الوقت- لا تزال ارتدادات حرب غزة مستمرة في ابتعاد الهدوء عن الاراضي المحتلة، وتتابع التطورات داخل الكيان الصهيوني بشكل متوتر ومتأزم للغاية. في المقابل، فشلت محاولات تل أبيب لتخفيف ثقل الهزيمة في الحرب ضد المقاومة من خلال اتخاذ إجراءات تتعارض مع شروط وقف إطلاق النار واستمرار سياسة الضغط على الفلسطينيين في الضفة الغربية كما تعمل المقاومة في غزة من خلال تبني نهج هجومي، تدفع الصهاينة وتزيد من الضغط على حكومة نتنياهو المهتزة.
وفي هذا الصدد، بينما كانت قضية استعادة الأسرى الصهاينة لدى المقاومة من أهم شروط الصهاينة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية لإعادة إعمار غزة ومن أكثر النقاط المثيرة للجدل خلال الأيام الماضية، نشرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس يوم الاثنين لأول مرة تسجيلاً مرئياً وصوتياً لجندي صهيوني بينما كان مسؤولو تل أبيب يجهلون مصيره لفترة طويلة وظنوا أنه مات. حيث نُشر في هذا التسجيل لأول مرة صورة لجندي صهيوني معتقل في قطاع غزة يدعى "جلعاد شاليط".
ما لا شك فيه أن نشر هذا التسجيل في الوقت الراهن، ولأول مرة منذ سنوات بعد أسر هؤلاء الجنود، جرى التخطيط له لتحقيق أهداف مهمة ويمكن أن يؤثر بشكل كبير في وتيرة المعادلات في الأراضي المحتلة وكذلك التطورات في فلسطين بعد حرب الأحد عشر يوماً.
الحرب النفسية بعد الحرب العسكرية ؛ المسمار الأخير في نعش نتنياهو
جزء مهم من هدف المقاومة في غزة من نشر التسجيل الصوتي غير المسبوق لأسير صهيوني يتعلق بالحرب النفسية والإعلامية التي تجري على قدم وساق بعد الحرب العسكرية. قامت فصائل المقاومة من خلال فهم ظروف الأزمة السياسية داخل الأراضي المحتلة، باستهداف بشكل متزايد القلق العام بشأن النتائج الحقيقية للحرب الأخيرة التي تقلب رأساً على عقب بسبب الدعاية الواسعة لوسائل الإعلام الصهيونية. وما لا شك فيه أن استماتة نتنياهو لتعطيل الائتلاف المعارض لتشكيل الحكومة ستكون غير فعالة، ومع احتمال تنحي نتنياهو، سيزداد الخلاف الداخلي بين مؤيدي الائتلاف ومعارضيه. وستكون نتيجة هذا الوضع مزيداً من الاضطراب السياسي والاجتماعي في الجبهة الداخلية لإسرائيل وإحباط الرأي العام من نتيجة مواجهة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر ظاهرياً امام المقاومة. وأيضاً تراجع ثقة الجمهور بالجيش هو نتيجة أخرى لعمليات حماس النفسية ضد الصهاينة. فمن خلال فهم المكانة الحيوية للغاية لجيش بالأمل في المستقبل والحفاظ على وجود الكيان في نظر المستوطنين يمكن للمرء أن يفهم عمق الصدمة النفسية لنشر التسجيل للأسير الصهيوني.
تثبيت الانتصار بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين
البعد الآخر لهدف مقاومة غزة من نشر التسجيل قائم على تحييد خطة الحكومة الصهيونية للحصول على امتيازات من المقاومة من خلال إثارة قضية الحاجة إلى إطلاق سراح سجناء للحصول على اذن ارسال مساعدات إنسانية لإعادة اعمار دمار الحرب. لم يكن إطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة أحد أكثر المطالب إلحاحاً للرأي العام الإسرائيلي المحلي فحسب بل إن أهميته دفعت الحكومة الصهيونية إلى التخطيط لعدة عمليات لاختطاف الأسرى في غزة أو إجبار المقاومة على إطلاق سراحهم.
هدف آخر لمقاومة غزة هو تحييد خطة الحكومة الصهيونية للاستفادة من المقاومة من خلال إثارة قضية الحاجة إلى إطلاق سراح سجناء للحصول على مساعدات إنسانية لإعادة بناء الدولة التي مزقتها الحرب. لم يكن إطلاق سراح أسرى الحرب من قبل مجموعات المقاومة أحد أكثر المطالب إلحاحاً للرأي العام الإسرائيلي المحلي فحسب ، بل إن أهميته دفعت مجلس الوزراء الصهيوني إلى التخطيط لعدة عمليات لاختطاف الأسرى في غزة أو إجبار المقاومة على إطلاق سراحهم .
في ظل هذه الظروف، فإن نشر هذا التسجيل سيثير مرة أخرى الرأي العام ضد تقاعس الحكومة عن إطلاق سراح الأسرى، وسيكون هذا الضغط بمثابة دعم لدفع صفقة إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان الصهيوني مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. لذلك، من أجل تخليص أنفسهم من ضغوط الرأي العام، يجب على الصهاينة إما قبول هذه الصفقة التي هي أثقل من الهزيمة العسكرية أو الانسحاب من شرط الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الأربعة كشرط لإصدار تصريح للمساعدات الإنسانية.
تذكير بالقوة الاستخباراتية للمقاومة
من ناحية أخرى من الضروري الانتباه إلى النقطة المهمة المتمثلة في أن نشر ملف الأسرى الصهاينة يثبت مرة أخرى الانتصار الاستخباراتي للمقاومة على جهاز تجسس الكيان الصهيوني بأكمله. فكيف في منطقة صغيرة جداً مثل غزة، لم تكن أجهزة مخابرات الكيان الصهيوني حتى بالتعاون مع مخابرات فتح، قادرة على تعقب الأسرى في قبضة المقاومة؟ وحتى مسألة حياتهم أو موتهم بقيت غير معلومة للصهاينة حتى انتشار هذا التسجيل الصوتي سؤالٌ له جوابٌ وحيد وهو الفشل الذريع للمخابرات الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد، شاهدنا أنه فور نشر هذا التسجيل، طرح مكتب رئيس وزراء الكيان الصهيوني هذا الادعاء المكشوف أنه على دراية جيدة بحالة جنوده غولدن وشاؤول من خلال اصدار بيان علق فيه على نشر التسجيل ووصف هذا الاجراء بأنه مخادع ولا قيمة له.
خلال حرب الأحد عشر يوماً وبعدها، كانت هزيمة الاستخباري من المقاومة مصدراً دائماً للتحليل المحلي والدولي للمواجهة الأخيرة بين إسرائيل وحماس. لم يستطع نتنياهو أبدا أن يقدم تبريراً للسؤال الذي وجهه المنتقدون وهو كيف تمكنت المقاومة المحاصرة بالكامل من الحصول على التكنولوجيا المتقدمة للصواريخ الدقيقة بمدى 250 كيلومترا؟ أو لماذا على الرغم من استهداف جميع الأهداف الـ 250 التي أعلنتها قاعدة بيانات الكيان للقدرة العسكرية للمقاومة في قطاع غزة، لم يلحق ضرر كبير بالبنية التحتية العسكرية والدفاعية للمقاومة؟