الوقت - سافر وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إلى العراق خلال زيارة رسمية في 23 أيار / مايو 2021، بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة. ويشار إلى أنه وبعد انتهاء هجوم الكيان الصهيوني الذي استمر 11 يومًا على قطاع غزة، كانت الوجهة الأولى للوزير الفلسطيني هي زيارة المسؤولين في الحكومة العراقية. وزيارة وزير الخارجية الفلسطيني هذه إلى بغداد تطرح مسألتين مهمتين؛ أولا، ما هي أهداف السلطة الفلسطينية من السفر إلى العراق بعد أيام من إعلان وقف إطلاق النار؟ وثانياً، ما هي الرسالة السياسية للمنطقة بأن العراق يُختار ليكون الوجهة الأولى لوزير خارجية السلطة الفلسطينية؟
فتح تسعى إلى استعادة هيبتها على الصعيد السياسي
مما لا شك فيه أن زيارة وزير الخارجية الفلسطيني إلى بغداد كعضو رسمي في السلطة الفلسطينية، يجب النظر إليها بتحليل متعدد المستويات. في البداية، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن السلطة الفلسطينية، كتيار معتدل وذات ميل إلى التفاوض مع نظام الاحتلال في القدس، قد فقدت إلى حد كبير شعبيتها ومكانتها داخل المجتمع الفلسطيني نتيجة 11 يوما من الحرب في قطاع غزة. على الرغم من أن معظم المراقبين السياسيين أكدوا في الأشهر الأخيرة أن إجراء انتخابات ثلاثية ومحلية وبرلمانية ورئاسية في الأراضي المحتلة من المرجح أنها ستؤدي إلى فوز حماس، إلا أن الاشتباكات الأخيرة في قطاع غزة جعلت حماس أكثر شعبية من أي وقت مضى. وهكذا، يبدو أن قادة حركة فتح باتوا يعتقدون الآن أن تطورات حرب 11 يومًا في قطاع غزة قد أضعفت مكانتهم أكثر من أي وقت مضى، وأنهم سيفشلون في أي انتخابات قادمة في فلسطين. نتيجة لذلك، تسعى السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس إلى استعادة صورتها المشوهة بين المواطنين الفلسطينيين بسرعة. في هذا الصدد، يحاول قادة حركة فتح استقطاب دعم دول المنطقة من خلال السفر إلى الدول الإسلامية في غرب آسيا، ولکي يظهروا للمواطنين الفلسطينيين أنهم يولون أهمية للنشاط الدبلوماسي لتحقيق مصالح أكبر الشعب للفلسطيني.
فشل جهود التسوية وعملية تطبيع العلاقات
يمكن قراءة التطورات الأخيرة في الأراضي المحتلة، والتي بلغت ذروتها بمقاومة حماس التي استمرت 11 يومًا للعدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، على أنها انتكاسة كبيرة لحركة التسوية العربية وأنصارها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. في العام الماضي، وضعت بعض الأنظمة العربية، مثل الإمارات والبحرين والسودان وغيرها، بدعم سري من السعوديين، على جدول أعمالها رسم مسار تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني؛ وحاولوا فرض هذه العملية على دول أخرى، بما في ذلك الحكومة العراقية، كأنه أمر لا مفر منه. لكن التطورات الأخيرة في الأراضي المحتلة، والتي أظهر الصهاينة فيها مرة أخرى عداءهم اللامتناهي للمسلمين، قد أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة التطورات العالمية، ومن ناحية أخرى، أفشلت جهود المصالحة وتطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية والكيان الإسرائيلي. في الواقع، أصبح الآن أي دعم للتسوية أو تطبيع العلاقات مع الصهاينة خيانة كبرى تُضعف وتحرم مؤيديها من الشرعية. في الأسبوعين الماضيين، أعلن مسؤولون في التيارات السياسية العراقية كمقتدى الصدر وعمار الحكيم والحشد الشعبي، وغيرهم دعمهم الكامل لشعب فلسطين المظلوم. وقد أعلن التيار الصدري استعداده للدفاع عن القدس والأراضي المحتلة الأخرى. وعلى هذه الحالة، وجهت الحكومة العراقية، بصفتها أحد الداعمين الرئيسيين للقضية الفلسطينية في الصراع الأخير، رسالة إلى المنطقة بأسرها وللمجتمع الدولي مفادها أن بغداد لا تتقرب في توجهاتها من الأنظمة المعتدلة في المنطقة وأنها حازمة في دعمها للقضية الفلسطينية. وتأكيداً لهذا، نرى أن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين صرح في لقاء مع رياض المالكي: "المجتمع العراقي مستمر في دعم القضية الفلسطينية، وفلسطين بحاجة إلى حوار صريح بين الفلسطينيين أنفسهم". وبحسب تصريح وزير الخارجية العراقي، فإن الاجتماع المقبل للجنة العراقية الفلسطينية المشتركة سيعقد قريبا في رام الله، مما يظهر الاهتمام الخاص للحكومة العراقية بالقضية الفلسطينية وإدانة جرائم النظام الصهيوني.
العراق يصبح لاعبا إقليميا مهما
الرسالة المهمة الأخرى من زيارة وزير الخارجية الفلسطيني إلى بغداد، باعتبارها المحطة الأولى بعد إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يمكن رؤيتها في سياق تسليط الضوء على دور العراق في المنطقة. مع الانتقال من فترة الأزمة في السنوات القليلة الماضية، يسير العراق تدريجياً في طريق العودة إلى موقعه التقليدي واستعادة قوته في المنطقة. تظهر زيارة المالكي إلى بغداد الآن أن دور العراق الجديد قد تم الاعتراف به من قبل الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة، وتسبقهم في ذلك، السلطة الفلسطينية. وهذا الموضوع أكده رياض المالكي في لقائه بوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، حيث قال لنظيره أن العراق، كلاعب إقليمي مهم، له دور مهم في تنسيق التطورات المستقبلية. وقال أيضاً، إن الهدف من زيارته لبغداد هو "تنسيق المواقف (السياسية) في المستقبل"، وأن العراق كان "صديقًا مخلصًا لفلسطين وداعمًا لها".