الوقت - في قرار مثير للجدل صدر في 16 حزيران/يونيو 2021، قرر مجلس الوزراء العراقي دفع 200 مليار دينار شهرياً لإقليم كردستان لتمويل رواتب الموظفين والعاملين، رغم معارضة وزير المالية.
هذا القرار، الذي عارضه وزير المالية، تم التصويت عليه في اجتماع لمجلس الوزراء وتمت الموافقة عليه بأغلبية الأصوات. وعليه، يتم احتساب المبلغ ودفعه من اليوم الأول من الشهر الأول من العام الجاري، وبذلك تدفع بغداد مبلغ 1 تريليون و 200 مليار دينار عن الستة أشهر الماضية كميزانية لرواتب الموظفين والعاملين في الإقليم.
يأتي قرار الحكومة العراقية بدفع 200 مليار دينار شهرياً لأربيل، في وقت كانت فيه مسألة الميزانية إحدى نقاط الخلاف الرئيسة بين أربيل وبغداد منذ 2013.
في الوضع الحالي، لاقى هذا القرار معارضةً واسعةً من قبل بعض التيارات السياسية العراقية، وفي المقابل أيَّد الأكراد قرار مصطفى الكاظمي. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح الآن هو، لماذا تعارض التيارات السياسية قرار الحكومة؟ ولماذا اتخذ الكاظمي مثل هذا القرار في الوضع الحالي؟
استمرار الخلاف حول الامتثال للالتزامات الخاصة بالميزانية والنفط
عند تحليل وتوضيح سبب معارضة التيارات السياسية العراقية لمبلغ 200 مليار دينار الذي من المقرر أن تدفعه بغداد لأربيل، من الضروري أولاً ملاحظة أن سبب ذلك يعود إلی الخلاف الكردي مع الحكومة المركزية حول قضايا الميزانية والنفط.
في السنوات الأخيرة، من ناحية، أصر قادة أربيل على أن الحكومة المركزية يجب أن ترسل الميزانية المتعلقة برواتب الموظفين إلی الإقليم. ومن ناحية أخرى، تؤكد بغداد أيضاً على مراقبة بيع نفط إقليم كردستان من قبل شركة سومو(الشركة الوطنية العراقية لتسويق النفط). وعلى جانبي القضية، يتهم الطرفان بعضهما البعض بعدم الالتزام.
لكن في الوضع الجديد، وبعد أن ارتفع سعر النفط العالمي إلى أكثر من 70 دولارًا للبرميل، حصلت أربيل على جزء كبير أو الحد الأقصى من الميزانية اللازمة لدفع رواتب الموظفين.
ومع احتساب الـ 200 مليار دينار من الحكومة المركزية، فإن دخل إقليم كردستان يصل الآن إلى أكثر من تريليون دينار، وهو ما يزيد بمقدار 100 مليار دينار عن الميزانية اللازمة لدفع رواتب الموظفين كاملةً.
في الواقع، بدفع هذا المبلغ من بغداد لإقليم كردستان العراق، سيكون إجمالي الدخل الشهري للإقليم على النحو التالي: 200 مليار الميزانية المدفوعة من قبل بغداد، 300 مليون دولار عائدات النفط للرواتب(أي 450 مليار دينار)، 350 مليار دينار من الايرادات المحلية و 25 مليار دينار المساعدة المالية للتحالف العالمي.
إن مجموع هذه المبالغ يساوي 1025 مليار دينار، من جهة أخرى فإن الموازنة المطلوبة لدفع رواتب موظفي إقليم كردستان بشکل كامل تساوي 894 مليار دينار، وبالتالي سيكون أكثر من 130 مليار دينار فائضاً من الميزانية.
وفي مثل هذه الحالة، أعربت بعض التيارات السياسية العراقية عن استيائها من ذلك، بل وهددت مصطفى الكاظمي باستجواب رئيس مجلس الوزراء.
على سبيل المثال، أصدر حسن سالم، عضو ائتلاف الفتح في مجلس النواب العراقي، بيانًا قال فيه: إن "قرار الحكومة المركزية بدفع 200 مليار دينار شهرياً لحكومة إقليم كردستان وبأثر رجعي يعدّ مخالفةً صريحةً للدستور وبنود الموازنة لعام 2021، والتي بموجبها يجب على الطرفين الوفاء بالتزاماتهما. وسنتخذ الإجراءات القانونية لمنع الاستهتار بأموال الشعب. وعلى الادعاء العام منع تسليم هذه الاموال، وكذلك يجب استجواب ومسائلة رئيس الوزراء على عدم التزامه بالدستور".
كما أكد برهان الدين إسحاق، العضو البارز في كتلة بابليون في العراق: أن "قرار مجلس الوزراء بمنح إقليم كردستان مبلغ 200 مليار دينار باثر رجعي دون أن ينفذ الإقليم ما عليه ضمن موازانة العام الجاري مخالفة قانونية ودستورية، والسبب في هذا التخبط هو عدم وجود إرادة سياسية لإقرار قانون النفط والغاز الذي ينظم الموارد الطبيعية للبلاد".
بشکل عام، يبدو أن مسألة دفع 200 مليار دينار شهرياً لأربيل ستواجه معارضةً أكبر في الأيام المقبلة، وستزيد من التوترات على نطاق أوسع من أي وقت مضى بين الأكراد والحكومة المركزية.
أهداف الكاظمي الانتخابية
عند تحليل سبب قرار حكومة مصطفى الكاظمي دفع 200 مليار دينار للأكراد في الوقت الحالي، فلا شك أن الموضوع يمكن أن يعزی إلى اقتراب موعد الانتخابات النيابية المبكرة في العراق في 10 تشرين الأول 2021.
حقيقة الأمر هي أن مصطفى الكاظمي يحاول تأمين المقاعد الكردية في البرلمان لنفسه في الفترة التي تسبق الانتخابات. وهذا يعني أنه يستطيع من الآن ضمان حوالي 60 مقعدًا برلمانيًا مخصصًا للأكراد لنفسه.
يدرك الكاظمي جيدًا أن الغالبية العظمى من الأحزاب الكردية سترحب بإرسال بغداد الأموال لدفع رواتب الموظفين في الإقليم، وعلى هذا الأساس قد يشجع قراره الأخير الأكراد علی دعم إعادة انتخابه رئيسًا لمجلس الوزراء.
على صعيد آخر، يبدو أن مصطفى الكاظمي يسعى على مسرح المعادلة السياسية العراقية إلى زيادة فرصه في إعادة انتخابه رئيسًا للوزراء، من خلال التحالف مع مقتدى الصدر زعيم ائتلاف "سائرون" ومسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، والذي تتردد شائعات عن التحالف الانتخابي بين الاثنين.
بشكل عام، يمكن القول إن قرار حكومة الكاظمي إرسال أموال لإقليم كردستان العراق له أهداف انتخابية أكثر من أي موضوع آخر، ويبدو أننا سنشهد في المستقبل تحالفًا بينه وبين الصدر والبارزاني.