الوقت- قبل حوالي أكثر من شهر، اختبر الحرس الثوري في إيران جيلا جديدا من الصواريخ البالستية، عُرف باسم «عماد»، دون الكشف عن مدی هذا الصاروخ، الذي يعمل بالوقود السائل، وأثار اختباره ضجة اعلامية في وسائل الاعلام الغربية وبعض دول المنطقة. وحاولت الدول الغربية وعلی رأسها أمريكا، الايحاء بان اختبار عماد، يمثل انتهاكا صارخا للاتفاق الذي ابرمته إيران ومجموعة «5+1» حول البرنامج النووي الإيراني. لكن رغم السخط الغربي، كررت إيران مواقفها السابقة بانها لا يمكن أن تساوم علی صناعاتها الدفاعية وأنها ماضية دون توقف في مجال إنتاج ما يلزمها من صواريخ، للدفاع عن أمنها القومي أمام التهديدات التي تتعرض لها. إذن ما هي القدرات الصاروخية الإيرانية وكيف سيكون مستقبل تطورها في ظل مساعي الدول الغربية للحد منها.
في هذا السياق وبالتحديد قبل يومين، مرت علينا الذكری الرابعة لاستشهاد العميد «حسن طهراني مقدم» الذي يحمل لقب «أب الصواريخ» الإيرانية. عندما استشهد طهراني عام 2011، ظن البعض أن وتيرة اختبار الصواريخ البالستية الإيرانية، ستشهد تراجعا عما كانت عليه خلال السنوات الماضية، لكن لم يحدث ذلك واستمرت إيران بتقدمها الصاروخي وحققت قفزة نوعية في تصنيع وإختبار أجيال جديدة من الصواريخ بعيدة المدی، مثل صاروخ «سجيل 2».
يعتبر صاروخ عماد، الجيل الاول من الصواريخ الايرانية التي يمكن التحكم بها عن بعد، مما سيمكنها ذلك من قدر كبير من المناورة، للافلات من الرادارات وإصابة الهدف المحدد، بهامش خطأ ضئيل. وعند اختبار صاروخ عماد، قال وزير الدفاع الإيراني العميد «حسين دهقان»، «نحن لا نستأذن أحدا لتعزيز قدراتنا الدفاعية والصاروخية، ونتابع بحزم برامجنا الدفاعية خاصة في المجال الصاروخي، حيث يعتبر الصاروخ "عماد" أحد أمثلته البارزة». تصريحات حازمة مثل هذه ترسم صورة بمنتهی الوضوح لمن يهمه الأمر، مفادها: أن لا شيء يمكن أن يوقف إيران عن تطوير برنامجها الصاروخي البالستي الدفاعي، لخلق موازنة ردع، لمجابهة التهديدات التي تواجهها علی الدوام من قبل خصومها.
إن الترسانة الصاروخية التي كشفت عنها إيران ليومنا هذا، تتمتع بكمية كبيرة وطرازات متعددة من الصواريخ بعيدة وقصيرة المدی، تم تصميمها وفقا للتهديدات التي من المحتمل أن تتعرض لها طهران مستقبلا. ومن ضمن هذه الترسانة، تعتبر عائلة شهاب الصاروخية التي تتشكل من شهاب1 و2 وشهاب3، الاكثر تداولا في وسائل الاعلام، دون أن توجد تفاصيل دقيقة عن هذه الصواريخ التي يبلغ جيلها الثالث حوالي 2000 كيلومترا ولعله يزيد علی ذلك. ومنذ عدة أعوام فقد راكمت إيران اختباراتها للعديد من الصواريخ حتی شهدنا بعد شهاب، أجيالاً جديدة من الصواريخ ياتي في مقدمتها «عاشوراء» و«قدر» و«سجيل»، والكثير من الصواريخ متوسطة المدی، وصولا الى «عماد»، باعتباره صاروخا بعيد المدی، والاكثر تطورا من جميع الطرازات السابقة.
لا نريد شرح قدرات جميع هذه الصواريخ، واسمحوا لنا أن نشير وبايجاز كبير الی قدرات صاروخ «سجيل» دون غيره من الصواريخ الاخری. استخدام الوقود الصلب ليست هي الميزة الوحيدة التي يتمتع بها صاروخ سجيل، بل هنالك الكثير من الميزات الاخری مثل سرعته الفائقة التي تتراوح بين 3400 و4080 مترا في الثانية، جعلته في عداد أفضل الصواريخ البالستية الإيرانية باعتقاد مراكز الدفاع الاجنبية. هذا الصاروخ الذي يحمل رأسا زنته نصف طن، جعل مهمة استهدافه من قبل أنظمة الدفاعات الجوية، مهمة في غاية الصعوبة إن لم تكن غير واردة علی الاطلاق.
وخلال السنوات الاخيرة كشفت إيران عن العديد من منصات اطلاق الصواريخ التي تم تدشينها في أعماق الأرض وكثيرا منها تحت الجبال. وتم تدشين هذه المنصات لاستخدامها في عملية الاطلاق لتفادي ضربها من الجو. وتنتشر هذه المنصات في العديد من المناطق دون أن يعرفها إلا من اوكلت اليه مهمة تدشينها. وفي هذا السياق كشفت إيران قبل فترة وجيزة عن إحدى مدنها الصاروخية التي تقع في عمق 500 متر تحت الأرض وفيها عدد غير معروف من منصات اطلاق الصواريخ المتحركة وعدد كبير من الجنود. فماذا تريد إيران من وراء كل هذه الاستعدادات؟ الجواب في جملة واحدة وهي: اننا مستعدون للرد علی كل من يفكر بزعزعة أمننا الوطني.
وأخيرا، لا نشك في أن ما كشفت عنه إيران حتى اليوم من صواريخ بعيدة المدی تعمل بالوقود الصلب والسائل، ومنصات إطلاق صواريخ مخبئة في أعماق مئات الامتار تحت الأرض والجبال، ما هي إلا رأس الجليد في الترسانة الدفاعية الإيرانية. إذن لا يسع الشعب الإيراني في الذكری الرابعة لاستشهاد حسن طهراني مقدم، إلا أن يقول له: شكراً لك علی جهودك وما قدمت لنا في مجال الصناعات الصاروخية التي استمرت لما يقارب 25 عاماً.
