الوقت- مثل الصاعقة جاء خبر لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزير الحرب الاسرائيلي بيني غانتس، إذ فتح اللقاء باب التساؤل عن أسباب ودوافع هذا اللقاء الذي جرى بشكل سري دون إعلان مسبق عنه أو ترتيبات خاصة.
الأوساط الفلسطينية تعيش حالة من الذهول جراء هذا اللقاء، لكونه لن يقدم أي شيء للفلسطينيين وإنما سيخدم عباس على المستوى الشخصي لا أكثر ولا أقل، وطرح البعض مفارقة الشروط التي طرحها الرئيس عباس على حركة حماس ومنها الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية قبل الحوار معها على أن يكون ذلك بكتاب خطي موقع من رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، بينما يجلس مع وزير حرب الاحتلال دون أي شروط.
ما قام به عباس هو ليس بالأمر المستغرب، لطالما أدار ظهره لحركة حماس خلال السنوات الماضية، ولم يتعاون معها للخروج من الأزمات التي تعصف بالفلسطينيين، وما لقائه اليوم مع غانتس إلا محاولة جديدة لتعميق الجرح الفلسطيني،وما قام به عباس وطد مفاهيم سياسية مشروخة ومُهينة، بين الاحتلال، وشعب يرزح تحت الاحتلال.
قيل إن اللقاء الذي جمع عباس وغانتس ناقش"القضايا السياسية الأمنية والمدنية والاقتصادية"، بحسب تغريدة لغانتس، بينما نفت مصادر مقرّبة من بينت وجود عملية سياسية من وراء هذا التطوّر، أشارت مصادر السلطة إلى أن الاجتماع ناقش الوضع الاقتصادي للأخيرة بعد العقوبات الإسرائيلية، وضرورة إعادة إطلاق "عملية السلام"، بالإضافة إلى جهود رام الله في تهدئة الوضع في الضفة ومنع اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة هناك، فضلاً عن سبل إضعاف حركة "حماس" في الضفة وغزة، ومنع الفصائل من تحقيق إنجاز على حساب السلطة، خاصة في قضية التسهيلات الاقتصادية وإعادة الإعمار. وكشفت المصادر أن الإدارة الأميركية الجديدة ستسعى، خلال الفترة المقبلة، إلى طرح مذكّرة تفاهم بين دولة الاحتلال والسلطة، تستهدف إرساء حلول جزئية، عبر تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة، والتراجع عن العقوبات الاقتصادية الإسرائيلية، وتمكين عباس من استعادة شعبيته وسيطرته على القرار الفلسطيني.
في الحقيقة محمود عباس التقى وزير حرب العدو بيني غانتس بموافقة رئيس الوزراء نفتالي بينت لبحث قضايا تتعلق بالواقع الأمني وليس لها علاقة بالشأن السياسي، وقد أعلن غانيتس استعداد إسرائيل لدعم السلطة وتقويتها إقتصاديا لتتمكن من أداء واجبها الأمني بكفاءة.
إن اللقاء سيؤدي إلى تخفيض السقف السياسي الفلسطيني إلى مستوى مفاوضات أمنية واقتصادية دون مرجعية سياسية وهذا يقزم القضية الفلسطينية ويؤجج الوضع الراهن ولا يبقيه على ما هو عليه، بحكم تعزيز الاحتلال وتفاقم التوسع الاستيطاني والحصار والعدوان وعمليات الهدم في القدس وغير ذلك من السياسات الإسرائيلية.
لم يتطرق رئيس السلطة وقائد حركة فتح لعشرات الأسرى المرضى ولا لعشرات الأسرى المضربين عن الطعام ولا للأسيرة أنهار الديك التي أصبحت على وشك الولادة داخل زنزانتها في سجون العدو، يبدو أن الرئيس وحاشيته قد غمرتهم فرحة مجرد موافقة العدو على هذا اللقاء فنسوا الحديث عن القضايا الوطنية أو أن هذه القضايا وهذا الشعب وهؤلاء الأسرى خارج اهتمامات الرئيس.
غضب فلسطيني
أكد المتحدث باسم حركة الجهاد الاسلامي "طارق سلمي" ان لقاء "عباس غانتس" الذي جاء على وقع جرائم الاحتلال وحصاره وعدوانه هو طعنة لشعبنا، مشيراً الى ان دماء الأطفال الذين قتلهم جيش الاحتلال بأوامر من "غانتس"، لا تزال على الأرض لم تجف بعد. وقال سلمي خلال تصريح له تعقيباً على اجتماع "عباس غانتس" ان السلطة ورئيسها يديرون الظهر للتوافق الوطني ويضعون شروطاً تخدم الاحتلال لاستئناف الحوار الوطني ، بينما يتسابقون للقاء قادة العدو ويضعون يدهم في الأيدي الملطخة بالدماء البريئة، ويعززون ارتباط السلطة أمنياً وسياسياً مع عدو الشعب الفلسطيني.
من جهتها استنكرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الإثنين، لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس.
وقال الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، في بيان صحفي وصل وكالة الأناضول "لقاء رئيس السلطة محمود عباس مع وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس، مُستَنكَر ومرفوض من الكل الوطني، وشاذ عن الروح الوطنية عند شعبنا الفلسطيني".
وأضاف إن "مثل هذه اللقاءات استمرار لوهم قيادة السلطة في رام الله، بإمكانية إنجاز أي شيء لشعبنا الفلسطيني عبر مسار التسوية الفاشل".
ولفت إلى أن هذا السلوك "يُعمّق الانقسام السياسي الفلسطيني، ويُعقّد الحالة الفلسطينية".
وقال قاسم "هذه اللقاءات بين قيادة السلطة والاحتلال تشجع بعض الأطراف في المنطقة التي تريد أن تُطبّع مع الاحتلال، وتضعف الموقف الفلسطيني الرافض للتطبيع".
وأثار لقاء عباس وغانتس ردود فعل غاضبة لدى الشارع الفلسطيني ونددت فصائل المقاومة الفلسطينية باللقاء، وقال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبداللطيف القانوع إن "لقاء عباس بوزير جيش الاحتلال هو طعنة في ظهر شعبنا وتضحياته وخيانة لدماء الشهداء، واستمرار في السقوط والتخلي عن القيم الوطنية وتجميل وجه الاحتلال".
من جهتها قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن اللقاء بين الرئيس محمود عباس ووزير الجيش الإسرائيلي بني غانتس انتهى بسلسلة من التسهيلات التي ستقدمها "إسرائيل".
وأضافت الصحيفة العبرية، الإثنين، أن الاحتلال سيسمح للسلطة الفلسطينية بمنح الهوية الفلسطينية لحوالي 3000 فلسطيني لا يملكون الهوية بالضفة الغربية، حيث يعيش هؤلاء الفلسطينيون في الضفة وكذلك بعضهم جاء من غزة عام 2007 إضافة إلى فلسطينيين يسكنون في الخارج.
وبحسب "يديعوت أحرونوت" فإن غانتس صادق على خطة لبناء وحدات سكنية فلسطينية في مناطق "ج"، إضافة إلى المصادقة النهائية على إقراض السلطة الفلسطينية مبلغ نصف مليار شاقل وسيبدأ إرجاع هذا القرض في شهر يونيو 2022.
وذكر الصحيفة أن "إسرائيل" ستسمح لـ 15 ألف عامل فلسطيني إضافي بالعمل في داخل الخط الأراضي المحتلة عام 1948، وستقوم بتحويل الشركات الفلسطينية التي تعمل مع "إسرائيل" إلى منظومة الفواتير الإلكترونية.
وبحسب مزاعم يديعوت أحرونوت فإن اللقاء بين أبو مازن وغانتس "كان إيجابياً، وقد تفهم الجميع بأنه لا يوجد فرصة لمفاوضات سياسية خلال المستقبل القريب، ولذلك يجب اتخاذ خطوات لبناء الثقة وتقوية الأمن، الاستقرار والاقتصاد بالضفة الغربية".
مهما قدمت اسرائيل من اغراءات للسلطة، لن تكون دائمة وستكون مؤقتة هدفها الأساسي زيادة الشرخ بين الفلسطينيين، وعرقلة اي جهود هدفها رأب الصدع بين الفلسطينيين.