الوقت- كشف الرئيس التونسي "قيس سعيد"، مساء يوم الخميس الماضي، عن أن عدداً من البرلمانيين والمحامين التونسيين، أصبحوا يمتلكون ثروات هائلة تم نهبها من المال العام، مشدداً على أنه لن يترك من سرقوا أموال التونسيين يعبثون بقوت الشعب، فيما ذكرت وسائل إعلام تونسية أنه تم إعفاء مدير إقليم الأمن الوطني بتونس، "لطفي بلعيد"، من مهامه، وذلك بعد أن تعالت أصوات حقوقية منددة بتعامل بعض القوى الأمنية مع متظاهرين قبل يومين. وحول هذا السياق، قال الرئيس التونسي، خلال لقائه عميد هيئة المحامين، وممثلين من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان: إن "ثروة زوجة أحد المحامين تبلغ 100 مليون دينار تونسي، وعقارات سكنية ومحال، على الرغم من أنها عاطلة عن العمل". وأضاف الرئيس "سعيد" خلال استقباله، مساء يوم الخميس الماضي، إن "فساد الطبقة السياسية عموما هو ما دفعه لاتخاذ إجراءاته الاستثنائية والمتعلقة أساسا بتجميد عمل البرلمان"، مضيفا بالقول: "نائب في البرلمان حصل على مبلغ قيمته 1500 مليون دينار تونسي عندما تقلّد مهاما داخل الدولة، وسجل أملاكه باسم زوجته. وهناك فصل حاولوا تمريره في البرلمان بـ150 ألف دينار، فهل هذه شرعية أم سوق نخاسة؟".
وأشار الرئيس التونسي أيضاً إلى حصول سياسيين على أموال بطريقة مشبوهة، من خلال ابتزاز الأشخاص من تونس وخارجها، مضيفاً أن شخصاً لم يكشف اسمه تحصل على 100 ألف دينار لمنح شخص أجنبي الجنسية التونسية. وأكد الرئيس التونسي أن العديد من الوثائق، التي تتعلق بتلك التجاوزات تم إتلافها داخل وزارة العدل، فيما حذفت بعض المؤيدات من الملفات القضائية، مشدداً على أن المتورطين سيقفون أمام قضاء عادل وليس قضاء سُرقت بعض ملفاته. وقال الرئيس التونسي: إن "هناك مجموعة من الأشخاص، تدبّر مخططات لضرب مؤسسة الرئاسة، بينما تقوم مجموعة ثانية بتنفيذ ما تم تدبيره". وأكد أنه على علم بمن يقف وراء عدد من المؤسسات الإعلامية لمهاجمة الرئاسة والتركيز على مواضيع معينة، مضيفاً أنه لن يحاكم أحداً بخصوص آرائه ولن يقبل أي ظلم أو دكتاتورية، لكنه سيتصدى بصرامة للعبث. وتابع بقوله، "لا يمكن أن نحقق مطالب الشعب إلا بالضرب على أيدي هؤلاء الذين ابتزوا عددا من رجال الأعمال وأمامي أسماء لأشخاص من خارج تونس قاموا بابتزازهم للحصول على الجنسية ومنحهم وثيقة بـ100 ألف دينار. ثم يأتون ويبكون على عادتهم في التباكي وهم ضالعون في عدد من الجرائم الأخلاقية التي لا أريد أن أذكرها".
إن تصريحات الرئيس التونسي أثارت عاصفة من الجدل في البلاد حيث أصدر "شوقي الطبيب"، الرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد، بيانا نفى فيه ما ورد من معلومات في خطاب الرئيس التونسي حول ثروة زوجته، وأشار بالقول، أن "جميع مكاسب زوجتي مريم بن عزوز انجرت لها بالإرث من والديها رحمهما الله، وجميع عقود البيع والشراء المتعلقة بها كانت بتاريخ سابق لتعييني على رأس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في يناير 2016 ولزواجنا في نوفمبر 2017. بل أن بعضها وأهمها قيمة يعود لأكثر من عشرين سنة". وأضاف، "من المتاح واليسير جدا التثبت في ذلك من خلال الولوج الى قواعد بيانات بعض المصالح والإدارات العمومية، أو بالاطلاع على تصريحي أنا وزوجتي بالمكاسب والمصالح المودع لدى محكمة المحاسبات وعلى ملف الشكاية التي تقدم بها المدعو ماهر زيد لدى النيابة العمومية بتونس سنة 2018 متهما زوجتي بالفساد وتبيض الأموال بالاستناد الى لائحة ممتلكاتها والتي ختمت بالحفظ بعد سماع المشتكى بها وتقديمها ما يدحض مزاعم صاحب الشكاية الكيدية والمجردة من كل سند كما تثبته الشهادة المصاحبة والمسلمة في أكتوبر 2018. ولم تحصل اية زيادة في مكاسبي ومكاسب زوجتي منذ تعييني على رأس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بل على العكس تماما والتثبت من ذلك يسير ومتاح أيضا".
وبدوره، قال عميد الهيئة الوطنية للمحامين، "إبراهيم بودربالة": "إن الرئيس التونسي لمّح خلال اللقاء، إلى أنه سيعلن عن قرارات جديدة، لها صلة بمقاومة الفساد". إلى ذلك، ذكرت وسائل إعلام تونسية، أنه تم إعفاء مدير إقليم الأمن الوطني، "لطفي بلعيد"، من مهامه، وذلك بعد أن تعالت أصوات حقوقية منددة بتعامل بعض القوى الأمنية مع متظاهرين قبل عدة أيام. وأفادت إذاعة "موزاييك إف إم"، يوم الجمعة الماضي، بأنه تقرر إعفاء مدير إقليم الأمن الوطني "لطفي بلعيد" من مهامه وتعيين رئيس منطقة الأمن الوطني بباب بحر "كمال العياشي"، بدلاً عنه. وعلى صعيد متصل، شدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل "نور الدين الطبوبي"، يوم الجمعة الماضي، على أنه من غير الممكن العودة لما قبل 25 يوليو. واعتبر "الطبوبي"،أن المشكلة الأساسية في تونس هو المنظومة السياسية والدستورية، ملحّاً على ضرورة إجراء استفتاء شعبي لإصلاح النظام السياسي. كما أكد أن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
فيما قال الخبير الدستوري "جوهر بن مبارك"، إن "مصدر المعلومات التي ذكرها الرئيس التونسي هو مواقع التواصل الاجتماعي"، وأضاف، في إشارة لتصريحات الرئيس التونسي، "ليس هناك عودة الى الوراء ولكن فيما له علاقة بالمؤسسات الدستورية سيكون هناك حلّ في اطار الدستور. إن هذا هو المهم وهو موجّه للخارج وفيه تفاعل سريع وايجابي مع تصريحات رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي. والباقي تصفية حسابات". ومن جانبه، كتب "محمد الهاشمي الحامدي" مؤسس حزب "الإرادة الشعبية" على موقع تويتر، "يا شعب تونس، لا تصدّقوا أي اتهام مرسل يطلقه قيس سعيد بحق شخص مجهول، إلا إذا أحال الاتهامات بأدلتها الى القضاء وثبتت التهمة في المحاكم". فيما استغل عدد من النشطاء تصريح الرئيس التونسي حول تورط عدد من المسؤولين في بيع الجنسية التونسية، للإشارة إلى تصريح سابق للنائب "محمد عمار"، أكد فيه قيام السفارة التونسية في بيروت ببيع عدد من السوريين جوازات سفر مقابل 50 ألف دولار للجواز الواحد.
وعلى نفس هذا المنوال، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أن الرئيس التونسي "قيس سعيد"، أصدر أيضا أمرا رئاسيا بتمديد تعليق أعمال البرلمان لأجل غير مسمى، مع الإبقاء على رفع الحصانة عن كل أعضائه. ويأتي هذا بعد شهر من إقالة "سعيد" حكومة "هشام المشيشي" وتعليقه أعمال البرلمان، وذلك في خطوة انتقدها معارضون بوصفها انقلابا. وجاء في بيان أصدره مكتب الرئاسة في وقت متأخر يوم الاثنين الماضي، أن "الرئيس التونسي أصدر مرسوما جمهورياً يمدد الإجراءات الاستثنائية، بشأن تعليق مجلس النواب ورفع الحصانة البرلمانية عن نوابه حتى إشعار آخر". وأضاف البيان، أن "الرئيس التونسي سيتوجه بكلمة للشعب التونسي في الأيام المقبلة، دون توفير المزيد من التفاصيل".
وتعاني تونس، التي ينظر إليها كقصة نادرة للتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أزمة سياسية تفاقمت بسبب المشاكل الاقتصادية الحادة ووباء "كورونا". ولقد أثار تدخل الرئيس التونسي المفاجئ في 25 يوليو / تموز حالة من عدم اليقين داخل الدولة الموجودة في شمال أفريقيا. حيث قال الرئيس التونسي في ذلك الوقت، إن "الإجراءات كانت ضرورية لمنع انهيار البلاد". وأشار إلى أنه اتخذ تلك القرارات بموجب الصلاحيات التي يقول إن الدستور منحها له. لكنه لم يكشف بعد عن خارطة طريق بشأن قراراته، على الرغم من المطالب المتكررة من قبل الأحزاب السياسية.