرب التي تتم بمختلف الأدوات الحادة لإلحاق الألم الشديد.
كما أنّ الحبس الانفرادي، والحرمان من التواصل مع العالم الخارجيّ، ومن الطعام والماء، ومن استخدام الحمام، ومن النوم، والحرمان من الرعاية الطبيّة، والترهيب النفسيّ والإهانات والازدراء، تُعد أساليباً معهودة بالنسبة للسلطات السعوديّة التي تحاول خلق أزمات نفسيّة للمعتقل، وقد تطول في بعض الأحيان لأكثر من عام، ولقد استفحل نهج "إرهاب الدولة" بشكل كبير منذ تولي وليّ العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، ويشير هذا المصطلح إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.
بالنظر إلى كل ما ذُكر، نستنتج أن السعودية لا يمكن أن تغير نهجها الإجراميّ بحق شعبها وخاصة معتقلي الرأي، بسبب غياب الرغبة الدولية في معاقبة المسؤولين عن تلك الأوامر وهذا الأمر يجعلها مستمرة في إجرامها وطغيانها دون رقيب أو عتيد، وبالتالي فإنّ المعتقلين سيواجهون بالتأكيد مصير من سبقهم، فإما موت بطيء داخل الزنازين، أو إفراج عنهم بمرض ينهي حياتهم، أو إقامة جبرية داخل بلادهم تمنعه من ممارسة أدنى حقوقهم كمواطنين سعوديّين، في ظل غياب الضغوط الجادة من قبل المنظمات الدوليّة لردع هذا النظام الباغي.