الوقت_ بالتزامن مع الانتصارات العسكريّة الكبيرة التي حققتها سوريا بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب مناطق البلاد وسيطرته على معظم مساحة سوريا، إضافة إلى النصر المؤزّر الذي حققه الرئيس السوريّ، بشار الأسد، في الانتخابات الرئاسيّة السوريّة لعام 2021 بنسبة كبيرة عكست نتائجها جماهيريّته داخل البلاد وخارجها، وفي ظل عودة المياه إلى مجاريها بين دمشق وعدد من العواصم العربيّة والحديث عن عودة بعض الدول الأوروبيّة التي قاطعت وحاربت سوريا لسنوات طويلة إلى العاصمة السوريّة عبر الطريق الدبلوماسيّ، أوضح المعلق، إيلي ليك، في مقال نشره في موقع "بلومبيرغ" أنّ "حلفاء الولايات المتحدة من العرب يتقربون من الرئيس الأسد، وطالب في الوقت ذاته الرئيس الأمريكيّ جو بايدن بتحديد موقف واضح من القضيّة السوريّة، معتبراً أنّ أي محاولة لإعادة العلاقات مع الأسد ستحمل تداعيات على من وصفهم بـ "المطبعين".
عقب دخول سوريا في مرحلة "الانتصار السياسيّ" التي تلت مرحلة الانتصارات الميدانيّة في الحرب بدعم من الحلفاء وبالأخص محور المقاومة، وحدوث تبدلات وتغيرات واضحة في المناهج السياسيّة لبعض الأنظمة في المنطقة وربما العالم، يشير الكاتب الأمريكيّ أنّ الملك الأردنيّ، عبد الله الثاني، احتل نشرات الأخبار الأسبوع الماضي عندما تلقى مكالمة من الرئيس الأسد، حيث كان أول اتصال بينهما منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، وبعد اندلاع الحرب في سوريا، وكان ذلك جزءاً من تحركات أخرى مع دمشق، فمنذ عام 2018 بدأت دول عربيّة دعمت المعارضة المسلحة لسنوات ضد الرئيس السوريّ محاولات لإعادة العلاقات الدبلوماسيّة دمشق.
لكن ومنذ منذ وصول الرئيس الأمريكيّ بايدن إلى سدة الحكم البيت الأبيض، زادت تلك الجهود بشكل واضح، ففي أيلول/ سبتمبر المنصرم التقى وزيرا الخارجيّة السوريّ والمصريّ على هامش اجتماعات الجمعيّة العامة للأمم المتحدة. وفي الأسبوع الماضي التقى وزيرا التجارة من سوريا والإمارات لمناقشة كيفيّة توسيع العلاقات الاقتصاديّة، في ظل المساعي السوريّة مع بعض الدول العربية لتعميق العلاقات الاقتصاديّة والسياسيّة، ما أيثير علامات استفهام كثيرة حول زيادة التقارب والتعاون بين سوريا والعرب، ومدى إمكانية أن يسهم ذلك في زيادة التعاون الخليجيّ - السوريّ، وعودة سوريا إلى ما تُسمى "جامعة الدول العربيّة".
وفي هذا الشأن، اعتبر إيلي ليك أنّ ذلك يُشكل "نكسة للمصالح الأمريكيّة"، مستنداً إلى أنّه منذ الفترة الثانيّة من ولاية الرئيس الأمريكيّ الأسبق باراك أوباما، كان هدف واشنطن يتركز على حرمان الرئيس السوريّ من النصر الكامل في الحرب، ولهذا السبب دعم أوباما وخليفته دونالد ترامب العقوبات على دمشق، والعملية التي رعتها الأمم المتحدة لصناعة قيادة انتقاليّة لسوريا، وربط الاعتراف الدبلوماسيّ بالحكومة السوريّة بنتائج العمليّة، مؤكّداً أنّ جهود تطبيع الأردنيين والمصريين والإماراتيين العلاقات مع سوريا لن تؤدي إلا لـ "جرأة الأسد"، متناسيّاً أنّ فشل بعض الدول الغربيّة والعربيّة بإسقاط الدول السوريّة عبر مساندة المليشيات والتنظيمات المتطرفة ودعمها بالمال والسلاح والدعم اللوجستيّ، هو الذي أدى إلى تبدل المعطيات لصالح دمشق على أغلب المستويات، وبالتالي إلى تغير الاستراتيجيّات التي دفعت معظم الدول للسعي وراء الاستقرار والسلام وتوفير المال المهدر وتوجيهه للتنميّة لتجاوز الأزمات الكبيرة التي حلت بالعالم مؤخراً.
"ماذا تفعل إدارة بايدن؟" سؤال صرحه الكاتب الأمريكيّ حول "ذوبان الجليد في العلاقات بين سوريا ورئيسها الأسد وحلفاء أمريكا العرب، خاصة أنّ الولايات المتحدة تُصر على منهجها الذي يرفض الاعتراف بحكومة الرئيس الأسد، حيث أخبر مسؤول في وزارة الخارجيّة الكاتب مع عدد من الصحافيين أن واشنطن لا تخطط لرفع مستوى العلاقات مع سوريا وأن الولايات المتحدة "لا تشجع الآخرين لعمل هذا"، بحسب تعبيره.
وإنّ عودة بعض الدول العربيّة وربما مستقبلاً الخليجيّة التي سعت لإسقاط دمشق وبكل الطرق، يزعج الكاتب الأمريكيّ الذي أشار إلى غياب أيّ انتقاد علنيّ من المسؤولين الأمريكيين لمكالمة الملك عبد الله مع الأسد أو أيّ ملامح للتقارب العربيّ الأخيرة مع سوريا، إضافة إلى غياب التحذيرات الأمريكيّة لحلفائها العرب من أن زيادة الاتصالات الدبلوماسيّة مع دمشق قد تكون خرقاً للحصار والعقوبات الأمريكيّة المجحفة الذي فرضها الإدارة الأمريكيّة على سوريا تحت مزاعم "جرائم الحرب"، كما بدأت الولايات المتحدة في حزيران/يونيو عام 2020 بفرض عقوبات على عدد من المسؤولين السوريين بناء على ما يسمى "قانون قيصر"، وفي ظل إدارة بايدن لم تقم الولايات المتحدة بفرض أيّ عقوبات جديدة بل خفضت من بعضها.
وبعد فشل مشاريع بعض الدول العربيّة والغربيّة التي دعمت الإرهاب في البلاد، تحت شعارات لا تمت للواقع بصلة، قال المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في إدارة دونالد ترامب، ديفيد شينكر: أنّه "من السذاجة التفكير أن يكون إعلان ملك الأردن عن مكالمته مع الأسد لو اعترض بايدن أو إدارته على هذا التواصل"، خاصة أنّ الأردن يتلقى 1.5 مليار دولار سنوياًّ من أمريكا كمساعدات عسكريّة واقتصاديّة، مضيفاً أنّه "حذر محاوريه بأنّ الاعتراف الكامل بنظام الرئيس الأسد يعد اختراقاً لقرار مجلس الأمن وقد يؤدي إلى عقوبات أمريكيّة إضافيّة ضد سوريا.
نهاية القول، في ظل الإحباط التي تعيشه قيادات المعارضة السورية من إدارة بايدن، بحسب الكاتب الأمريكيّ، بيّن معاذ مصطفى التابع لقوة المهام الخاصة الطارئة لسوريا، أنّهم تلقوا انطباعاً أنّه لن يتم تجاهل سوريا، وأقل ما يمكن عمله هو جعل تطبيع العلاقات مع الدولة السوريّة صعبا جدا، لكن تطبيع العلاقات مع الرئيس السوريّ، بدا سهلا للملك عبد الله، ولم يكلفه انفتاحه على الزعيم السوري أي شيء من حليفه المهم، ومثلما قال الملك عبد الله لشبكة "cnn" فـ "النظام موجود هنا ليبقى"ويبدو أن الرئيس الأمريكيّ يوافق على هذا مع أن دبلوماسيي إدارته لا يعترفون بذلك.