الوقت - في هذه الأيام، أصبحت معادلات أفغانستان المحور الرئيسي للتطورات في منطقة آسيا الوسطى وحتى الشرق الأوسط، وتسعى جهات فاعلة مختلفة إلى إقامة علاقات جديدة مع هذا البلد.
في الواقع، مع انسحاب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من أفغانستان واستعادة السلطة السياسية من قبل حركة طالبان الأفغانية، تغيِّر دول المنطقة تعاملها مع السيناريوهات الناشئة. وبالنسبة للدول المجاورة مثل الصين وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى والهند وباكستان، لا تزال المخاطر السياسية والاقتصادية والأمنية في أفغانستان عاليةً.
في غضون ذلك، في شرق أفغانستان، تستعد باكستان لمواجهة التغيرات السياسية والأمنية في أفغانستان، وأي شيء قد يحدث في المستقبل.
لقد لعبت إسلام أباد بلا شك دوراً رئيسا في توجيه المعادلات الأفغانية الجديدة، والتي كانت النتيجة الرئيسية لها عودة ظهور طالبان. وعلى مر السنين الماضية، لعب الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية(ISI) دورًا رئيسيًا في قتال حرکة طالبان المستمر ضد المحتلين الغربيين، من خلال دعم هذه الحرکة سرًا.
كما لعبت باكستان دوراً رئيساً في مفاوضات طالبان مع الولايات المتحدة في الدوحة، ولعبت إسلام أباد دورًا رئيسيًا في إعادة سيطرة طالبان على أفغانستان خلال الشهر الماضي. حتى في الوضع الجديد، حيث الحرب على بنجشير جارية، هناك أدلة على أن باكستان لعبت دورًا في توفير الدعم الجوي لطالبان.
ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي الأهداف التي تسعى باكستان لتحقيقها في أفغانستان؟ وإلى أي مدى يمكن أن يستمر شهر العسل في العلاقات بين إسلام أباد وكابول في ظل حكم طالبان؟
أهداف باكستان في التعامل مع أفغانستان
توترت العلاقات بين أفغانستان وباكستان منذ البداية، وسعت باكستان إلى ممارسة نفوذها في أفغانستان. على سبيل المثال، خلال جهاد الشعب الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي السابق، دعمت باكستان بعض مجموعات المجاهدين، ثم كان العصر الذهبي لنفوذها في أفغانستان عصر إمارة طالبان.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، من الواضح أن إسلام أباد تحاول الحفاظ على موقعها القوي في أفغانستان، من مرافقة عملية المحادثات الفاشلة سابقًا بين حكومة أشرف غني وطالبان، إلى الحل السياسي الشامل، إلى الدعم الكامل لحكومة طالبان.
لکن، في سياق الأهداف المحددة لباكستان من التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، يبدو من الضروري الانتباه إلى عدة مجالات رئيسية:
كبح نفوذ نيودلهي وتوسيع النفوذ في آسيا الوسطى
أحد أهم أهداف باكستان من التدخل في أفغانستان، هو كبح نفوذ الهند وسيطرتها في أفغانستان. اشتبكت دلهي وإسلام أباد على مدى العقود القليلة الماضية حول قضايا حدودية، مثل السيطرة على منطقة كشمير والنفوذ في منطقة آسيا الوسطى. وتحاول إسلام أباد الآن توجيه السياسة الخارجية لأفغانستان بعيدًا عن الهند وأقرب إليها مع وجود طالبان في السلطة، ما يمنحها وصولاً سهلاً إلى آسيا الوسطى.
خط ديورند الحدوي: من الأهداف الخاصة الأخری لباكستان في أفغانستان، هو حل مشكلة خط ديورند الحدودي. على مدى عقود، رفضت العديد من الحكومات الأفغانية قبول سيادة باكستان على هذا الخط الحدودي. يفصل خط ديورند البالغ طوله 2430 كيلومترًا بين البشتون الغربيين(المتمركزين في باكستان)، والبشتون الشرقيين(الذين يعيشون في أفغانستان). إضافة إلى ذلك، فإن قضية كشمير مهمة واستراتيجية لباكستان أيضًا. جعل استقلال بنغلاديش عام 1971 إسلام أباد قلقةً بشأن "بشتونستان"؛ لأن المشهد السياسي في باكستان منذ الاستقلال إلی اليوم، كان التنافس المستمر على السلطة بين الجماعات العرقية التي تعيش في هذا البلد، بما في ذلك البنجاب والسند والبلوش والبشتون. لذلك، من الممكن أن يتبع البشتون طريق بنغلاديش وينفصلوا عن هذا البلد، كما أثير هذا الادعاء بالاستقلال مرات عديدة وتم قمعه في كل مرة. ولذا، كانت هذ القضية دائمًا مصدر قلق للحكومة الباكستانية.
الحفاظ على الوضع الراهن من خلال طالبان: كان الأمن هو المحور الرئيس لسياسة باكستان منذ الاستقلال. لطالما خشيت باكستان من حدوث تغيير في حدود المنطقة، وسعت إلى الحفاظ على الوضع الراهن، وسعياً وراء هذه السياسة دعمت إسلام أباد الجماعات المتطرفة وطالبان بشتى الطرق منذ سقوط طالبان عام 2001، لمنع أدواتها من السقوط في أفغانستان. وبشكل عام، يبدو أن جهود باکستان لدعم طالبان وحركة طالبان الجديدة والتطرف، هي في الواقع محاولة للحفاظ على الوضع الراهن لصالح إسلام أباد.
القيود التي تواجهها إسلام أباد في التفاعلات المستقبلية مع طالبان
على الرغم من أن الفترة الحالية للعلاقات بين باكستان وطالبان يمكن الإشارة إليها على أنها فترة ذهبية وما يسمى بشهر العسل في العلاقات بين الجانبين، إلا أن جميع المعادلات الإقليمية والداخلية لأفغانستان تشير إلى أن العلاقات بين إسلام أباد وطالبان من المرجح أن تواجه مشاكل وعقبات كبيرة في المستقبل.
في الآونة الأخيرة، کانت هناك ثلاث حوادث قد أثارت مخاوف خاصة بشأن كيفية تطوير باكستان تفاعلها مع حركة طالبان الأفغانية.
أولاً، أفرجت طالبان عن سجناء سجن "بولي شارخي"، ومن بينهم قائد كبير في "حرکة طالبان باكستان" يُدعى مولوي فقير محمد. والثاني هو استياء حركة طالبان الأفغانية من تسييج الحدود الأفغانية الباكستانية، وثالثاً، تدعي حركة طالبان الأفغانية أن قضية "حرکة طالبان باكستان" يجب أن تحلها باكستان وليس أفغانستان. هذا في وقت تشتكي فيه إسلام أباد منذ فترة طويلة من أن مقاتلي حركة طالبان باكستان قد وجدوا ملاذاً آمناً على الجانب الآخر من الحدود.
في الواقع، لدى طالبان قوة جديدة اليوم. لقد ظهرت هذه الجماعة كقوة سياسية مهيمنة في أفغانستان، وهي مستعدة لتولي الحكومة. کما أن المفاوضات الأمريكية المباشرة مع طالبان، والتي أدت إلى انسحاب الولايات المتحدة والسقوط السريع غير المتوقع لكابول، قد عززت صورة طالبان باعتبارها المنتصر في الحرب ضد قوة عظمى قوية.
إضافة إلى ذلك، أدركت القوى العظمى في العالم والدول الأوروبية والعالم بشكل عام، أن طالبان هي حقيقة سياسية في أفغانستان. ومن ثم، فإن قوة طالبان، على الصعيدين المحلي والدولي، قد زادت بشكل كبير منذ آخر مرة كانوا في السلطة، ولم تعد باكستان خيارهم الوحيد للحصول على الدعم الدولي.
على صعيد آخر، باعتبارها القضية الأهم والمصلحة الرئيسية لباكستان في أفغانستان، لا تزال إسلام أباد غير قادرة على استخدام نفوذها على خط ديورند، وهو أحد أهم اهتمامات الأمن القومي لإسلام أباد. وتاريخياً، ظلت إدارة الحدود قضيةً خلافيةً بسبب رفض أفغانستان الاعتراف بخط ديورند.
في الحقيقة، يمكن اعتبار الاحتجاج على شرعية خط ديورند كحدود دولية، واحدة من القضايا القليلة التي توحد الفصائل السياسية المختلفة في أفغانستان.
وبينما أغلقت باكستان نحو 90 في المئة من حدودها من جانب واحد، يجب أن تواصل الضغط على أفغانستان لبدء الدوريات الحدودية على الجانب الأفغاني. هذا في حين أن الهجمات على القوات الباكستانية تستمر على طول الحدود، حتى بعد سقوط كابول في أيدي طالبان.