الوقت- أعلن وزير الخارجية الجزائري، "رمطان لعمامرة"، يوم الثلاثاء الماضي، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب الأعمال العدائية للدولة. وقال وزير الخارجية الجزائري، "قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية ابتداء من يوم الثلاثاء". وفي معرض تقديم الأسباب التي أدت الى هذا القرار أوضح أنه، "ثبُت تاريخيا أن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن الأعمال العدائية ضد الجزائر"، ساردا الأحداث منذ حرب 1963 إلى عملية التجسس الأخيرة باستخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي. وحمّل قادة المغرب مسؤولية تعاقب الأزمات التي تزايدت خطورتها، معتبرا أن هذا التصرف المغربي يجرّ إلى الخلاف والمواجهة بدل التكامل في المنطقة المغاربية. واتهم الرباط بدعم منظمتين وصفهما بالإرهابيتين والضالعتين بالحرائق الأخيرة التي اندلعت في الجزائر. وندد بحملة اعتمدت على سيناريوهات خيالية تستهدف الجزائر. ووصف حديث أحد الدبلوماسيين المغاربة عن حق تقرير مصير منطقة القبائل بالانحراف الخطير.
وأشار إلى أن قطع العلاقات مع المغرب لا يعني تضرر مواطني البلدين، وستمارس القنصليات دورها المعتاد. كما قال إن "جهدنا سيتواصل في الاتحاد الأفريقي للحيلولة دون منح إسرائيل صفة المراقب في الاتحاد". وحول تونس، أكد رفض بلاده إملاءات خارجية على الشعب التونسي صاحب السيادة، مشيرا إلى أن الجزائر ترفض الضغوط الأجنبية وإطلاق الوصفات والتعليمات على الدولة والشعب التونسيين. وقال، "تونس دولة شقيقة وقريبة من قلوبنا، تونس تمر بفترة خاصة من تاريخها والجزائر تتفهم ظروفها الخاصة وتحترم سيادتها واستقلالها و حرمتها الترابية وعلى أتم الاستعداد لدعم تونس ضد التدخل الأجنبي في شؤونها". وأشار إلى أن تونس مهددة من خلال الحركات الارهابية، والجزائر حريصة على أن يترك للشعب التونسي الحق في اختيار نظامه الدستوري وترتيب أموره السياسية". وأبدى ثقته في الدولة والشعب التونسي بخروجهما متماسكين بفضل توافق القوى السياسية. وبرر، زياراته المتتالية لتونس بكونها تستجيب لإرادة سياسية قوية وتوجهات وتوجيهات من قيادة البلدين لبذل مزيد من الجهد لبناء شراكة استراتيجية متكاملة الجوانب لفائدة شعبي البلدين وشعوب المنطقة.
ردود الفعل على قرار الحكومة الجزائرية
وفي هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن ردود الفعل توالت في المغرب على قرار الحكومة الجزائرية، قطع علاقاتها مع البلد المغاربي الجار، واختلفت ما بين التحليل السياسي والتدوينات الساخرة؛ لكنها أجمعت في الأخير على أن الخاسر من ذلك القرار هو الوحدة المغاربية والتقارب ما بين الشعبين الشقيقين اللذين تربطهما أواصر الدم والأخوة والثقافة والنضال المشترك ضد المستعمر الفرنسي. وفي تصريح له، اعتبر الأكاديمي المغربي الدكتور "إدريس لكريني"، مدير مجموعة الدراسات الدولية وتحليل الأزمات، أن إقدام السلطات الجزائرية على قطع علاقاتها مع المغرب، يمثل مجازفة خطيرة، على اعتبار أولاً أن الأمر لا يجد له مبرراً موضوعياً، بالنظر إلى المواقف المغربية التي طرحت على أعلى مستوى، منذ عدة سنوات وخصوصاً من خلال خطابات العاهل المغربي، آخرها مبادرة اليد الممدودة لفتح الحدود وإرساء حوار يقطع مع مختلف الخلافات القائمة بين البلدين، والانكباب على القضايا الحقيقية للشعبين في أفق إرساء تعاون اقتصادي متين ودعم البناء المغاربي، مع التأكيد على أن المغرب لا يمكنه أي يسيء إلى الجزائر بأي شكل من الأشكال.
أما الباحث والمفكر الدكتور "إدريس الكنبوري" فلاحظ أن المبررات التي ذكرها وزير الخارجية الجزائري غير منطقية. فقد برر قطع العلاقات الدبلوماسية بحرب الرمال 1963 وهي مرت عليها حوالي ستين سنة. وذكر أيضاً قضية التجسس "بيغاسوس" وقد مضى عليها شهور، مما يعني أنه لا توجد مبررات معقولة سوى إغلاق أي باب أمام المصالحة ولمداراة الحرج الذي أصيب به النظام الجزائري نتيجة الدعوات الملكية المتكررة للمصالحة وفتح الحدود. وتابع، قائلاً: "أعتقد أن طبيعة أي نظام عسكري هي إيجاد عدو خارجي قريب، فإذا لم يوجد هذا العدو صنعوه صنعاً. وهذا حال النظام الجزائري الحالي الذي ما يزال يتصرف بعقلية الحرب الباردة وظروف الستينات". وأكد أن المقاربة المغربية كانت واضحة في التفريق بين قضية الصحراء وموضوع فتح الحدود والمصالحة، انطلاقاً من مبدأ عدم الخلط بينهما، وهو ما يرفضه النظام الجزائري، وفق المتحدث نفسه، مضيفاً أن "موقف المغرب هو أن ملف الصحراء بيد الأمم المتحدة، ولو تأملنا الموقف لوجدنا أن فيه نوعاً من تبرئة النظام الجزائري من التورط في نزاع الصحراء، بحيث تكون العلاقات بين البلدين طبيعية، لكن مع النزول عند الشرعية الدولية، بينما نلاحظ أن الدولة الجزائرية برفضها المصالحة تعلن بأنها جزء من النزاع".
ومن جانبه، صرح الأكاديمي والمحلل السياسي "محمد بودن" قائلاً، إن "قرار السلطات الجزائرية بقطع العلاقات مع المغرب عمل غير ودي تجاه إرادة الشعوب المغاربية التي ظلت تطمح لتحقيق الحلم المغاربي، وبالرغم من أن القرار الجزائري لا يمثل مستجداً بفعل تدهور العلاقات بين البلدين منذ سنوات، إلا أنه يمثل إكراهاً كبيراً أمام العمل الجماعي في المنطقة". وتابع: "قرار السلطات الجزائرية بقطع العلاقات مع المغرب يعاكس منطق التاريخ المشترك والدين واللغة وغيرها من القواسم المشتركة، ويجرّ المنطقة إلى الخلف، بل يؤكد أن مروحة الإشارات الجزائرية معطلة ولا تلتقط الإشارات لا في الداخل ولا من الخارج، فضلاً عن كونها غير قادرة على تطوير معالم سياسية خارجية مثمرة". ولاحظ أن قطع العلاقات يمثل الوجه السلبي للعلاقات الدولية، مؤكداً أن "الجزائر عملت بشكل منهجي على تدهور العلاقات بين البلدين وعلى عدم اعتبار مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول". وشدد على أن المغرب تمسك منذ سنوات برغبته في الحوار مع الجزائر، وكان سباقاً لدعوتها إلى حوار بجدول أعمال مفتوح، لكن الجزائر ظلت مترددة في الرد، ولم تقدر هذا الجهد، بل فضلت خيار جمود العلاقات المغربية الجزائرية في أدنى مستوى لها، وهذا واضح على مستوى أرقام التبادل التجاري بين الدول المغاربية وعدم وجود معبر إنساني يؤمن اللقاءات العائلية بين مواطني الحدود الشرقية للمغرب والغربية للجزائر.
علاقات شبه مقطوعة
وفي هذا السياق، قال البرلماني السابق "عادل بنحمزة"، القيادي في حزب الاستقلال المعارض، إن "القرار الجزائري ليس جديداً، باعتبار أن العلاقات بين البلدين شبه مقطوعة منذ 1994، ليس هناك أي تعاون بين البلدين، بإصرار من القيادة الجزائرية نفسها. ولاحظ أن هذا القرار يوضح أن النظام الجزائري محرج من المبادرات المغربية ومن اليد الممدودة، وهو بهذا القرار يسعى إلى قطع كل إمكانية لإعادة بناء علاقات طبيعية بين البلدين". وأردف أن "المغرب متضرر من الجزائر منذ 1975، فهناك ميليشيات مسلحة توجه أسلحتها إلى المغرب انطلاقاً من الأراضي الجزائرية، ومع ذلك ظل المغرب متشبثاً باليد الممدودة". مشيراً إلى أن النظام الجزائري ما زال غارقاً في سرديات الحرب الباردة، وما زال يحتاج إلى عدو خارجي، وليس له من عدو مثالي أكثر من المغرب، واستدرك بالقول إن "هذا الأمر لا يمكن أن ينطلي على الشعب الجزائري، فهو يتابع ويعرف الحقيقة. وبالتالي أعتقد أن هذا القرار هو عنوان أزمة في الجزائر".
وغصت شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية بتعليقات في الموضوع، حيث كتب الباحث والمؤرخ "أحمد الشرقاوي": "حكام الجزائر يلجأون إلى أي حلول لتصدير أزماتهم الداخلية المتعددة والمزمنة، وإيجاد متنفس لها خارج البلاد". ويرى الأديب والناقد "فؤاد زويريق"، أن "قطع العلاقات مع المغرب هو قرار يهم النظام الجزائري وحده ولا يهم الشعب، شعبان جاران ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، ومهما كان وسيكون سيبقى شريان الدم والحب والقرابة والأخوة… يربط بينهما إلى الأبد، ومن يقول غير ذلك فليقرأ التاريخ جيداً". وكتب القاص والروائي "مصطفى لغتيري" تدوينة جاء فيها: "الجزائر تقطع علاقاتها مع المغرب. الأسباب حسب الجزائر تطبيع المغرب مع إسرائيل. مصر والبحرين والإمارات والأردن وتركيا وفلسطين نفسها لها علاقات مع إسرائيل ولم تقطع الجزائر علاقتها معها". وفي السياق نفسه، سجّل الناقد والإعلامي "محمد بوخزار"، أن الجزائر احتجّت، لأن مندوب المغرب وزّع تصحيحاً في إطار حق الرد، على اتهامات "العمامرة" التي اعتبرت خارجة عن سياق الاجتماع وجدول أعماله. وأضاف قائلاً: ينسي "السيد رمطان أن بلاده تشتم المغرب، منذ نصف قرن، تنعته بالقوة الاستعمارية المحتلة، ومعاداة حق الشعوب في استقلالها. أية اتهامات أثقل من هذه، مع ذلك لم يهدد المغرب بقطع العلاقات".