الوقت - بعد الموجة الإيجابية للعلاقات بين سوريا والدول العربية، سافر وفد مكون من عدة وزراء سوريين إلى العاصمة الأردنية عمان في 28 أيلول/سبتمبر 2021.
تشكيلة الوفد السوري الذي يضم وزراء "الاقتصاد والتجارة الخارجية" و"الموارد المائية" و"الزراعة والإصلاح الزراعي" و"الكهرباء"، تعكس الأهداف الاقتصادية لهذه الزيارة وعزم الجانبين على إحياء التعاون السابق في هذا المجال.
وتأتي زيارة الوفد السوري بعد أن شهدنا خلال السنوات الثلاث الماضية بداية عملية خفض التصعيد وتطبيع العلاقات بين الدول العربية ودمشق. وفي هذا السياق، افتتحت الإمارات والبحرين سفارتيهما في دمشق في أواخر عام 2018. كما أعادت عمان سفيرها إلى دمشق في أكتوبر 2020.
وفيما يتعلق بالأردن على وجه الخصوص، أفادت مصادر إخبارية في أيلول/سبتمبر من هذا العام، أن وزير الدفاع السوري التقى رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأردني لمناقشة التعاون العسكري والأمني المشترك.
إضافة إلى ذلك، عقد اجتماع لوزراء الطاقة في الأردن ومصر وسوريا ولبنان في 7 أيلول 2021 في عمان، لمراجعة الإجراءات اللازمة لتفعيل اتفاقيات نقل الطاقة بينهم. واتفق الاجتماع الرباعي على اتخاذ الخطوات اللازمة لتفعيل الاتفاقيات بين هذه الدول، بشأن نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
إحياء العلاقات بين عمان ودمشق
تراجعت العلاقات بين عمان ودمشق منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، بعد دعم الحكومة الأردنية للمعارضة في أولى الاحتجاجات في مدينة درعا.
وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين لم تنقطع تمامًا، ولکن نظرًا لقرب سياسات هذا الجار الجنوبي لسوريا من الدول الخليجية والولايات المتحدة، لم تكن هناك علاقات بين البلدين عملياً.
وحتى في عام 2014، طرد الأردن السفير السوري في عمان، بهجت سليمان، وتسلم "أيمن علوش" القائم بأعمال السفارة السورية مهام السفارة، وفي المقابل وجدت السفارة الأردنية في سوريا وضعاً مماثلاً ونزلت إلی مستوی القائم بالأعمال.
بعد ذلك أغلق الأردن معابره الحدودية مع سوريا، وعملياً انخفض مستوى التبادلات الاقتصادية بين البلدين، والذي بلغ في عام 2011 أكثر من 250 مليون دولار، انخفاضًا حادًا.
ومع ذلك، يبدو أن زيارة وزير الدفاع السوري إلى الأردن، وكذلك هذا الوفد السوري الجديد، الذي يتسم في الغالب بطابع اقتصادي، أصبحت أرضيةً لإحياء العلاقات المتوترة بين البلدين.
وفي هذا الصدد، بالتزامن مع زيارة الوفد السوري للأردن، وردت أنباء عن إعادة الفتح الكامل للمعابر الحدودية الأردنية مع سوريا، مما يعد بعزم الجانبين على النمو السريع للتعاون الاقتصادي.
كما تؤكد مواقف المسؤولين الأردنيين علی هذا الموضوع أيضًا، حيث أكد رئيس الوزراء الأردني في لقاء مع الوفد السوري على أهمية تعزيز التعاون والعلاقات بين الأردن وسوريا في مختلف المجالات بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، معرباً عن أمله في أن تؤدي اللقاءات والرحلات بين البلدين إلى مشاريع تعود بالنفع على البلدين، وتعزز الروابط التاريخية التي توحد بين الشعبين الأردني والسوري.
كما أفادت وكالة الأنباء الحكومية السورية الرسمية أن اجتماعات بين الوزراء السوريين والأردنيين عقدت في العاصمة الأردنية عمان، لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات التجارة والنقل والكهرباء والزراعة والموارد المائية.
إحياء التعاون التقليدي بين الأردن وسوريا
بالنظر إلى أن طول الحدود الأردنية السورية يبلغ 375 كم، يمكننا أن نفهم أهمية المعبر الحدودي بين البلدين في تبادل البضائع والعلاقات التجارية المشتركة.
لكن الأردن أغلق معبر جابر - نصيب الحدودي مع بداية الحرب في سوريا رغم المشاكل الاقتصادية التي لا يزال يواجهها؛ وهي خطوة كانت على حساب عمان إلى حد كبير. بمعنی أن قيمة صادرات الأردن إلى سوريا عام 2011 بلغت 255.5 مليون دولار، لکنها انخفضت في عام 2016 إلى 13.9 مليون دولار.
يبدو الآن أن الأردن ينتهج سياسة إعادة فتح حدوده مع سوريا لتعويض خسائره الاقتصادية، وهو حريص على زيادة العلاقات كما كانت من قبل.
على صعيد آخر، عمل الأردن مع العراق ومصر لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية في مجال الطاقة خلال العامين الماضيين، وهو ما يعرف بمشروع "الشام الجديد" أو "خطة الوحدة العربية".
وعلى الرغم من أن هذه الخطة لا علاقة لها بسوريا من حيث التاريخ والمفاوضات المحيطة بالخطة، وأن دمشق لم تكن أبدًا أحد الوكلاء الرئيسيين للخطة، ولکن يبدو للأردن أن زيادة التعاون الاقتصادي مع سوريا وخاصةً التجارة على الحدود، يمكن أن يكون بمثابة دعم لخطة الشام الجديد.
في الواقع، يمكن للأردن، كوسيط بين مصر والعراق في مجال التجارة والتعاون في مجال الطاقة، أن يخطو خطوةً مهمةً في تعزيز مكانته في التحالف الثلاثي لمشروع الشام الجديد، من خلال إحياء تعاونه التقليدي مع دمشق.
ويتجلى أول مظاهر ذلك في تصريحات رئيس الوزراء الأردني "الخصاونة"، خلال الزيارة الأخيرة للوفد السوري، والتي أكد خلالها على تنفيذ خطط النقل السريع للغاز والكهرباء المصريين إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، وهو ما يتم من خلال تجهيز شبكة الكهرباء في الأراضي السورية.
فشل سياسة الضغط الأمريكية وإحلال السلام الإقليمي
لا شك أن إعادة فتح القنوات الحدودية، وربما التطبيع الكامل للعلاقات بين عمان ودمشق في المستقبل القريب، يمثلان فشلاً تامًا لسياسات العقوبات الأمريكية والضغط على حكومة بشار الأسد الشرعية.
يتشكل هذا الوضع في وقت يُعرف فيه الأردن في منطقة غرب آسيا كأحد حلفاء واشنطن، والذي ليس لديه سياسة خارجية مستقلة، ولكن الآن بعد أن أصبحت قضية الانسحاب الأمريكي من المنطقة مؤکدة، يبدو أن الحكام الأردنيين يعتقدون أنه من الضروري اتباع سياسة التعايش السلمي مع جارتهم الشمالية، والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على السلام والاستقرار الإقليميين.