الوقت- خلال الاشهر الماضية نزل أهالي جنوب اليمن إلى الشوارع عدة مرات للاحتجاج على النخبة الحاكمة في عدن عاصمة تحالف العدوان السعودي الإماراتي التي أعدتها لتكون العاصمة المؤقتة للرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي" وحكومته القابعة في فنادق الرياض. ويلقي المواطنون اليمنيون باللوم على فصيل منصور هادي (المدعوم من السعودية) والمجلس الانتقالي (المدعوم من الإمارات) باعتبارهما الجناة الرئيسيين في حدوث الازمات الاقتصادية والأمنية التي تعصف بالمدن الجنوبية، ووجهوا المتظاهرين أسهم الاحتجاجات إلى هاتين المجموعتين اللتين استولتا على السلطة.
وبحسب آخر الأخبار، فقد اشتدت احتجاجات سكان الجزء الجنوبي من اليمن ضد تحالف العدوان السعودي والحكومة المستقيلة في الأيام الأخيرة، ونظم الأهالي تظاهرات واسعة النطاق في شوارع عدن، معلنين عن رفضهم للوضع الاقتصادي السيئ الذي لا يطاق. وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية عن تظاهر الآلاف من مناصري المجلس الانتقالي الجنوبي قبل عدة أيام في عدد من المحافظات الجنوبية اليمنية. ودعا المتظاهرون في ذكرى ما أسموه في بيانهم 7-7 يوم الأرض، وهو تاريخ ما يصفونه بقيام النظام السابق في عهد الرئيس السابق "على صالح" باجتياح المحافظات الجنوبية عام 94، بطرد حكومة "هادي" المستقيلة من مدينة عدن. وجاب المتظاهرون في حضرموت وشبوة وعدن، مرددين هتافات تطالب بتحسين الخدمات المعيشية. ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بسرعة تنفيذ اتفاق الرياض.
وفي بيان عن المظاهرة جدد المتظاهرون مطالبهم بسحب القوات الموجودة في شبوة ووادي حضرموت وتمكين أبناء المحافظتين من تأمين مناطقهم، حسب تعبير البيان. وندد البيان بالتدهور المعيشي وارتفاع سعر الصرف والانهيار الكبير في الخدمات الأساسية في قطاع الكهرباء والصحة والبنية التحتية. وعبر البيان عن رفض المتظاهرين عقد جلسات مجلس النواب القادمة في محافظة حضرموت. وتشهد محافظة عدن وشبوة حضرموت مظاهرات شعبية احتجاجية تطالب بتحسين الخدمات ومنها الكهرباء، حيث تعد مشكلة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة من المشاكل التي يعاني منها المواطنون وخاصة في فصل الصيف. ولقد مثلت الإجراءات التصعيدية الأخيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي مصدر قلق بالغ لعدد من عواصم الدول الكبرى والمجتمع الدولي، حيث لاقت تلك الإجراءات التصعيدية إدانات ورفض دولي.
فبعد أن رفض المجلس الانتقالي الجنوبي استمرار المشاركة في المفاوضات لاستكمال تنفيذ اتفاق الرياض أصدرت قياده المجلس عدة قرارات سياسية وعسكرية واتخذت عدداً من الإجراءات والتي وصفت بالتصعيدية والاستفزازية إضافة إلى تصعيدها عسكريا في أبين وبعض المناطق الجنوبية. وسيّر مؤخراً المجلس الانتقالي الجنوبي مسيرات تحريضية في مدينة عدن وشبوة وحضرموت، وحاول تنظيم مظاهرات مسلحة في عدد من مديريات محافظة المهرة. وعلى مدار الأشهر الماضية ومنذ توقيع اتفاق الرياض، دعمت الدول الكبرى الاتفاق بين الحكومة المستقيلة والمجلس الانتقالي الجنوبي لإنهاء الاقتتال جنوب اليمن، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً. الا انه وتزامناً استمرار "الانتقالي" في تمرده على اتفاق الرياض، ومحاولاته المستمرة للتنصل من بنوده، أصدرت مؤخراً السعودية بياناً أدانت فيه التصعيد في الجنوب والإجراءات والقرارات التي اتخذها الانتقالي. وحملت المملكة بشكل واضح المجلس الانتقالي مسؤولية التصعيد في الجنوب، ودعت إلى سرعة استكمال كل بنود اتفاق الرياض. ويوم الخميس الماضي بعثت الولايات المتحدة الأمريكية رسالة تهديد واضحة ضد الخطاب التصعيدي للمجلس الانتقالي الجنوبي. حيث حذرت الولايات المتحدة من رد دولي تجاه محاولات تقويض وحدة اليمن وأمنه واستقراره جنوب اليمن. وطالبت القائمة بأعمال السفير الأمريكي "كاثي ويستلي" في رسالة لها نشرها حساب السفارة الأمريكية على "تويتر"، طالبت بالتوقف عن الخطاب والإجراءات التصعيدية، والعودة إلى الحوار الذي يركز على تنفيذ اتفاق الرياض ووضع مصلحة الشعب اليمني في المقام الأول. وقالت "ويستلي": "أولئك الذين يقوضون أمن اليمن واستقراره ووحدته يخاطرون بالتعرض للرد الدولي ومضاعفة المعاناة في اليمن وإطالة أمدها" في اشاره منها لإجراءات المجلس الانتقالي التصعيدية.
وعلى صعيد متصل، استهجن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، يوم الجمعة الماضي، الدعوة الأمريكية له بعدم التصعيد السياسي والعسكري في المحافظات الجنوبية اليمنية، والتي تضمنت حثّه على الالتزام باتفاق الرياض المبرم مع الحكومة المستقيلة، في تحذير أمريكي واضح للمجلس من مغبة الخروج عما تم الاتفاق عليه في هذا الصدد. وقال نائب رئيس المجلس، "هاني بن بريك"، في رده على التحذير الأمريكي بتغريدة له في صفحته الرسمية في "تويتر": "مضحك أن يأتيك من يحدد لك مصلحة بلدك وشعبك، ويقول لك ابق خاضعاً تحت الذل والهوان، ولا تطالب باستقلال بلدك، ويصف إرادة الشعب بالتصعيد". واستنكر، بلغة تهكمية، هذا التحذير بقوله إن "القيم لا تتبدل.. فلتعد جمهوريات الاتحاد السوفيتي المستقلة لحضن موسكو، ولتعد جمهوريات يوغسلافيا لحضن بلغراد، وهكذا كل الدول التي استقلت برعاية أمريكا".
وكانت الحكومة اليمنية المستقيلة والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقعا نهاية العام 2019 اتفاق الرياض لتطبيع الأوضاع في المحافظات الجنوبية التي سيطرت عليها ميليشيا المجلس الانتقالي في آب/أغسطس من نفس العام، وفي مقدمة ذلك، مدينة عدن، والتي أصبحت تحت قبضة المجلس. ومنذ ذلك الحين وما زال اتفاق الرياض مجرد حبر على ورق، حيث لم يلتزم المجلس الانتقالي بتنفيذ بنوده وبالذات الجانب العسكري منه، والذي ينص اتفاق الرياض على خروج ميليشيا المجلس الانتقالي من عدن وانسحابها إلى مناطق أخرى.
وحول هذا السياق، أشار مصدر ميداني يتابع عن كثب التطورات في مدينة عدن إلى تفاصيل الاحتجاجات وقال: "طالب الناس في المسيرات بانسحاب تحالف العدوان السعودي من المحافظات الجنوبية وعزل منصور هادي والبرلمان". وقال المصدر الميداني، إن "الاحتجاجات بدأت وانتشرت قبل عدة أيام، حيث أثار الانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء غضب الأهالي"، مضيفًا إن "انقطاع التيار الكهربائي في المناطق الجنوبية من اليمن وصل إلى 15 ساعة في بعض الأيام وهذا الأمر أثار غضب الناس." وبحسب هذا المصدر الميداني، فإن أهالي مديريات "كريتر والمعلا والمنصورة" قد نظموا عدة مظاهرات منذ شهر رمضان وحتى الآن، وامتد نطاق احتجاجات المواطنين تدريجياً إلى أحياء وأجزاء مختلفة من محافظة عدن. وبحسب المعلومات التي قدمها هذا المصدر الميداني، فإن نقص خدمات الرعاية ليست المشكلة الوحيدة لسكان جنوب اليمن، وإنما الحزب الحاكم غير قادر على دفع رواتب الموظفين وتوفير الخدمات الصحة لهم.
ومع تصاعد الاحتجاجات، تم إرسال عناصر شبه عسكرية موالية للرئيس المستقيل "منصور هادي" إلى مداخل مدينة عدن وأجزاء أخرى من المحافظة لقمع التظاهرات الشعبية والسيطرة عليها؛ وفي الوقت نفسه، قامت مجموعة من المتظاهرين بقطع شوارع "الزعفران ومدرام وخليفة" في مناطق كريتر والمعلا والمنصورة. وردد المتظاهرون خلال المسيرات هتافات مختلفة ضد تحالف العدوان السعودي، وأعلنوا أنه في حال قطع رؤوسهم لن يتوقفوا عن الاحتجاج وسيواصلون التظاهرات حتى يتم طرد عناصر البرلمان وقادة الحكومة المستقيلة من محافظة عدن.
وفي الختام تجدر الاشارة إلى أنه في المقابل، تتمتع مناطق الشمال اليمني بهامش لافت من الأمن الاجتماعي والاقتصادي فقد نتج عن السياسات المتبعة لحكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء في تحقيق استقرار سعر صرف للعملة الوطنية اليمنية، ووضع حد للانهيار المتواصل، خاصة قرارها الذي يقضي بحظر التعامل بفئات العملة غير القانونية أو حتى حيازتها. وقد حافظ الريال اليمني على قيمته في صنعاء عند 598 ريال أمام الدولار للبيع، و596 للشراء. وهذا ينعكس إيجابًا على الأوضاع الخدماتية والاجتماعية في هذه المناطق، مع المحاولات الحثيثة والجهود العظيمة التي تبذل لأجل تسوية أوضاع المواطنين اليمنيين مع ضحالة الإمكانيات والفرص والحصار السعودي الاماراتي الخانق إلا ان حكومة صنعاء تحارب حتى الرمق الأخير، وتقدم نموذجًا وتجربة في إدارة الحكم والبلاد في أحلك الظروف التي تمر على اليمنيين. وأما في الجنوب، وعلى الرغم من سيطرة تحالف العدوان على المنشآت الحيوية، وإحكام السيطرة على منافذ الحدود وإدارة المؤسسات العامة، والدعم الغربي الكبير الذي استمر طيلة سنوات، لم تستطع السعودية والإمارات من تخفيف معاناة اليمنيين في المناطق التي تسيطران عليها، بل أمعنت في زيادة الأوبئة والفلتان الأمني، وارتفاع معدل الجريمة، وهذا ليس بالأمر المستغرب، فمن يلقي نظرة على الأهداف التي كانت يتطلع التحالف لتحقيقها، ويرى الفشل الذي مُني به بعد 6 سنوات، يعلم حجم التخبّط والاخفاق التي تعاني منها هذه الجماعات والميليشيات الموالية للتحالف وسوء إدارتها.