الوقت_ في الوقت الذي فرضت فيه المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في "حزب الله" نفسها بقوّة على الساحتين السياسيّة والعسكريّة، وبالأخص بعد الانتصار العظيم لمحور المقاومة، والذي تجسد في إجبار الولايات المتحدة على كسر حصار لبنان وسوريا، من خلال الناقلات النفطيّة القادمة من الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة إلى لبنان، زعمت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة على لسان المتحدثة الإقليمية باسمها، جيرالدين غريفيث، أنّ "استيراد لبنان للنفط من إيران ليس في مصلحته ويعرضه للخطر"، مدعية أنّ "أنشطة حزب الله تقوض المؤسسات اللبنانيّة وربما تعرض لبنان لعقوبات"، متناسيّة الحصار الأمريكيّ الخانق على حياة اللبنانيين وقطع الوقود عنهم، الشيء الذي أجبر المستشفيات والمخابز والكثير من المنشآت الهامة إلى الإغلاق أو تقليص خدماتها بسبب انقطاع التيار الكهربائيّ.
ورغم أنّ الناقلات الإيرانيّة جاءت لإنقاذ لبنان من أزمة نفطيّة حادة أنهكت اللبنانيين نتيجة لتأثيرها الشديد على كافة القطاعات، بسبب الحصار الأمريكيّ والغربيّ، قالت المتحدثة الإقليميّة باسم وزارة الخارجية الأمريكيّة في حديث صحفيّ إنّ بلادها على استعداد لتوفير الدعم للبنان، بشرط وجود رغبة من قبل السلطة للقيام بواجباتها، في بلد يعيش أصعب الظروف على جميع المستويات نتيجة للحصار الأمريكيّ.
وفي ظل الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تعيشها البلاد وحجم الأعباء الملقاة على عاتق الحكومة الحاليّة، زعمت غريفيث أن "استيراد النفط من إيران، وأنشطة حزب الله المتزايدة تعرض لبنان للخطر"، ما أظهر الانزعاج الأمريكيّ الكبير من قضية كسر الحصار الذي فرضته واشنطن على لبنان، بعد أن استطاعت المقاومة اللبنانيّة فرض نفسها بقوّة في المنطقة، رغم كل العداوات التي تتربص بحزب الله المقاوم ومحاربته من خلال عملاء الداخل، لمحاولة تغيير قرار المقاومة في لبنان والمنطقة، وتغليب لغة المساومة، لأنّ حزب الله بات حاضراً بقوّة على المستويين الداخليّ والخارجيّ، وإنّ الغضب الأمريكيّ خير دليل على ذلك.
وبدل أن تقوم الولايات المتحدة بفك الحصار عن لبنان المنهار وتمد يد العون لشعبه، ركزت واشنطن على إمكانية فرض عقوبات أمريكيّة جديدة على لبنان، وقدمت عذراً أقبح من ذنبها، متحدثة أنّ العقوبات الأمريكيّة تستهدف التعامل والتجارة "غير الشرعيّة" مع الدول المحاصرة مثل إيران، عقب قرار الجمهوريّة الإسلاميّة الشجاع الذي غير المعادلات وأجبر الإدارة الأمريكيّة على التنازل، وتسبب بانفراج أوليّ في الأزمة الاقتصاديّة التي فشلت الدولة اللبنانية وأحزابها في حلها أو معالجتها في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع نسب الفقر والعنف والهجرة.
وفي انعدام أخلاقيّ تام وتخلٍ كامل عن المسؤوليّة في ضرورة إعادة الروح للدولة اللبنانيّة ووضع حدٍ للانهيار الاقتصادي الكارثيّ الذي عاشه اللبنانيون في السنوات الأخيرة، أردفت جيرالدين غريفيث قولها: "من وجهة نظر إدارة الرئيس الأمريكيّ جو بايدن، فإن استيراد الطاقة والنفط من إيران لا يصب في مصلحة الشعب اللبنانيّ"، الشعب الذي ذاق الولايات من شح النفط والدواء رغم انتشار فيروس كورونا، دون أيّ رفع للعقوبات الأمريكيّة، لأنّ أسلوب واشنطن يأتي ضمن بث النزاعات الداخليّة والضغط الاقتصاديّ ومحاولة التأثير على شعبيّة وسمعة المقاومة التي يمثل حزب الله جزءاً مهماً من محورها.
"لبنان يعاني من عدة أزمات لذا يجب التعامل مع المجتمع الدوليّ لتلبية الاحتياجات الملحة للبنانيين"، لماذا الآن، سؤال محوريّ إجابته بسيطة وهي أنّ حزب الله حمى الشعب اللبنانيّ وسانده بالتعاون مع طهران وكان منقذاً لبلده رغم كل المخاطر المحدقة، مُفشلاً كل الضغوط التي تمارس على اللبنانيين لتعزيز الانقسام الداخليّ حول المقاومة، مستنداً بشدّة إلى العلاقات الخارجيّة مع الدول الجادة في تقديم العون لهذا البلد الغارق بالأزمات.
في الختام، لم تحترم الإدارة الأمريكيّة أبداً استقلاليّة لبنان وسيادته التي ينتهكها بشكل دائم الطفل المدلل لواشنطن "إسرائيل"، وتناست أنّ الطاقة والوقود من الحاجات الأساسيّة لأيّ بلد، إضافة إلى أنّ الولايات المتحدة تجاهلت بشكل فاضح القضية الإنسانيّة المهمة في مثل هذه الأمور، وكان على اللبنانيين أن يفعلوا شيئاً لينقذوا أنفسهم من جحيم أمريكا، وأن يتخلوا على الدولة الوحيدة التي ساعدتهم في وقت تخلى فيه العرب والغرب عن لبنان الأرْز.