الوقت - استمراراً لسياسة الإمارات الخارجية متعددة المحاور لتعزيز مكانتها الإقليمية، استقبل محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والقائد العام للقوات المسلحة الإماراتية، قائد الجيش الباكستاني الجنرال "قمر جاويد باجوا"، في 30 سبتمبر 2021.
وتأتي زيارة باجوا لأبو ظبي في وقت توترت فيه العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، بسبب عدم مشاركة إسلام أباد في الحرب اليمنية وعدم دعم دول مجلس التعاون لباكستان في قضية إلغاء الحكم الذاتي لكشمير من قبل الهند.
کما يُعقد هذا الاجتماع أيضًا في وقت لعبت فيه باكستان دورًا مهمًا في التطورات الأخيرة في أفغانستان، وهي على طريق زيادة التقارب مع تركيا. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي أهداف محمد بن زايد من دعوة قائد الجيش الباكستاني؟
السعي لتحسين العلاقات الثنائية
إن تحسين العلاقات الثنائية وتعزيزها هو الهدف الأول لمحمد بن زايد من دعوة قائد الجيش الباكستاني.
في المجالين العسكري والأمني، لعبت باكستان دورًا مهمًا في تعزيز وتطوير مؤسسات دولة الإمارات المختلفة، مثل القوات المسلحة والشرطة وقوات الأمن، منذ استقلال الإمارات في السبعينيات. وفي السنوات الأخيرة، قام الضباط الباكستانيون بتدريب الجنود والطيارين الإماراتيين أيضًا.
وعلى مدى العقد الماضي، وضعت الإمارات على جدول أعمالها الاستثمار في مصانع الذخائر الباكستانية، وأنشأت كلية الضباط الإماراتية في وزيرستان. ويعتزم محمد بن زايد الآن زيادة التعاون العسكري مع إسلام أباد في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة.
وعلى الصعيد الاقتصادي أيضًا، أصبحت باكستان أحد أهم الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، بحجم تجارة يبلغ حوالي 10 مليارات دولار. کما بلغت الاستثمارات الاقتصادية لدولة الإمارات في باكستان مبلغًا كبيرًا تجاوز 20 مليار دولار.
حالياً، هناك أكثر من 26 شركة إماراتية في باكستان تعمل في القطاعات الجديدة للتنمية الاقتصادية والتجارة، وتم إبرام أكثر من 28 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بما في ذلك تجنب الازدواج الضريبي وتعزيز وحماية الاستثمار المتبادل ، وإلخ.
كما أن وجود المهاجرين أو العمال الباكستانيين في الإمارات مهم للغاية بالنسبة لإسلام أباد. إذ يوجد حاليًا أكثر من 1.5 مليون باكستاني في الإمارات كمهاجرين. والأموال التي يحولها هؤلاء الأشخاص من الإمارات إلى بلادهم، مهمة للغاية في الدورة الاقتصادية الباكستانية.
تقريب إسلام أباد في القضايا الإقليمية
في السنوات الأخيرة، ركَّز ولي عهد الإمارات محمد بن زايد استراتيجية سياسته الخارجية على ثلاثة مجالات مهمة، هي: الحضور الفاعل والبارز في معادلات ومراكز الأزمات الإقليمية، زيادة ثقل الإمارات في الوطن العربي كقائد سياسي، واحتواء المحور "الإخواني" في غرب آسيا وشمال إفريقيا.
وفي تنفيذ هذه السياسات، ركَّز بن زايد، إضافة إلى الفاعلين العرب، على باكستان باعتبارها واحدة من أهم الدول الإسلامية التي تمتلك الطاقة النووية.
في الواقع، في علاقات أبو ظبي مع إسلام أباد، يسعى بن زايد إلى مواءمة مواقف باكستان مع موقفه في مختلف القضايا، ومن ناحية أخرى تحذير باكستان من التقارب مع المحور الإخواني، أو بعبارة أدق، التقارب مع سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ولكن في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن مهمة محمد بن زيد ليست بالسهلة؛ لأن مواقف باكستان في أزمات مثل الخلافات بين الدول العربية مع قطر واليمن وسوريا وحتى أفغانستان، تتعارض مع أبو ظبي.
كما أن التقارب المتزايد للعلاقات بين الإمارات والهند، هو موقف مهم آخر أصبح عقبةً أمام تطوير العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين.
بشكل عام، في رسم العلاقات بين البلدين على مستوى السياسة الخارجية، يمكن القول إنه خلافًا لمطالب ابن زايد، ستحافظ باكستان على استقلالها في استراتيجيتها، على الرغم من حاجتها الاقتصادية الملحة لإمارة أبوظبي، وسيفشل ولي العهد الإماراتي الطموح في تحقيق هدفه المتمثل في مواءمة باكستان مع سياساته.
أزمة أفغانستان
على الرغم من أن بعض مسؤولي وزارة الخارجية الباكستانية قللوا في أوائل سبتمبر من دور الإمارات في مجال المعادلات السياسية في أفغانستان، إلا أن الحقيقة هي أن محمد بن زايد، كشخصية طموحة تتبنى نهج التدخل في مراكز الأزمات، يعتزم لعب الدور الأدني في أفغانستان.
وفي هذا الصدد، رأينا أن الإمارات لعبت دورًا مهمًا للغاية في خروج الرعايا الأجانب للدول المختلفة بعد سيطرة طالبان علی أفغانستان. حتى أن هذا البلد قدم مساعدات إنسانية كبيرة لأفغانستان في الشهر الماضي.
مجموع هذا الاتجاه يشير إلى أن محمد بن زايد، بصفته صانع السياسة الرئيسي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حريص على لعب الدور في المعادلات الأفغانية، ليعزز بهذه الطريقة مكانة الإمارات كقوة إقليمية.
وفي ظل الوضع الراهن، ينوي ابن زياد، وهو يعلم أن اللاعب الرئيسي في التطورات في أفغانستان هي إسلام آباد، أن يلعب دورًا في مستقبل المعادلات الأفغانية في البعدين السياسي والاقتصادي، من خلال هذا البلد.
وفيما يتعلق بقضية أفغانستان أيضًا، فإن احتمال قيام باكستان بالمساعدة وتمهيد الطريق لأبو ظبي للعب دور في التطورات المستقبلية للسلطة في كابول، يبدو محتملاً إلى حد ما.