الوقت- لازال حزب التنمية والعدالة في تركيا يواجه الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية، حتی بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد قبل أيام. فبالرغم من أن نتيجة الإنتخابات البرلمانية التي إنتهت لصالح اردوغان وأعضاء حزب العدالة والتنمية، ستمكن هذا الحزب مجددا من تشكيل الحكومة التركية القادمة، فان هذه الحكومة ستواجه الكثير من الأزمات داخل وخارج حدود تركيا. إذ ان من المتوقع سترتفع حدة الخلافات مجددا ليس فقط بين تركيا وسوريا والدول الداعمة لدمشق في حال لم تعدل أنقرة مواقفها تجاه سوريا، بل أن أنقرة مقبلة علی مرحلة جديدة من الخلافات مع روسيا بل حتی أمريكا. لذا لا يمكن إعتبار الفوز في الإنتخابات البرلمانية من قبل حزب العدالة والتنمية؛ سلّماً أمام حزب العدالة لتنفيذ برامجه السياسية والإقتصادية في تركيا والمنطقة، بل علی مايبدو فان عودة اردوغان وفريقه السياسي، للجلوس مجددا علی عرش الحكم في البلاد، ستكون محفوفة بالكثير من المشاكل لتركيا والمنطقة برمتها.
وباتت تركيا بزعامة السيد رجب طيب اردوغان تبحث عن خلق المشاكل لنفسها ليس فقط مع دول المنطقة مثل سوريا وإيران والعراق وأرمينيا وحتی روسيا، بل باتت تصرفات اردوغان تجاه الاكراد وقضايا داخلية واقليمية اخری، لم تعجب حتی الزعماء الأمريكيين. حيث كانت واشنطن تأمل خسارة اردوغان وحزبه في الإنتخابات الاخيرة، لكن تحركت الرياح علی عكس ما تشتهي السفن الأمريكية وكسب اردوغان الإنتخابات.
وفي هذا السياق توجد الكثير من الخلافات بين أمريكا وتركيا، حيث لم تعير واشنطن اهتماما لطلب انقرة التي طالبت باعلان منطقة حظر الطيران في شمال سوريا. وبالاضافة الی ذلك، فلم توافق واشنطن علی طلب أنقرة بتسليم «فتح الله غولون» باعتباره ألد خصوم اردوغان. كما أن هنالك خلافات بين واشنطن وأنقرة حول أرمينيا، ولم يكن هذا كل شيء في مجال ملف الخلافات التركية الأمريكية، بل تتجاوز الخلافات بين البلدين تلك الحدود، لتصل الی دعم منظمة الـ «ب ك ك » التركية من قبل أمريكا، حتی وصل الامر في بعض الاحيان الی إرسال السلاح من قبل أمريكا لهذه المنظمة عبر مطار انجرليك التركي. كما هنالك شيء من الامتعاض من قبل الأمريكيين تجاه تصرفات اردوغان في ليبيا. وبالاضافة الی جميع القضايا التي تم التطرق الیها فقد رفض الرئيس الأمريكي خلال إجتماع الجمعية العامة في سبتمر الماضي، طلب لقاء اردوغان، مما ادی ذلك الی انزعاج الرجل.
وبالاضافة الی خلافات تركيا مع الكثير من دول العالم، خاصة مع جيرانها، فان الكثير شكك بنزاهة نتيجة الإنتخابات التركية وذلك ليس بمعنی أنه تم تزوير الإنتخابات من قبل مؤيدي اردوغان. بل أن اردوغان أجبر شريحة كبيرة من الأكراد علی التصويت له وذلك ليس حبا له، بل بسبب التهديدات التي تعرضوا لها. حيث هدد اردوغان بشكل مباشر الاكراد بانهم سيواجهون عنفا شرسا من قبل الحكومة في حال اختاروا مسير مخاصمة حزب العدالة والتنمية. حيث تعرض مايزيد علی أكثر من 400 مركز لحزب «الشعوب الديموقراطي» الی الاعتداء من قبل قوات الامن التركية، فضلا عن الإنفجار الذي وقع في «سوروش»، حيث اودی بارواح وجرح المئات من داعمي حزب الشعوب الديمقراطي. فضلا عن تهديدات «أحمد داود اوغلو» بعودة الممارسات الأمنية المتشددة للحكومة في جنوب شرق تركيا، ذات الاغلبية الكردية لكبح تطلعات الاكراد. جميع هذه التهديدات ادت الی إخافة الاكراد بشكل كبير، وجعلتهم يصوتون الی حزب العدالة والتنمية كرهاً، وذلك لتجنب اراقة الدماء في مناطقهم علی يد القوات الأمنية.
وبالاضافة الی تسخير الاعلام الحكومي من قبل اردوغان لدعم حزب العدالة والتنمية وكذلك استغلال عامل تخويف وترهيب المنافسين، فقد استعان اردوغان بشكل جلي خلال خطاباته التي سبقت الإنتخابات بعاملين مهمين لإستقطاب الناخبين الاتراك، وهما التركيز علی المذهبية والاثنية. حيث عرّف اردوغان عن نفسه بانه ينتمي الی المذهب السني لمواجهة زعيم الحزب الجمهوري العلماني الذي ينتمي الی المذهب العلوي. كما دغدغ اردوغان مشاعر الاثنية لدی الاتراك لمواجهة الاقلية الكردية في البلاد وذلك لرفع نسبة مشاركة وتصويت الاتراك في الإنتخابات لصالح حزب العدالة والتنمية.
وتلخيصا لما تمت الإشارة الیه، فقد كانت عملية فوز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات التركية، ذات ولادة صعبة وقيصرية. وبما أن حوالي نصف الشعب التركي لم يصوت لاردوغان وهو منزعج بشكل كبير من سياساته، فاننا من المحتمل سنشهد مغامرات غير محمودة العواقب من قبل السيد اردوغان، باعتباره أخوانيا تركيا؛ في تركيا والمنطقة، تهدف الی مساعدة الاخوان في مصر والیمن وسوريا والإمارات المتحدة العربية ودول اخری للوصول الی السلطة، علی حساب مصالح جميع دول المنطقة وشعوبها. لكن من الواضح جدا، فان اراد اردوغان سلوك مثل هذا الطريق، فانه سَيُصفع صفعة قوية من قبل معارضيه في الداخل وكذلك، مصر وروسيا وإيران ودول اخری. لذا فان أراد اردوغان عدم اقحام المنطقة بأزمات جديدة، فعلیه الكف عن سياساته العدائية السابقة تجاه دول الجوار خاصة سوريا وإيران وكذلك روسيا.