الوقت- صحيح أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ بداية رئاسته منذ ستة أشهر، أثبتت أن مزاعمها بتغيير سياسات واشنطن، وخاصةً تجاه الشرق الأوسط، لم تكن أكثر من خداع، وهي تنتهج سياسات ترامب نفسها حتی بشكل أكثر تطرفاً؛ لكن استراتيجية بايدن لتوسيع وتوطيد نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة تختلف عن استراتيجية ترامب.
بالطبع، إدارة بايدن ليست استثناءً من النهج العدواني الأمريكي، وهو الأسلوب المعتاد لجميع الإدارات الأمريكية، وقد انعكس ذلك بوضوح في عدوان واشنطن الأخير على قواعد الحشد الشعبي العراقي.
ما هو سبب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان؟
نرى أن سياسة بايدن الآن في الدول الثلاث أي العراق وسوريا ولبنان هي نفس سياسة الإدارة السابقة، والتي تتمثل في الاعتداء المستمر على مواقع الحشد الشعبي في العراق، ودعم الإرهابيين السوريين ونهب الثروات الطبيعية لهذا البلد، والتدخل في الشؤون السياسية للبنان.
لكن هناك خطوتان جديدتان اتخذتهما إدارة بايدن منذ توليها السلطة في الشرق الأوسط، هما انسحاب القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان وإغلاق بعض قواعدها في قطر ونقلها إلى الأردن.
تحليل الخبراء الرئيسي لسلوك بايدن يركز على حقيقة أن الإدارة الأمريكية الجديدة قررت تقليل وجودها العسكري في الشرق الأوسط للتركيز على شرق آسيا والصين، التي تعدّ حاليًا أكبر منافس لواشنطن عالميًا.
لكن هذا ظاهر الأمر فحسب، وكما يتضح من السياسات الأمريكية المعتادة، هناك دوافع أخرى وراء هذه القرارات.
كواليس نقل القوات والمعدات الأمريكية من قطر إلى الأردن
أعلن المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إغلاق ثلاث قواعد عسكرية أمريكية في منطقة السيلية بقطر، والتي كانت تستخدم كمستودع ذخيرة للمعدات الثقيلة من الدبابات وناقلات الجند المدرعة. وبحسب التقارير الواردة من البنتاغون، فقد تم نقل جميع هذه المعدات إلى الأردن.
وکان الجيش الأمريكي قد أغلق الشهر الماضي قاعدته العسكرية في السيلية، القاعدة الأمريكية الرئيسية إلى جانب قاعدة سيليا في الجنوب، ومنشأة لإمدادات الذخيرة تسمى فالكون في قطر.
كما أعلن المتحدث باسم البنتاغون أن هذه الدولة أنشأت مكتب تعاون أمني في قطر، لدعم قوات الدفاع الوطني الأفغانية في كابول.
لكن الإعلان المفاجئ عن القرار الأمريكي بهذا الشأن يبدو غريباً بعض الشيء، ويعتقد الخبراء أن الولايات المتحدة لديها خطة عسكرية جديدة لمستقبل غرب آسيا، يمكن تلخيصها في نقاط قليلة:
- الإعلان عن وجود قاعدة أمريكية كبيرة في الأردن لأول مرة، ستكون مقراً للقوات والمعدات الثقيلة الأمريكية في الشرق الأوسط.
- إنشاء قاعدة ونقل المعدات الثقيلة والقوات الأمريكية من قطر إلى الأردن، لمنع استهداف الأمريكيين من قبل جماعات المقاومة العراقية، وعدم تكرار استهداف قاعدة "عين الأسد" الكبيرة، التي ضُربت بالهجوم الصاروخي الإيراني في أول رد فعل انتقامي على استشهاد الفريق "قاسم سليماني".
كما أنه من غير المستبعد أن تنوي واشنطن استخدام قاعدتها في الأردن للقيام بعمليات ضد فصائل المقاومة في العراق وسوريا. وفي هذا الصدد، قال خبير في شؤون الأمن القومي في مركز "غلوبال بوليسي" في واشنطن، إن "إغلاق هذه القواعد ونقل معداتها إلى الأردن خطوة لإنقاذ حياة القوات الأمريكية في المنطقة".
كما أشار "كامل البياتي"، المحلل السياسي العراقي، إلى خطورة نقل معدات عسكرية وأسلحة أمريكية من قطر إلى الأردن. وقال إن نقل المعدات والقوات الأمريكية من قطر إلى مناطق قريبة من حدود العراق مع الأردن وسوريا، هو دليل على خطة جو بايدن الجديدة للمنطقة.
وذکر البياتي أن جو بايدن كان يسعى لتقسيم العراق والمنطقة في عهد "أوباما"، ويسعى الآن لإحياء هذا السيناريو. وأضاف: "إن نقل القوات والمعدات العسكرية من قطر إلى مناطق قريبة من الحدود العراقية مع الأردن وسوريا، خطة مريبة لزعزعة استقرار العراق".
- يأتي هذا التحرك الأمريكي بعد تقليص الدعم الدفاعي الأمريكي لبعض الدول العربية في الشرق الأوسط، وسحب الأنظمة المضادة للصواريخ من هذه الدول مثل السعودية؛ حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية الأسبوع الماضي أنها سحبت ثمانية أنظمة باتريوت من السعودية والأردن والعراق والكويت.
- ستبقى القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط كما هي في قاعدة العديد بقطر بـ 100 طائرة مقاتلة. كانت هذه القاعدة موقعًا انطلقت منه الغارات الجوية الأمريكية ضد أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 وسوريا عام 2011.
- يرى البعض أن إحدى الاستراتيجيات المعلنة للولايات المتحدة تتمثل في الوجود العسكري في نقاط استراتيجية رئيسية، وأن وجودًا عسكريًا كبيرًا في الأردن، إضافة إلى زيادة هيمنة واشنطن على شرق البحر المتوسط ودول فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والعراق، يمكن أن يؤثر أيضًا على الممر التجاري المهم جدًا بين الشرق والغرب.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن مهام القواعد الأمريكية قد توزعت بين بلدين عربيين في الشرق الأوسط. وعليه، فإن من واجب القاعدة الأمريكية في الأردن أن تلعب دورًا رئيسيًا في الدفاع عن قوات ومعدات واشنطن في أي حرب بالمنطقة ضد المواقع الأمريكية.
كما ستراقب قاعدة العديد في قطر المعارك باعتبارها قاعدةً للقوات الجوية الأمريكية في المنطقة، وستكون المقاتلات في القاعدة حاضرةً في جميع الاشتباکات.
ويعتقد بعض الخبراء أن نقل المعدات العسكرية للإرهابيين الأمريكيين من قطر إلى الأردن، تم من أجل توفير أمن الکيان الصهيوني وليس لحماية أرواح الجنود الأمريكيين.
يقول مؤيدو هذا السيناريو إنه بسبب الهزائم المتكررة للجيش الصهيوني في حروب العشرين عامًا الماضية في لبنان وفلسطين أمام المقاومة الإسلامية في المنطقة، وكذلك هزيمة الجماعات الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا مثل داعش، يسعی المسؤولون الأمريكيون لتعزيز موطئ قدمهم في سوريا والأردن للعب دور أكبر.
من ناحية أخرى، فإن هذا التعزيز للوجود سيوفر مزيدًا من الأمن للکيان الصهيوني، وسيساعد الإرهابيين الأمريكيين على خدمة الصهاينة بشكل أكبر؛ وهو إجراء يراه البيت الأبيض ضروريًا بعد هزيمة الجيش الصهيوني في حرب الـ 12 يومًا على يد المقاومة الفلسطينية في غزة.
لكن اللافت للنظر هو تجاهل دور السعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان في كل الخطط الجديدة لإدارة بايدن، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول طبيعة الأهداف الأمريكية السرية تجاه مستقبل منطقة الخليج الفارسي. ويجادل البعض بأن رسالة تحركات واشنطن للدول الخليجية، هي أنها لا ينبغي أن تعتمد على الولايات المتحدة لحماية نفسها.
وخلاصة القول هي إن خطط الولايات المتحدة في المنطقة لم تكن أبدًا متوافقةً مع أهدافها المعلنة، ولا يمكن تقييم الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها هذه الدولة، مثل الانسحاب من أفغانستان أو نقل المعدات من قطر إلى الأردن، في سياق الأهداف التي يعلنها مسؤولو واشنطن أو الخبراء الغربيون.