الوقت- افتتح مركز حضرة "بهاء الله عاملي" اللبناني للتربية والبحوث والدراسات مؤخرًا أول فرع للغة الفارسية في مدينة "بعلبك" اللبنانية. وقال الدكتور الشيخ "محمد جعفر المهاجر"، كاتب ومؤرخ لبناني بارز ومدير مركز حضرة "بهاء الله عاملي" في بعلبك، إن "أحد أهداف إنشاء مركز تعليم اللغة الفارسية هو تدريب للباحثين والخبراء وذلك لأن هناك عدة أسباب، من أهمها أن العديد من المصادر الرئيسية لتراثنا العلمي والتاريخي، بما في ذلك مصادر الدين الشيعي، مكتوبة بالفارسية".
الخلفية التاريخية لتدريس اللغة الفارسية في لبنان
بدأ تدريس اللغة الفارسية لأول مرة في لبنان في جامعة القديس يوسف (اليسوعي) وفي عام 1952 تم إنشاء كلية للغة الفارسية في هذه الجامعة. وفي عام 2010، وبعد 12 عامًا من إغلاق هذا الكلية، بدأ تدريس اللغة الفارسية كدرس اختياري. وبعد ذلك بعامين، اتخذت الخطوة الأولى في تدريس اللغة الفارسية في الجامعة اللبنانية في عام 1956 حيث تم إدخال اللغة الفارسية كلغة اختيارية في كلية الآداب، والتي كانت نتيجة لاتفاقية تعاون بين جامعة لبنان وجامعة طهران. وفي عام 1975، وفي أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية والمشاكل التي واجهها الطلاب والأساتذة، فتحت الجامعة اللبنانية فروعًا في مناطق مختلفة من لبنان، وبالتالي ابتعدت عن التركيز على مركزها في بيروت، ونتيجة لذلك، تم تدريس اللغة الفارسية كلغة اختيارية في فرعها الاول الواقع في المنطقة الشمالية من بيروت قام الدكتور "جعفر الاعرج" بتولي زمام الامور وتدريس اللغة الفارسية.
وفي الفرع الثاني، المعروف باسم فرع "الفنار" الواقع في المنطقة الشرقية من بيروت، أصبح الدكتور "الكك" وبعده الدكتور "طوني الحاج" هما المسؤولين عن تدريس اللغة الفارسية وفي فرع "طرابس" أصبح الدكتور "اغناطيوس الصيصي" هو المسؤول عن تدريس اللغة الفارسية حتى عام 1999، وبعدما تقاعد لم يحل محله أحد. وفي الفرع الرابع (زحلة)، أصبح الدكتور "علي نور الدين" هو المسؤول عن تدريس اللغة الفارسية منذ عام 1987 وحتى يومنا هذا. وأيضًا في جامعات لبنانية أخرى، بما في ذلك جامعة "روح القدس" والجامعة الإسلامية والجامعة الأمريكية في بيروت، بدأ تعليم اللغة الفارسية خلال السنوات العشر الماضية وتم عقد دورات مختلفة للغة الفارسية. وفي الوقت نفسه، تم تدريس اللغة الفارسية في بعض المدارس اللبنانية وكذلك في دورات مجانية في بعض المدن اللبنانية.
لماذا اللغة الفارسية شائعة في لبنان؟
تحظى اللغة الفارسية، باعتبارها اللغة الرسمية لإيران، بشعبية كبيرة في لبنان، وخاصة في الجنوب، وقد تم الاعتراف بها كلغة ثانية في بعض الجامعات اللبنانية وحتى المدارس. ويعزو بعض الخبراء تعليم اللغة الفارسية في لبنان إلى تقاربها مع اللغة العربية وآدابها، لكن انتشار هذه اللغة بين الشيعة اللبنانيين ومدارس "حزب الله" يدل على أن الاهتمام بتعليم اللغة الفارسية في لبنان يتنامى يوما بعد يوم، وربما تكون القواسم السياسية المشتركة بين البلدين أحد أسباب ترحيب لبنان باللغة الفارسية. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 15 مدرسة في لبنان تدرس اللغة الفارسية كلغة ثانية، وأكثر من 2000 طالب لبناني يدرسون اللغة الفارسية. ويتجلى هذا الوضع أيضًا في بعض الجامعات اللبنانية، فالجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف (اليسوعي) وجامعة روح القدس والجامعة الإسلامية والجامعة الأمريكية في بيروت تقوم بتدريس للغة الفارسية بدرجات متفاوتة. ولكن من بين هذه الجامعات، فقط "الجامعة اللبنانية" لديها فرع رسمي لتدريس اللغة الفارسية، ولها أيضًا علاقات علمية وتعليمية مع الجامعات الإيرانية.
ومن ناحية أخرى، تشير التقارير إلى أن اللبنانيين مهتمون جدًا بتعلم اللغة الفارسية، وتؤكد تلك التقارير إلى أن القضايا السياسية أو الدينية ليس لم يكن لها تأثير سلبي على هذا الاهتمام. في الواقع، يرغب بعض اللبنانيين الذين يرغبون في الدراسة في الجامعات الإيرانية المختلفة في تعلم اللغة الفارسية في لبنان حتى يسهل عليهم دراسة تخصصاتهم المفضلة في إيران. كما أن بعض اللبنانيين ورجال الأعمال يتعلمون اللغة الفارسية بسبب ارتباطهم بإيران وذلك لأن بعضهم لديه أيضًا قوافل حج ويسافرون إلى إيران، وبعضهم مهتم شخصيًا بتعلم اللغة الفارسية أو لغات أخرى.
اللغة الفارسية والقوة الناعمة لجمهورية إيران الإسلامية
اللغة الفارسية هي إحدى الأسس الرئيسية للهوية الثقافية لإيران في الجغرافيا الثقافية والتاريخية، والتي تضم العديد من دول المنطقة تقريبًا. إن اللغة الأم هي أداة القوة الناعمة، ليس فقط بالنسبة لإيران، ولكن لجميع البلدان. ومن أجل تعزيز قوتها الثقافية الناعمة، تحاول الدول الإقليمية والعالمية القوية تعزيز لغتها الوطنية على مختلف المستويات، حتى تتمكن من إضفاء الشرعية على أفعالها في السياسة الدولية وتقديم صورة إيجابية عن نفسها عند الرأي العام الدولي. ومن الطبيعي أن اللغة الفارسية هي القوة الناعمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية باعتبارها اللغة الرسمية والأصلية للبلاد. وفي غضون ذلك، وبسبب تأثير الثقافة التاريخية الإيرانية في البلدان المجاورة وفي المنطقة، فإن استخدام اللغة الفارسية وقبولها مرحب به أيضًا.
وعلى سياق متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أنه في سوريا، تم افتتاح قسم اللغة الفارسية في جامعة "تشرين" في اللاذقية، بالتعاون مع المستشارية الإيرانية، تنفيذا لقرار إتخِذَ نهاية العام 2017 ضمن حزمة اتفاقات مع إيران. وبذلك تصبح جامعة "تشرين" ثالث جامعة سورية، تُدرّس فيها اللغة الفارسية كاختصاص مستقل، بعد جامعتي "دمشق" و"البعث" في حمص. ولفتت تلك المصادر إلى أن قسم اللغة الفارسية في جامعة "تشرين" لا يقتصر على التعليم الأكاديمي للطلبة في الجامعة، وإنما يمتاز بكونه متاحاً للعموم، من عمر 14 عاماً فما فوق، وفق نظام دورات بأسعار زهيدة. وتقام دورات مجانية للطلاب الجامعيين الموفدين إلى الجمهورية الإيرانية للدراسة، برعاية جامعة "تشرين"، وتتراوح مدتها ما بين 4-5 أشهر. جامعة "حماة" كانت قد أبرمت قبل أيام اتفاقيات مع ثلاث جامعات إيرانية؛ "فردوسي وأمير كبير التقنية والزهراء للإناث". وأشار رئيس الجامعة "محمد زياد سلطان"، إلى أنه "لا تحديد لمسار الاتفاقات الموقعة على صعيد تحديد عدد للطلاب والطالبات"، واعتبر أن التركيز على تعليم الإناث داخل سوريا "يهم الأهالي ويسمح بانتقال الطالبات لاستكمال تحصيلهم العلمي في إيران"، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقات هي الأولى من نوعها.
وتكمن أهمية توسيع وتشجيع تعلم اللغة الفارسية في المنطقة وحتى خارج دول المنطقة في حقيقة أن الحكومات الغربية والولايات المتحدة بذلت جهودًا عديدة لعزل إيران على مدى العقود الماضية من خلال اتباع سياسة إيرانوفوبيا ولهذا يمكن للغة الفارسية، كقوة ناعمة، أن تقلل إلى حد كبير من خطط الغرب المتعلقة برهاب إيران. ومن ناحية أخرى، فإن انتشار اللغة الفارسية بين النخبة والخبراء غير الإيرانيين في دول أخرى يجعل رسالة إيران تصل إلى غير الإيرانيين بشكل مباشر، وهذه الرسالة المباشرة سوف تساعد الرأي العام الاقليمي والعالمي في التعرف على جمهورية إيران الإسلامية. في الواقع، اللغة الفارسية هي جسر بين العالم خارج إيران والعالم الإيراني. أيضًا، ونظرًا لوجود متحدثي اللغة الفارسية في الدول الآسيوية وازدهار الأدب الفارسي بين علماء العالم، يمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية استخدام هذه المنصة لتعزيز التقارب الثقافي واللغوي مع الدول الاخرى وبالتالي تعزيز قوتها الناعمة في الساحة السياسة والساحة الجيوسياسية للمنطقة.