الوقت- في ظل الحملة المُنسقة والتي يديرها الإعلام التابع للدول الخليجية، خدمةً للسياسة الأمريكية التي تسعى لضرب حلف المقاومة عبر تشويه سمعته أمام الرأي العام العربي والدولي، وتقديمه كطرفٍ يسعى للحروب والإقتتال، قامت جريدة الحياة بتحريف خطاب السيد الحوثي الأخير، محاولةً توجيه الرأي العام في منحىً يختلف عن كلام السيد الحوثي بمعناه. وهو الأمر الذي يُعتبر مستغرباً من جريدةٍ عريقة في العالم العربي لا سيما أنها تعمل في مجال الصحافة منذ عام 1946. وهنا وبعيداً عن الآراء والإنتماءات، نُضيئ بموضوعية على مقال الحياة، في محاولةٍ للقيام بالواجب الصحفي وبمهنية. فماذا في مقال صحيفة الحياة؟ وأين يقع التحريف؟
نشرت الصحيفة في عددها الصادر اليوم مقالاً تحت عنوان "الحوثي يدعو إلى مواصلة الحرب ويتجاهل مفاوضات السلام"، وقامت من خلاله بالحديث عن ما قام به التحالف من غاراتٍ أمس، لتتحدث عن خطاب السيد الحوثي بعد ذلك في عدة أسطرٍ فقط، ثم لتنتقل للحديث عن أخبار الصراع الدائر في اليمن. وهنا نُشير للتالي:
- إن من يقرأ عنوان المقال يظن أنه يتحدث في أغلبه عن خطاب السيد الحوثي، في حين أن العنوان لا يتناسب أصلاً مع المقال. وهو الأمر الذي يعرفه الصحفيون المتمرسون في الكتابة. فالصحيفة التي لم تُشر أصلاً للكلام الحرفي للسيد الحوثي، قامت بالإشارة الى خطابه عبر تحريف فحواه من أجل توجيه الرأي العام بطريقةٍ معينة. وهو ما لا يتناسب مع الموضوعية والمهنية الصحفية.
- فقد جاء في نص المقال، وبعد الحديث عن إنجازات التحالف (بنظر الصحيفة)، هذا المقطع: "وألقى زعيمهم (في إشارةٍ للحوثيين) عبد الملك الحوثي خطاباً بالمناسبة هاجم فيه دول التحالف. ودعا أنصاره إلى مواصلة القتال باعتباره "صداً للعدوان" على اليمن، وتجاهل الحديث عن المفاوضات المرتقبة التي ترعاها الأمم المتحدة لإحلال السلام في اليمن والتوصل إلى حل ينهي انقلاب جماعته على الحكومة الشرعية" . وهنا نقول أنه من الواضح من عنوان المقال وما جاء فيه، تقصُّد الترويج لدعوة السيد الحوثي لمواصلة القتال وربطها بمسألة المفاوضات المرتقبة، من باب القول أن الحوثيين لا يريدون الحل السياسي السلمي منذ الآن. وهو الأمر الذي يمكن وبسهولة دحضه من خلال متابعة مسار الملف اليمني. فالسيد الحوثي كان دائماً يُشير في خطاباته المتكررة والتي يمكن مراجعتها، لمسألة أن إيقاف العدوان شرطٌ للتفاوض وهو الأمر الذي يُعتبر طبيعياً وعرفياً. لكنه يبدو غير مألوفٍ لدى السعودية وأتباعها.
- كما أن أسئلةً عديدة يمكن طرحها على صحيفة الحياة، والتي تُثبت عدم الموضوعية والمهنية الصحفية، لا سيما ما يخص الملف اليمني. وهنا نسأل الصحيفة بعضاً منها، من باب إقامة الحجة عليها. أليست الرياض هي من بدأت الحرب وشنت العدوان وحشدت الدول والجيوش لذلك؟ وبالتالي، ألا تُعتبر السعودية بمفهوم اللغة العربية فاعلاً للعدوان، وهو ما يمثل حقيقةً عسكريةً وسياسية؟ كما أن قيام السعودية بنقل مقاتلين من الجماعات التكفيرية من سوريا الى اليمن، دليلٌ على الدفع للحل السلمي والسياسي أم تأجيج العدوان العسكري على الأرض؟ ألم تشر صحيفة الديلي ووتش بأن السعودية تزرع أجهزة في الهواتف للتجسس على معارضيها في تعز؟ فهل يمكن أن تخبرنا صحيفة الحياة على ماذا تدل هذه الحقائق؟
- من جهةٍ أخرى فإن القارئ لخطاب السيد الحوثي، يجده خطاباً إستراتيجياً في فحواه، ركز فيه السيد على أن "الخطر يكمن في الكيان الصهيوني وليس في باب المندب"، مُشيراً الى أن "النظام السعودي يتمظهر بالإسلام بينما يسيء أكبر إساءة للإسلام" .." و يتحالف مع الكيان الإسرائيلي ويرتكب أبشع الجرائم ضد أبناء المنطقة". وهنا نقول أن خطاب السيد جاء متآلفاً مع المناسبة التي خرج من أجلها اليمنيون. كما أن السيد الحوثي لم يدخل في زواريب السياسة الضيقة بل طرح مسألة مقارعة الإستكبار العالمي، محاولاً توجيه البوصلة الى ما يُوحِّد المسلمين بإعتباره العدو الأساسي هو الكيان الإسرائيلي. وهو الأمر الذي يدل على مستوى الخطاب الذي يرقى لطبيعة الصراع العالمي بأساسه، والذي يبدو أنه لا يهم صحيفة الحياة التي خلعت لباسها العربي منذ أن دخلت السعودية في نفق التبعية لواشنطن علناً والتجاهر بالعلاقة مع الكيان الإسرائيلي. فهل استفزها كلام السيد الحوثي وما لقيه من صداً؟
لم يعد الإعلام يمثل الحقائق بل يسعى فقط لتوجيه الرأي العام بحسب السياسة التي ينتمي إليها. لكن وللأسف فإن صحيفةً كالحياة، والتي تُبحر في بحر السياسة الأمريكية بطبيعة خلفيتها التابعة للرياض، يبدو أنها لم تعد ترتقي لمستوى الإعلام المهني والموضوعي. حتى وصلت بها الأمور الى إختيار عناوين لا تتناسب مع المقال، أو تحريف مضمونها لتشويه سمعة الخصم. في حين يتساءل الكثير من المتابعين اليوم عن المستوى المُنحط الذي وصل له الإعلام العربي التابع للدول الخليجية، والذي أصبح يتجرأ على تحريف الحقائق. فقد كان من الأفضل لصحيفةٍ عريقةٍ كالحياة أن تتناول ملف الإنتفاضة في فلسطين وما يجري على القدس. لكن خطاب السيد الحوثي استفزهم بعد أن لقي صداً كبيراً في الإقليم والعالم. فلم يكن من سلاحٍ غير التحريف، وهو ما لا ينفع مع أمةٍ أصبحت تعي حقائق الصراع، وتعرف العدو من الصديق.