الوقت- توجَّه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أول زيارة رسمية له منذ انتخابه رئيساً للوزراء في 24 أغسطس 2021.
وتأتي زيارة بينيت للولايات المتحدة في وقت تعرضت فيه السياسة الخارجية لإدارة بايدن لانتقادات شديدة من قبل وسائل الإعلام والسياسيين الإسرائيليين في الأشهر الأخيرة. وفي الواقع، تضرر مستوى العلاقات بين الجانبين بشدة منذ وصول الديمقراطيين إلى السلطة.
من وجهة نظر الإسرائيليين، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة، على عكس إدارة ترامب، لا تتماشى مع السياسات التي يسعون إليها، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة التحديات الأمنية للکيان الإسرائيلي.
ومع ذلك، أصبحت أهداف نفتالي بينيت في زيارته إلى الولايات المتحدة الآن قضيةً مهمةً، يمكن معالجتها في ثلاثة مجالات رئيسية.
مخاوف بشأن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران وإحياء الاتفاق
كما يعتقد معظم المراقبين السياسيين، لا يزال برنامج إيران النووي هو الشغل الشاغل للسياسيين الإسرائيليين، لذلك فإن قضية إحياء الاتفاق النووي تحت عنوان سخيف هو "إيجاد حل مشترك لمواجهة الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، هي المحور الأهم لزيارة بينيت لواشنطن.
على مدى الأشهر القليلة الماضية، تحدث المسؤولون الأمريكيون مرارًا وتكرارًا عن مواقفهم المختلفة بشأن الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي أثار غضب تل أبيب.
وقد استخدم المسؤولون الصهاينة كل وسائلهم وقوتهم لتعطيل محادثات فيينا بين إيران ومجموعة 4 + 1 في فيينا، عاصمة النمسا، وما زالوا يحاولون منع استئناف المحادثات.
إنتهت الجولة السادسة من المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 4 + 1 إلی جانب الولايات المتحدة في 20 يونيو في فيينا، بعد يومين من الانتخابات الرئاسية الإيرانية. ولم يتم بعد تحديد موعد للجولة المقبلة من المحادثات، ويبدو أن المسؤولين في تل أبيب يأملون في التأثير على محادثات فيينا خلال زيارة بينيت إلى واشنطن.
وفي هذا الصدد، أعلن نفتالي بينيت في اجتماع لمجلس وزراء الکيان في 22 آب/أغسطس 2021، أنه خلال زيارته لواشنطن، "سيعرض على الرئيس الأمريكي جو بايدن خطةً لإيقاف إيران، سواء على الصعيد النووي أو الإقليمي". وأکد أنه "سيقول للرئيس بايدن أن الوقت قد حان لوقف الإيرانيين، وألا نعطيهم طوق النجاة للدخول مرةً أخرى في اتفاق نووي منتهي الصلاحية."
إن مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي ضد برنامج إيران النووي السلمي ومحاولته التأثير على موقف إدارة بايدن خلال لقائه بالرئيس الأمريكي اليوم(26 آب)، هي محاولة للتعويض عن هزائمه أمام جبهة المقاومة الإقليمية، أکثر من کونها مرتبطةً بطبيعة برنامج طهران النووي.
هزائم الکيان الصهيوني الکبيرة والمتتالية أمام قوى المقاومة في الأشهر الأخيرة، وجهت ضربةً كبيرةً لمصداقية ومكانة القوة العسكرية لهذا الکيان، وللتعويض عن هذا الإذلال الكبير يبدو الآن أنهم يستخدمون معارضة برنامج إيران النووي كذريعة لتقليص حجم إخفاقاتهم في مواجهة المقاومة.
إنسحاب واشنطن من أفغانستان والقلق الصهيوني
قلق الکيان الصهيوني من عدم استمرار سياسات واشنطن الداعمة، هو محور آخر لزيارة نفتالي بينيت إلى الولايات المتحدة. وقد تزايد هذا القلق أكثر من أي وقت مضى بين الصهاينة، خاصةً بعد الهروب المهين للقوات الأمريكية من أفغانستان.
في الواقع، إن قضية انسحاب واشنطن من أفغانستان وموقف الديمقراطيين تجاه دعم حلفائهم، تثير قلق الصهاينة الأكبر بشأن مستقبل علاقتهم مع الولايات المتحدة.
في السنوات الأخيرة، سعى الکيان الصهيوني إلى بناء علاقاته مع واشنطن على أساس سياسة تتجاوز نظام الحزبين في الولايات المتحدة. بمعنى آخر، قبل حکومة نتنياهو، سعى الکيان لتنظيم علاقاته مع البيت الأبيض، بغض النظر عن الحزب الذي يحکم الولايات المتحدة، لكنه الآن قلق من أن الديمقراطيين ستكون لديهم سياسة دعم مختلفة تمامًا عن إدارة ترامب.
في الواقع، هذه الأيام وتماشياً مع النظام العالمي ككل، يشكك المسؤولون الصهاينة في دعم واشنطن لهم. وقد أثار سقوط أفغانستان في الأيام الأخيرة ردود فعل انتقادية قوية للولايات المتحدة من قبل المسؤولين السياسيين والأمنيين للکيان.
کما تشير الدلائل إلى أن المسؤولين الصهاينة يتابعون التطورات في أفغانستان بقلق، ويعتقدون أنه من المحتمل أن تؤدي هذه الأحداث إلى عودة ظهور التيارات المعادية للصهيونية.
وبحسب موقع "بريكينغ ديفينس"، فقد كتب "مسؤول عسكري إسرائيلي كبير" أن الأحداث التي وقعت في أفغانستان يوم الأحد كانت "يومًا أسود"، من شأنه أن يؤثر على جميع دول المنطقة التي تصدِّق الوعود الأمريكية.
كذلك، غرد موشيه يعلون، وزير الدفاع السابق الذي ابتعد عن السياسة منذ فترة، أنه في يوم هروب أشرف غني من أفغانستان، على الرغم من أن أفغانستان بعيدة عن الکيان الصهيوني، إلا أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وصعود طالبان سيؤثران على المواقف الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي قد يؤثر على أمن الكيان الصهيوني.
ويشير هذا الاتجاه بشکل عام إلى أن نفتالي بينيت، خلال زيارته لواشنطن، يحاول التحدث إلى جو بايدن حول تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، والانتقال من نهج الحزبين.
قضية فلسطين وحكومة بينيت الهشة
الهدف الآخر من زيارة بينيت لواشنطن، مثل زيارة مسؤولي الکيان الآخرين إلى الولايات المتحدة، هو قضية فلسطين والاضطرابات في الأراضي المحتلة.
وفي هذا الصدد، من الضروري أولاً الانتباه إلى أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن تأتي في وقت تتصاعد فيه الاشتباکات من جديد بين الجيش الإسرائيلي وقوات المقاومة الفلسطينية في غزة.
فمن جهة، استأنف الجيش الإسرائيلي هجماته الوحشية على قطاع غزة، ومن جهة أخرى أضرم شبان فلسطينيون النار في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة باستخدام البالونات الحارقة. کذلك، على المستوى المحلي الإسرائيلي، يواجه نفتالي بينيت شرعية حكومته الهشة وإمكانية انهيارها.
وفي مثل هذه الظروف، يبدو أن بينيت يحاول استخدام الخطة الجديدة لإدارة بايدن لاكتساب الشرعية وعدم الدخول في الصراع مع قوى المقاومة والهزيمة أمامها. وفي هذا الصدد، تشير التقارير إلى أن بايدن، استمراراً لخطة "صفقة القرن" وتعديلها، يسعى إلى تقديم خطة بعنوان "خطة سلام طويلة الأجل مع الفلسطينيين".
وبحسب مصادر مصرية، فإن الخطة ستستند إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد في الأراضي المحتلة وتعزيز التنسيق الأمني مع القاهرة بشأن غزة، كما سيكون هناك تعاون مع الأردن بشأن الوضع في الضفة الغربية المحتلة وخلق بيئة مناسبة لدعم السلطة الفلسطينية، من أجل أن تتولى مصر أمن الأراضي الفلسطينية بالتوازي مع الاتفاق على نوع إدارة السلطة الفلسطينية.
وبحسب هذه المصادر، فإن مثل هذه الخطة ستكون في بعض الحالات مختلفةً بشكل أساسي عن خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بما في ذلك ترکيز بايدن على التنفيذ السريع للخطة بطريقة تمهد الطريق لتشكيل دولة فلسطينية قابلة للحياة، التركيز على الخطط قصيرة المدى لإحياء سبل العيش للفلسطينيين وإنهاء العنف، السعي لدمج مصر والأردن في العلاقات الحالية ولكن بشكل أكثر فعاليةً مقارنةً بالدول الخليجية، وأخيراً عدم الالتفات إلى تغيير خريطة القوى الاستراتيجية للمنطقة.
بشكل عام، يبدو أن نفتالي بينيت وأثناء زيارته الحالية إلى واشنطن، يسعی لاستخدام هذه الخطة كأداة لإدارة الوضع في الأراضي المحتلة، في طريق بقائه في السلطة وتقليل احتمالات سقوط الحكومة التي يرأسها.