الوقت_ في ظل الوضع الاقتصاديّ المتأزم الذي تعيشه السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس، الشيء فاقم الأزمة الماليّة مع غياب تدخل المانحين، لدرجة أن رام الله لم تعد قادرة على دفع رواتب موظفيها العاملين في كافة القطاعات الأمنيّة والمدنيّة وبالأخص الصحيّة والتعليميّة، أوضح رئيس الوزراء الفلسطينيّ، محمد آشتية، مؤخراً أن "قيام العدو الصهيونيّ الغاصب بخصم جزء من أموال الضرائب التي يجمعها نيابة عن السلطة يضع الحكومة الفلسطينيّة في موقف ماليّ صعب"، وقد كررت تل أبيب مراراً مزاعمها باتخاذ خطوات لمساعدة السلطة اقتصاديّاً، لكنها كانت مجرد حبر على ورق، لأنّ السبب الرئيس في الأزمة المتفاقمة يعود إلى الخصومات الصهيونيّة على أموال الضرائب الفلسطينيّة.
صفعة قاسيّة وجهتها حكومة العدو للسلطة في رام الله، عقب قيامها هذا الشهر بخصم مبلغ 100 مليون شيكل من الأموال المستحقة لها من الضرائب، بذريعة أنّها تدفع لأسر الشهداء والأسرى، فيما ينتهك العدو الغاصب القانون الدوليّ ويغض الطرف عن تنفيذ مطالب الفلسطينيين المحقة وعلى كافة المستويات، وقد وصف آشتية هذا الإجراء بأنّه غير شرعيّ وغير قانونيّ، مطالباً بكامل مستحقات السلطة الماليّة بما فيها الاقتطاعات الحقوق المالية من ضريبة المعابر والضرائب الأخرى المستحقة، حيث إنّ تل أبيب تجمع ضرائب عن البضائع التي تدخل إلى السوق الفلسطينيّة عبر الأراضي الفلسطينيّة التي تحتلها، مقابل عمولة 3% حسب الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.
وفي هذا الخصوص، تعاني السلطة الفلسطينية من وضع اقتصاديّ صعب للغاية مع توقف المساعدات الخارجيّة العربيّة والدوليّة التي تساهم في سد العجز في موازنتها، لكنها لم تتلق أيّ دعم خارجي منذ بداية العام الحاليّ، وترجع تلك الأزمة لأسباب عدة أبرزها: اقتطاع حكومة العدو أموالاً جديدة من عوائد الضرائب التي تجبى من البضائع التي تمر عبر الموانئ اتي يحتلها العدو للمناطق الفلسطينية، إضافة إلى توقف الدول الأوروبية والعربيّة منذ وقت طويل، عن دفع المساعدات الماليّة المعهودة لخزينة السلطة الفلسطينية، وفق النهج المتبع منذ توقيع “اتفاق أوسلو".
وفي ظل فشل السلطة الفلسطينية بالوفاء بالتزاماتها الماليّة، رغم لجوئها إلى الاقتراض من البنوك خلال الأشهر الماضية، زادت الأوضاع الاقتصاديّة ترديّاً عقب المشكلات التي رافقت قرار حكومة العدو هذا الشهر، بخصم 597 مليون شيكل على دفعات من أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية عن البضائع التي تدخل السوق الفلسطينية، بحجة أنّ هذه الأموال تدفعها السلطة الفلسطينية للمعتقلين الفلسطينيين في سجون العدو أو لعائلات من استشهدوا في الدفاع عن الأرض والمقدسات، بالتزامن مع المعاناة الكبيرة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون العدو القاتل، بدءاً من ظروف الاعتقال وليس انتهاءاً عند الانتهاكات الجسيمة بحق الأسرى خاصة منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث يعتقل العدو الصهيونيّ آلاف الفلسطينيين في سجونه، بينهم مئات المرضى والسيدات.
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه السلطة الفلسطينيّة تلك الإجراءات تعديّاً صارخاً على حق الفلسطينيين، ويضعهم في موقف ماليّ صعب ويضعف قدراتهم على مواجهة الاحتياجات الماليّة ومسؤولياتنا تجاه المواطنين، فإنّ السلطة الفلسطينيّة يجب أن تدفع ثمن قراراتها الخانعة، بعد أن خذلت الشعب الفلسطينيّ وأعادت غرز خنجر الحقد الصهيونيّ والخيانة العربيّة في ظهر قضيّته عبر انخراطها مع العدو ضد أبناء فلسطين وعلى كافة المستويات وبالأخص الأمنيّة منها.
وليس بغريب أبداً أن يتم التعامل مع السلطة الفلسطينيّة بهذا الإذلال من قبل "إسرائيل"، لأنّ حكومة رام الله فتحت كل أبواب التعاون مع تل أبيب، فيما استخدمت جميع الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، وهي اليوم تستجدي العدو الباغي لأنّها تعتبر مقاومته أمراً خاطئاً، وفي حال استمرت في استخدام منهج الخنوع الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة والاستحقار أمام العدو الصهيونيّ، فإنّ نهايتها الحتميّة ستكون وفقاً للأسباب نفسها التي أسقطتها من قلوب الفلسطينيين وجعلتها أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، وها هي تحصد اليوم ثمار عودة العلاقات مع العدو واستمرارها بالتنسيق الأمنيّ معه، مقابل وقوفها في وجه توحيد الصف الفلسطينيّ لمنع تحدي الاحتلال الغاصب وعرقلة مقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المتصاعد.