الوقت- كشفت الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً بين إيران والكيان الإسرائيلي، ليس فقط هشاشة الجبهة الداخلية في كيان الاحتلال، بل أيضاً وجهاً اجتماعياً مظلماً لطالما حاول الكيان الإسرائيلي إخفاءه خلف دعايات "الديمقراطية" و"القيم اليهودية": مجتمع الغنيمة والسرقة، حيث باتت عمليات النهب ظاهرة متفشية ومكشوفة، حتى بين فئات لا يُفترض أن تنحدر لمثل هذه الممارسات.
في هذا السياق، كشفت صحيفة معاريف العبرية عن تصاعد مذهل في سرقة البيوت التي تعرضت للقصف الإيراني، مؤكدة أن الشرطة الإسرائيلية سجّلت عشرات الحوادث من اقتحام وسرقة المنازل المهجورة والمتضررة بفعل الصواريخ، ما اضطر الحكومة إلى إقرار قانون جديد يضاعف العقوبة على السرقة في أوقات الحرب أو الكوارث.
مجتمع يتآكل من الداخل: الغنيمة بدل التضامن
في الدول المتحضّرة، تُظهر الأزمات — سواء كانت حروباً أو كوارث طبيعية — الجانب الإنساني من المجتمعات، حيث يتجلى التكافل الاجتماعي، وتبرز مظاهر الدعم والتضامن، لكن في الحالة الإسرائيلية، بدا واضحاً أن البنية الأخلاقية للمجتمع مفككة، وأن "الغنيمة" و"الانتهازية" حلت مكان التضامن.
حسب التقارير، فإن منازل تعرّضت للقصف في حيفا، تل أبيب، أشدود، وريشون لتسيون، كانت هدفاً لعصابات سرقة وأفراد عاديين استغلوا الفوضى الأمنية ليقتحموا البيوت ويستولوا على ممتلكات أصحابها الذين فرّوا إلى الملاجئ أو هاجروا مؤقتاً إلى مناطق أخرى، كما أظهرت التحقيقات أن بعض السرقات نُفذت من قبل سكان الجوار أنفسهم، ما يشير إلى مستوى خطير من الانهيار القيمي.
أحد الضباط الإسرائيليين تحدّث لصحيفة هآرتس قائلاً: "ما شاهدناه لم يكن مجرد سرقات بل كان نهباً جماعياً، وكأننا أمام مشهد من فيلم بعد نهاية العالم... لم يعد للجيرة أو القانون أي قيمة."
القانون الجديد: اعتراف ضمني بفشل الأمن والمجتمع
رداً على هذا الواقع الصادم، أقرّت اللجنة الوزارية للتشريعات في الكيان الإسرائيلي مشروع قانون يُضاعف العقوبات على السرقة والنهب في أوقات الحرب والكوارث الطبيعية، القانون ينص على أن الجريمة التي تُرتكب في مثل هذه الظروف تعاقب بعقوبة مضاعفة مقارنة بنفس الجريمة في الظروف العادية.
لكن هذا الإجراء يعكس في جوهره اعترافاً رسمياً بفشل الدولة في ضبط الشارع، وفقدان الثقة بين مكونات المجتمع، إذ لا يمكن تفسير انتشار النهب إلا بوصفه نتيجة لعقود من التحريض والعنصرية والانقسام الطبقي، الذي خلق طبقات واسعة لا ترى في القانون ولا في الأخلاق أي رادع أمام إشباع الغرائز المادية.
من الداخل إلى الخارج: صورة الإسرائيلي في فنادق العالم
ليست هذه الظاهرة محصورة في الداخل الإسرائيلي فقط، فقد اشتهر السائح الإسرائيلي منذ عقود بسلوكيات غير حضارية في الفنادق والمطارات حول العالم، حتى أن بعض الفنادق في أوروبا وآسيا كانت ترفض استقبال الزبائن القادمين من "إسرائيل" إلا بشروط مشددة.
في عام 2015، نشرت صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل تقريراً تناول فيه شكاوى أصحاب فنادق في تركيا وتايلاند وقبرص حول قيام سياح إسرائيليين بسرقة المناشف، أدوات الحمام، أجهزة التحكم بالتلفاز، وحتى المصابيح الكهربائية من الغرف، وأكد بعض مديري الفنادق أنهم صاروا يُجبرون الزبون الإسرائيلي على فتح الحقائب قبل مغادرة الفندق للتأكد من عدم وجود مسروقات.
وحسب تقرير نشره موقع TripAdvisor، فقد احتل السائح الإسرائيلي مراتب متقدمة بين أكثر الجنسيات "المزعجة"، بسبب السلوك العدائي، وقلة الاحترام، ومحاولة سرقة أشياء بسيطة.
ولم تقتصر الوقائع على ذلك؛ ففي عام 2018، طُردت عائلة إسرائيلية من فندق في مدينة باتايا التايلاندية بعد اكتشاف أنها سرقت أواني المطبخ بالكامل، بما في ذلك قدر الأرز الكهربائي، وقبلها، تم تداول مقطع فيديو لمدير فندق هندي يفتح حقيبة سائح إسرائيلي ليجد بداخلها أدوات الحمام، مناشف، وبعض زينة الغرف.
السرقة كنموذج ثقافي؟
لا يمكن تفسير هذه السلوكيات المنهجية على أنها مجرد تصرفات فردية أو ناتجة عن الفقر، فالإسرائيليون القادرون على السفر والإقامة في فنادق عالمية لا يمكن أن يكونوا معدمين، بل تكشف هذه الممارسات عن ثقافة استعلائية ترى في الآخر حقاً مشروعاً للاستغلال.
ربما تعود جذور هذه السلوكيات إلى الفكر الصهيوني ذاته، الذي يقوم على فكرة "الاستحواذ"، سواء في الأرض أو التاريخ أو الموارد، ومن الطبيعي أن تنسحب هذه الذهنية على تفاصيل الحياة اليومية، حيث لا يشعر المواطن الإسرائيلي بأن القانون أو الأخلاق تفرض عليه التزامات خارج حدود كيانه المغلق.
الانفلات الأمني في الكيان الإسرائيلي: هوس الأمن وفقدانه
رغم أن الكيان الإسرائيلي يُعرف بكونه واحدة من أكثر الدول "أمننةً" في العالم، حيث تنتشر كاميرات المراقبة، والحواجز، والتقنيات الأمنية في كل زاوية، فإن الوقائع الأخيرة أظهرت عجزاً كاملاً عن حماية الممتلكات والأرواح في الداخل.
فخلال الحرب مع إيران، أُعلن عن عشرات حالات الفوضى، ليس فقط في عمليات النهب، بل أيضاً في فوضى الملاجئ، ضعف التنسيق بين البلديات، وتخبط الجبهة الداخلية في إدارة الطوارئ.
وحسب مركز "INSS" الإسرائيلي للدراسات الأمنية، فإن أحد أكبر التهديدات التي تواجه "إسرائيل" اليوم لا تأتي من إيران أو حماس، بل من "الانقسام الداخلي وانعدام الثقة بين الدولة ومواطنيها"، حيث بات جزء كبير من السكان لا يثق بقدرة الحكومة على حمايتهم، ما يدفعهم للبحث عن حلول فردية، بما في ذلك السطو والسرقة.
صورة الکیان الإسرائيلي الحقيقية تتكشف في الأزمات
لا تُقاس أخلاق المجتمعات في الرخاء، بل في وقت الشدة، وما كشفته الحرب الأخيرة أن "إسرائيل" ليست "واحة الديمقراطية" كما تدّعي، بل مجتمعاً مأزوماً، ينخره الفساد، وتنهشه الفوضى، وتُهيمن عليه عقلية الغنيمة، من سرقة بيوت الجيران في الحرب، إلى سرقة فناجين القهوة من فنادق أوروبا، تتكشف صورة الكيان الذي قام على السلب والنهب منذ تأسيسه.
الاحتلال الذي بُني على أنقاض بيوت الفلسطينيين المسروقة، هو نفسه الذي يشهد اليوم سرقة بيوته من أبنائه، وربما في ذلك مفارقة تاريخية، لكنها ليست مفاجئة لمن يعرف طبيعة المشروع الصهيوني منذ بداياته.