الوقت - في حين يعتقد معظم المراقبين السياسيين أن مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في أسوأ حالاته منذ نهاية الحرب الباردة (1991)، سيلتقي الرئيسان في 16 يونيو 2021 في فيلا "لا غرانج" السويسرية التي تعود للقرن الثامن عشر على ضفاف بحيرة جنيف.
هذا الاجتماع، وهو ثاني لقاء سياسي ودبلوماسي رسمي بين بوتين وبايدن، هو الأول منذ نهاية رئاسة دونالد ترامب. وكان الاجتماع في دائرة الضوء من قبل وسائل الإعلام والمحللين منذ فترة طويلة، ومعظم المراقبين السياسيين يعتبرونه اجتماعاً مهماً للغاية.
أبعاد أهمية لقاء بايدن وبوتين
لقد كان للاجتماعات بين القادة السياسيين للقوى العظمى تأثيرات كبيرة على مستوى النظام الدولي وحتى تغيير المعادلات في النظام العالمي على الدوام.
وتكررت هذه العملية مرات عديدة في التاريخ السياسي للمجتمع الدولي، وأصبح من الواضح للجميع الآن أن الاجتماع بين رئيسي القوتين العظميين الولايات المتحدة وروسيا، له أهمية قصوى بالنسبة لمختلف المعادلات الدولية والإقليمية.
کما يأتي الاجتماع بين فلاديمير بوتين وجو بايدن في وقت وصلت فيه التوترات بين الجانبين إلى ذروتها، لذلك الآن يمكن أن يكون البعد الأول لأهمية هذا اللقاء هو تهدئة أجواء العلاقات بين البلدين.
وبعبارة أخرى، يمكن أن يكون بدء محادثات رفيعة المستوى بين واشنطن وموسكو علامةً إيجابيةً في حدها الأدنی، على الرغم من العلاقات السيئة بين الولايات المتحدة وروسيا.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يحدد الاجتماع بين بوتين وبايدن أبعاد ونطاق ومحاور وإدارة العلاقات الأمريكية الروسية في حقبة ما بعد ترامب. وكما يشير بوتين، فإن بايدن سياسي كلاسيكي وقوي يختلف أسلوبه كثيرًا عن نهج ترامب.
في الواقع، يمكن أن يحدد الاجتماع بين بايدن وبوتين مسار العلاقات بين موسكو وواشنطن في السنوات القليلة المقبلة على الأقل. ولا شك أن أي تسوية أو توتر بين الرئيسين يمكن أن يغير الكثير من الأزمات والقضايا على نطاق عالمي.
المحاور المهمة للتفاوض بين بايدن وبوتين
نظرًا للتصاعد غير المسبوق في التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا، يمكن أن يكون خفض التصعيد أهم قضية ومحور تركيز المفاوضات بين بوتين وبايدن.
بمعنی أن الاتفاق على القضايا الجديدة لا يمكن أن يكون أولويةً لأي من الجانبين، وسيكون التركيز أكثر على الأزمات العالمية المختلفة والخلافات بين البلدين.
ومع ذلك، يبدو أن هناك قضايا مهمة على جدول الأعمال خلال محادثات بايدن وبوتين، مثل "الحد من التسلح، وتغير المناخ، مزاعم التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، الهجمات الإلكترونية واعتقال المدون أليكسي نافالني، البرامج النووية لجمهورية إيران الإسلامية وكوريا الشمالية، سوريا، القطب الشمالي، ومكافحة وباء كورونا."
في الواقع، من المحتمل أن تكون النقاط الرئيسة للمفاوضات بين الجانبين في شكل قضايا مثل الاستقرار الاستراتيجي، خفض التوترات، الصراعات الإقليمية، الأنشطة البيئية والأجندة البيئية العالمية والشراكات الاقتصادية.
لكن الحقيقة هي أن مستوى التوتر بين الجانبين كبير، لدرجة أن احتمال التوصل إلى اتفاق سريع وقصير الأجل بشأن أي من هذه القضايا يبدو غير مرجح جداً. وبشكل عام، يمكن القول إنه فقط إذا كان الطرفان يفهمان بعضهما البعض بشكل متبادل، فمن الممكن الاتفاق على المحاور المذكورة.
التهديدات المتبادلة بين بايدن وبوتين قبل اللقاء في القصر
يتأثر الاجتماع بين بوتين وبايدن بمستوى التوترات الحالية واستعدادات هذين المسؤولين السياسيين قبل الاجتماع بشکل أكبر، وليس بأبعاد المفاوضات والاتفاقيات المحتملة.
في الواقع، حاول كلا الزعيمين لقاء بعضهما البعض من موقع أعلى من خلال اتخاذ تدابير سياسية وعسكرية واقتصادية ضد بعضهما البعض. بمعنى آخر، حاول القادة السياسيون للطرفين الظهور أمام بعضهم البعض وفي جعبتهم الکثير من الأوراق، وبالتالي كسب المزيد من النقاط.
فمن ناحية، اتخذ جو بايدن والإدارة الأمريكية عددًا من الإجراءات الصارمة والعدوانية ضد موسكو خلال الأشهر القليلة الماضية. في الأشهر الأخيرة، على سبيل المثال، عاقبت الحكومة الأمريكية سبعة مسؤولين روس بحجة الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان في روسيا، ودفاعًا عن زعيم المعارضة أليكسي نافالني. وكانت هذه أول عقوبات أمريكية ضد روسيا خلال حكم بايدن في البيت الأبيض.
ونرى أيضًا أن بايدن حضر قمتي مجموعة السبع وحلف الناتو قبل الاجتماع مع بوتين خلال الأسبوع الماضي لإرسال رسالة مفادها وحدة دول المحيط الأطلسي، وقد أثيرت في هذه الاجتماعات قضية المواجهة مع الصين كمنافس اقتصادي وروسيا كخصم عسكري وأمني.
وفي آخر خطوة، بعد أن حضر بايدن قمتي مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي في 10 يونيو 2021، وعد الجيش الأمريكي وعائلاتهم في قاعدة ميلدنهال الجوية في سوفولك بأنه سيرسل "رسالة واضحة" إلى بوتين.
وقال "لا نبحث عن صراع مع روسيا. بل نريد علاقةً مستقرةً يمكن التنبؤ بها. لدى بلدينا التزامات بالغة الأهمية، بما في ذلك الاستقرار الاستراتيجي والامتثال لاتفاقيات الحد من التسلح."
کما هدَّد بايدن قائلاً: "إذا انخرطت السلطات الروسية في أنشطة ضارة، فسترد الولايات المتحدة بشكل حاسم وبناء". وفي موقفه الأخير أيضًا، أو بعبارة أخرى تهديده الأخير، قال بايدن في 14 يونيو 2021 إن بوتين المستبد اليوم ليس بالقوة التي يبدو عليها.
في المقابل، أطلق الرئيس والحكومة الروسية، مرارًا وتكرارًا تهديدات ضد الولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية، وتحدثا عن تدخل واشنطن في الشؤون الداخلية لروسيا، ومحاولة البيت الأبيض التسلل والتدخل في مجال نفوذ موسكو، وحتى الحاجة إلى مواجهة تهديدات الناتو.
على سبيل المثال، في خطابه السنوي أمام أعضاء مجلس الدوما ومجلس الشيوخ والوزراء والقادة العسكريين رفيعي المستوى والمسؤولين السياسيين والدينيين والثقافيين رفيعي المستوى في 21 أبريل، أشاد بوتين باستعداد روسيا للرد بحسم وسرعة وقسوة علی أي عمل عدائي، ووصف تصرفات الناتو المعادية لروسيا بأنها تزيد من قدرة روسيا.
كما أضافت روسيا ثمانية مسؤولين أمريكيين إلى قائمة العقوبات في أواخر مارس، رداً على عقوبات أمريكية ضد سبعة مسؤولين روس.
حتى في إحدى خطواتها الأخيرة قبل اجتماع بايدن وبوتين، في 11 يونيو 2021، أعلنت وزارة الاقتصاد الروسية أن الحكومة الروسية حولت 5 مليارات دولار من عائداتها النفطية إلى اليورو واليوان في مايو.
وتأتي هذه الخطوة کجزء من نهج روسيا لتقليل الاعتماد على الدولار في احتياطياتها من العملات الأجنبية وتقليل تعرضها للعقوبات الأمريكية. وفي إحدى تصريحاته الأخيرة أيضًا، قيّم فلاديمير بوتين العلاقات بين واشنطن وموسكو عند أدنى نقطة ممكنة.
وإضافة إلى إطلاق هذه التهديدات السياسية، تجري روسيا والولايات المتحدة مناورات بحرية في المحيط الهادئ قبل اجتماع بوتين وبايدن. حيث أعلنت قيادة وحدة الغواصات التابعة لأسطول المحيط الهادئ الأمريكي في 4 يونيو 2021، إجراء تدريباتها البحرية "Agile Dagger" لتقييم الاستعداد القتالي وتوسيع قدرات قواتها المشتركة في المحيط الهادئ.
أما اليوم، 14 حزيران، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن بدء أكبر تدريب عملياتي لها في وسط المحيط الهادئ. ومن الجدير بالذكر أن أيا من البلدين لم يعلنا مدة ونهاية هذه التدريبات.
بشكل عام، يمكن القول إن الاجتماع بين بوتين وبايدن الذي سيعقد خلال اليومين المقبلين، بدلاً من التركيز على النتائج المحتملة، سيركز على كون كل طرف في موقع أعلى وإجبار الآخر على التراجع في المواقف والقرارات.