الوقت - أغلقت السلطات المصرية، يوم الاثنين معبر رفح جنوب قطاع غزة بشكل مفاجئ، حيث أكد الناطق باسم وزارة الداخلية بغزة اياد البزم، ان معبر رفح مغلق في كلا الاتجاهين، وهو ما تم ابلغنا به من قبل الجانب المصري حتى اللحظة.
وقال البزم ان اتصالات تجرى مع الجانب المصري لمتابعة عمل معبر رفح مجدداً ، معرباً عن امله ان يتم اعادة فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين في اقرب وقت ممكن .
ولم يسمح الاثنين للمسافرين بالمغادرة أو العودة من وإلى قطاع غزة من خلال معبر رفح، بناء على قرار من السلطات المصرية.
و تم تشغيل المعبر استثنائيا اعتبارا من 16 أيار الماضي، بالتزامن مع عدوان إسرائيلي دموي على قطاع غزة، لاستقبال الجرحى والمصابين والحالات الإنسانية وإدخال المساعدات، علاوة على عبور العالقين من الجانبين.
وبينما أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن "المساعي مستمرة ساعة بساعة مع مصر"، دخل قرار السلطات المصرية إغلاق معبر رفح البري مع قطاع غزة حيز التنفيذ ابتداء من يوم الاثنين حتى إشعار آخر، وهو ما وضعه محللون في سياق "غضب مصري" على خلفية "المواجهات الحدودية" السبت الماضي، التي أسفرت عن إصابة عشرات الفلسطينيين، وجندي إسرائيلي تعرض لنيران شاب فلسطيني.
وقالت مصادر فلسطينية ومصرية متطابقة إن "حماس أثارت غضب القاهرة، وعرّضت وساطتها في ملفات عدة بين الفلسطينيين وإسرائيل للخطر بخروج مظاهرات السبت عن السيطرة، واندلاع مواجهات كان يمكن أن تنزلق نحو ما هو أخطر".
وحسب المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، فإن حماس تعهدت للوسيط المصري بضبط الميدان على هامش مهرجان فصائلي أقيم على مقربة من "السياج الأمني" شرق غزة، في الذكرى 52 لحريق المسجد الأقصى، "لكن الأمور خرجت عن السيطرة واندلعت مواجهات بين شبان فلسطينيين وجنود الاحتلال"
وانتشر على نطاق واسع مقطع مصور لشاب فلسطيني يصوّب مسدسه عبر "فوهة" في جدار اسمنتي، استخدمها قناص إسرائيلي لإطلاق النار، وأصابه بجروح وصفتها إسرائيل بأنها "شديدة الخطورة"، وأعقب ذلك سلسلة غارات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع للمقاومة في غزة.
ويعدّ معبر رفح البري الحدودي (أقصى جنوب القطاع) بمنزلة "الرئة" التي يتنفس منها نحو مليوني فلسطيني يعيشون في غزة، ويعدّ ممرهم الوحيد إلى العالم الخارجي.
وفي السياق، وضع الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني هاني حبيب القرار المصري بإغلاق معبر رفح في سياق الضغط على حماس من أجل إزالة العقبات من أمام الوساطة المصرية، التي تتعدى الملف الأمني في غزة إلى سعي القاهرة لأداء دور وساطة سياسية لاستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
وقال حبيب إن ما زاد من حدّة الغضب المصري أن مهرجان السبت الماضي على "الحدود" جاء بعد أيام من نجاح القاهرة في التنسيق مع واشنطن لمنع إسرائيل من الرد على صاروخ أطلق من غزة، وذلك لضمان استمرار جهودها.
وفي رأي حبيب، فإن مصر أرادت من "رسالة المعبر" الضغط على حماس لفرض مزيد من السيطرة على "الحدود"، كي لا تتسبب أي مواجهة في إخفاق الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت للقاهرة، بناء على دعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي التي تتطلع إليها مصر لتمهيد الطريق نحو تثبيت التهدئة في غزة، وإطلاق مفاوضات سياسية مع السلطة.
وقوبل قرار مصر إغلاق معبر رفح بشكلٍ مفاجئ باستهجان فلسطيني وشعبي واسع النطاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلق رواد ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على القرار المصري بشكل لافت للأنظار كون القرار يتماشى مع المصالح الإسرائيلية دون النظر إلى الواقع الإنساني المتأزم في قطاع غزة جراء استمرار الحصار الإسرائيلي للعام الـ 15 توالياً.
وفي السياق كتب الناشط محمد الشريف: "إغلاق معبر رفح بين مصر وغزة هو عربون محبة لبييت الذي يلتقي السيسي في القاهرة بعد لقائه بايدن في واشنطن، السيسي متخوف من ضغوط بايدن عليه بسبب ملف حقوق الإنسان لكن يبدو أن زيارة بيينت هي لطي صفحة الخوف وتمهيد الطريق أمام فتح أبواب البيت الأبيض للسيسي".
أما صامد بارود فكتب عبر تويتر: "الأمور عنا في غزة تتدحرج للتصعيد لا محالة إغلاق معبر رفح ومواصلة التضيقات الحياتية وحشرها في الزاوية جميعها تدفع نحو الانفجار لا محالة لكن غزة تعلم جيدا كيف تتصرف".
أما محمد وشاح فكتب عبر صفحته في فيسبوك قائلاً: "مئات المرضى لن تسافر وسيعانون ليل نهار، وبعضهم قد يموت، مئات الطلاب ستذهب منحهم وستدمر أحلامهم، مئات أصحاب الإقامات سيخسرون إقاماتهم وسيخسرون أعمالهم وستفقد عائلاتهم من يعيلها، وغيرها من الصور الأليمة لكل من له مصلحة في السفر".
كما أثار قرار السلطات المصرية، إغلاق معبر رفح البري في كلا الاتجاهين، مخاوف وقلق الغزيين، لما للقرار من تداعيات سلبية على حياة أبناء قطاع غزة اليومية، وسط مخاوف من أن تطول فترة الإغلاق.
بدوره أكد الكاتب والمحلل السياسي محمد مصطفى شاهين، ان "إغلاق معبر رفح في ظل الأوضاع الصعبة والمتدهورة بسبب استمرار الحصار غير مبرر، ولا يزال هناك مشكلة رئيسية لسكان قطاع غزة في التنقل للعالم الخارجي، ويجب تمكين سكان القطاع من التزود بالاحتياجات والمواد الغذائية، وضمان حرية التنقل خصوصاً الحالات الإنسانية".
ولفت شاهين الانتباه، إلى أن آلاف الفلسطينيين ينتظرون السفر للعلاج، وللالتحاق بأماكن دراستهم ومراكز أعمالهم، عبر معبر رفح.
كما يرى مراقبون القرار المصري بإغلاق المعبر قرارا طائشاً منحازاً للكيان الصهيوني متجاوزاً جميع الخطوط الانسانية الحمراء، حيث ما زال مليونا شخص يعيشون في غزة يواجهون قيودا إسرائيلية صارمة على دخول البضائع إلى المنطقة التي مزقتها الحرب الأخيرة، مما تسبب في ركود اقتصادي كبير، وأعاق عملية إعادة إعمار آلاف المنازل المدمرة.
وأسفرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي استمرت 11 يوما في شهر أيار 2021 عن خسائر البشرية وأضرار وخسائر إجمالية لحقت بمختلف القطاعات والبنية التحتية. اذ يكشف تقييم سريع للأضرار والاحتياجات عن أضرار مادية تصل إلى 380 مليون دولار، وخسائر اقتصادية بقيمة 190 مليون دولار. وقد قُدرت احتياجات التعافي بما يصل إلى 485 مليون دولار خلال الـ24 شهرًا الأولى.
وفور توقف الاعتداءات الإسرائيلية، أجري التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في غزة بين 25 أيار و25 حزيران الماضيين بشراكة بين مجموعة البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالتعاون الوثيق مع السلطة الفلسطينية وبالتشاور مع المجتمع المدني والقطاع الخاص في غزة. وتعتبر تقديرات التقييم السريع للأضرار والاحتياجات مبدئية، إلا أنها ضرورية لتحديد التدخلات ذات الأولوية.
وبالتالي قد شكل إغلاق المعبر، عقب الحرب الأخيرة على غزة، واحدة من أبشع صور الحصار والخنق عبر انتهاك حرية التنقل والحركة. واليوم سيجد سكان القطاع صعوبة بالغة في حرية الحركة والتنقل، وهو ما يخالف صراحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لذلك ان الحجج الأمنية التي يبديها الجانب المصري، وتحديداً تلك المرتبطة بحماس وفصائل المقاومة، ليست السبب الحقيقي وراء إغلاق المعبر فالتعامل المصري مع قضية المعبر لايزال قائماً على قواعد غير واضحة، الأمر الذي يفاقم الوضع الإنساني والخدمي في غزة خاصة بعد العدوان الأخير على القطاع.