الوقت- إن طبيعة العلاقات الصينية الأمريكية لها بنية معقدة خاصتا وأن هاتين الدولتين كانتا تعبتران قوتين عالميتين عظيمتين في يوم من الأيام وكانتا شريكين ماليين واقتصاديين من ناحية وأعداء من ناحية أخرى ومتنافسين اقتصاديين وجيوسياسيين. ولكن العلاقة دخلت مرحلة الاحتكاك والتوتر وحتى تبادل التهديدات الثنائية بعد أن تولى الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" منصبه في البيت الأبيض. وهنا يمكن القول إن تركيز واشنطن على بكين تكثف بشكل ملحوظ خلال تلك الفترة.
استراتيجيات صينية أمريكية مختلفة للتسلل إلى منطقة الشرق الأوسط
تختلف استراتيجيات وآليات السياسة الخارجية للولايات المتحدة والصين لتحقيق مكاسب وفوائد أعظم؛ لكن يمكن القول أن كلا الجانبين في قضايا خارجية مهمة، مثل الشرق الأوسط، يسعيان إلى تحقيق هدف واحد، يتمثل في التأثير على المنطقة. وقد سعت الصين دائمًا إلى تعزيز نفوذها في جميع أنحاء العالم من خلال الوسائل التجارية والاقتصادية؛ لكن الولايات المتحدة اعتمدت على نهج عسكري وأمني لتحقيق هذا الهدف. وتحظى منطقة الشرق الأوسط بأهمية كبيرة لكل من واشنطن وبكين بسبب موقعها الاستراتيجي والجيوسياسي، وهو أمر مهم سياسيًا وأمنيًا للولايات المتحدة حيث تسعى إلى حماية مصالح الكيان الصهيوني في المنطقة، خاصة مع تنامي قوة المقاومة التي تقودها إيران في المنطقة.
ومع ذلك، ونظرًا لوفرة موارد النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، ترى الصين في المنطقة منصة جيدة للتأثير وكذلك لإقامة علاقات تجارية ثنائية مع دولها المختلفة. وفي غضون ذلك، وبينما صرح "بايدن" مرارًا وتكرارًا أن سياسة حكومته في آسيا قد تحولت من غرب القارة إلى الشرق، إلا انها تنوي تركيز جهودها على مواجهة الصين من خلال الانسحاب التدريجي من العراق وسوريا والمنطقة ككل. وترى واشنطن شغور في منطقة الشرق الأوسط كساحة جيدة لترسيخ هيمنتها الاقتصادية في المنطقة؛ مثل ما يحدث في سوريا.
خروج الولايات المتحدة وفرصة الصين العظيمة لدخول السوق الإقليمية
وفي حين أن الولايات المتحدة لم تعلن رسميًا بعد عن انسحابها من سوريا، تسعى الصين لتوقيع صفقات كبيرة مع دمشق ودخول السوق الاقتصادي للبلاد. وفي منتصف يوليو، زار وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" سوريا ووقع عدة اتفاقيات تعاون مع حكومة دمشق خلال حفل تنصيب الرئيس السوري "بشار الأسد" بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية. كما وفرت عقوبات "القيصر" الأمريكية ضد سوريا حافزًا جيدًا لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين دمشق وبكين.
تحسن كبير في علاقات بكين مع حلفاء واشنطن
وحتى التأثير التدريجي للصين في منطقة الشرق الأوسط يمكن رؤيته مع حلفاء الولايات المتحدة مثل الإمارات والسعودية. إن بكين هي أكبر مستورد للنفط السعودي، وهذا هو السبب في أن الصينيين هم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية. وسرعان ما أصبحت الصين مستهلكًا رئيسيًا للنفط السعودي، وقد دأبت المملكة العربية السعودية على توفير المزيد من الطاقة للصين أكثر من أي دولة أخرى. ومع نمو التجارة بين البلدين بشكل تدريجي، تُظهر المملكة العربية السعودية أيضًا اهتمامًا بتطوير محادثات رفيعة المستوى مع بكين. وفي عام 2019، خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" إلى الصين، تم توقيع اتفاقية لبناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات في مقاطعة "لياونينغ" كمشروع مشترك بين المملكة العربية السعودية والصين. وبالإضافة إلى ذلك، تم تدريس اللغة الصينية كلغة ثانية في المدارس السعودية منذ العام الماضي. وفي ذلك الوقت، قال "محمد بن سلمان" في مقابلة أجريت معه: "أعلنت الصين اليوم أنها شريك استراتيجي للسعودية، مثل روسيا والهند. وبالطبع تظل الولايات المتحدة الشريك الاستراتيجي للسعودية. لكننا نعزز مصالحنا مع الجميع". لقد سيطرت الولايات المتحدة على نصف الاقتصاد العالمي في الخمسينيات من القرن الماضي، لكن هذا الرقم انخفض ووصل الآن إلى 20٪.
ولكن النفوذ الاقتصادي للصين في الإمارات ربما يكون أكثر وضوحًا منه في الدول العربية الأخرى، وخاصة أن الآلاف من الشركات الصينية العاملة في الإمارات، وعشرات الآلاف من الصينيين العاملين في دبي، وأجزاء كبيرة من التجارة البحرية للصين في موانئ الإمارات، والتعاون المكثف في مكافحة وباء كورونا وشراء معدات الحماية الشخصية لـ "محمد بن زايد" يمكن رؤيتها بشكل واضح. ومن ناحية أخرى، تم تنفيذ الآفاق الاقتصادية لمشيخات الخليج الفارسي مثل رؤية المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين لعام 2030 ورؤية الإمارات العربية المتحدة لعام 2021 ورؤية الكويت لعام 2035 ورؤية عمان لعام 2040 بالتزامن مع المنافسة الاقتصادية بين بكين وواشنطن. وأيضًا، ونظرًا للتقدم الملحوظ الذي حققته الصين في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يرى العرب أن بكين وجهة جيدة للاستثمار في آفاقهم.
وعلى مدار العام الماضي، دعمت الصين الفلبين بشكل أكثر وضوحًا، ومنعت قرارات مجلس الأمن ضد حكومة ميانمار، ووسعت علاقتها الاستراتيجية مع باكستان، وأعلنت مؤخرًا عن اتفاقها لمدة 25 عامًا مع إيران. في الواقع، استجابةً لسياسات الولايات المتحدة المتمثلة في تجنيد حكومات إقليمية لمواجهة سياسات الصين، اتبعت حكومة بكين نهجًا مشابهًا، سعياً وراء تحالفات استراتيجية للتنافس مع الولايات المتحدة. لذلك، لا بد من القول إن معادلات القوة السياسية تتجذر في شرق آسيا، وفي السنوات القادمة، ستكون شرق آسيا مركز الصراع والتنافس بين القوى العظمى.
الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين ومصير مشيخات الخليج الفارسي
وإضافة إلى ذلك، تلتزم الحكومة الصينية بتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية بالإضافة إلى التعاون مع دول العالم. وفي غضون ذلك، كان اقتصاد الصين ينمو خلال العام الماضي حيث تضررت اقتصادات مختلف البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، من تفشي وباء كورونا. كما بدأت في بناء حاملات طائرات وتوسيع نفوذها في بحر الصين الجنوبي. وعليه، يبدو أن لغز التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة يتكشف بسرعة، ويشهد العالم تنافسًا جديدًا بين الولايات المتحدة والصين، كما حدث خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وهنا يمكن القول أنه يمكن أن تؤثر الخصومات بين الولايات المتحدة والصين أيضًا على مصالح وأمن العديد من البلدان. وستكون دول الخليج الفارسي، الحلفاء الرئيسيون للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، من بين أوائل المتضررين من التنافس بين واشنطن وبكين أو الحرب الباردة القائمة بينهما. وبعد الانسحاب غير المتوقع للأمريكيين من أفغانستان وما حدث في ذلك البلد، فإن الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة في حالة ارتباك، وكما تظهر المؤشرات، يبحثون سرًا عن حليف جديد أو بديل محتمل لواشنطن.
وإضافة إلى تضاؤل ثقة حلفاء الولايات المتحدة في السياسات الأمريكية، يفسر الكثيرون هزيمة واشنطن في أفغانستان على أنها "تراجع للإمبراطورية الأمريكية". ولهذا فهم الان في وسط معضلة حماية تحالفهم مع الولايات المتحدة أو الانسحاب التدريجي من هذا التحالف. وفي هذا السياق، يشير مركز دراسات الشرق الأوسط في مقال له إلى أن مخاطر الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ستكون أعلى بكثير مما هي عليه في أجزاء أخرى من العالم. ويرى العديد من المراقبين الأمريكيين أن الصين نقطة خلاف رئيسية مع دول الخليج عندما يتعلق الأمر بدور الصين في المنطقة. ويرى "جوناثان فولتون"، الخبير في العلاقات بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط، أن علاقات دول الخليج مع الصين تشكل حاجزًا جيدًا أمام حكامها. ويعتقد الكتاب الغربيون أيضًا أن دول غرب آسيا، وخاصة العرب، رغم أنهم مجبرون على ما يبدو على الحفاظ على تحالفهم مع الولايات المتحدة؛ لكنهم يميلون أكثر إلى التحالف مع الصين، لأن هدف بكين الرئيسي هو توسيع النفوذ الاقتصادي والتجارة في جميع دول العالم، وعلى عكس الولايات المتحدة، لا علاقة لها بالهيكل السياسي والأمني لتلك الدول.