الوقت- تكفي مراقبة الموقف السعودي إزاء الحوار الرتقب حول اليمن، لإدراك مدى التخبّط الذي تعيشه الرياض بعد غياب أي أفق عسكري لحل الأزمة اليمينة، وبالتالي إنتقالها تدريجياً نحو طاولة الحوار السياسي التي سترسخ مقولة "العدوان السعودي الفاشل"، مقابل "النصر اليمني الساطع".
فرغم إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن قرب موعد انتهاء الحرب على اليمن، مع العلم أن بلاده هي التي عرقلت قبل أيام مؤتمر «جنيف2» حول اليمن، فضلاً عن إفشالها للمحاولتين السابقتين لجمع الاطراف اليمنية حول طاولة تفاوض، الاولى في حزيران/يونيو والثانية في ايلول/سبتمبر، إلا أن السعودية لم تتوان عن إستنفاذ "الخطوة الأخيرة" عسكرياً والتي تمثّلت بشراء مرتزقة أجانب بدءاً من السودان مروراً بشركة «بلاك وتر» الأمريكية وصولاُ إلى مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.
تدرك السعودية جيداً أن الدخول إلى طاولة المفاوضات دون تحقيق أي نصر عسكري قابل للإستثمار، يعني فشل العدوانين العسكري والسياسي سويةً، بعبارة آخرى، ستحاول السعودية تحقيق جملة من أهداف العدوان سياسياً عبر طاولة الحوار اليمني-اليمني، بعد فشلها في تحقيقها عسكرياً، مستفيدون بذلك من تجربة واشنطن التي تعلم من أين تؤكل الكتف على طاولة المفاوضات.
أوقفوا العدوان!
إن تمهيد السعودية عبر وزير خارجيتها عادل الجبير، والذي يعدّ اعتراف صريح بفشل عدوانها على الشعب اليمني، لم يكن ليحصل لولا الضغوطات التي تعرّضت لها السعودية مؤخراً، أبرزها:
أولاً: طالب الأمين العام للأمم المتحدة بوقف العدوان على الشعب اليمني في معرض إدانته السعودية لقصفها مركز طبي تابع لأطباء «بلا حدود» في صعدة شمال اليمني.
ثانياً:أدانت منظمة العفو الدولية في بيان لها استهداف العدوان السعودي للمشافي في اليمني، مؤكدة أن العمل يرتقي لجريمة حرب. كما دعت المنظمة إلى فتح تحقيق فوري و احترام وحماية أفراد الخدمات والوحدات الطبية، واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين المحاصرين.
ثالثاً: لم تكن زيارة وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند
إلى الرياض عن هذا الأمر ببعيد، حيث أكد
هاموند ان العمليات العسكرية لتحالف العدوان بقيادة السعودية في اليمن تقترب من
نهايتها.
رابعاً: طالب 13
نائباً في الكونغرس الاميركي من الرئيس باراك اوباما ببذل كل الجهود الدبلوماسية
من اجل إنهاء الازمة اليمنية بالطرق السلمية وعبر طاولة المفاوضات. وحث النواب الإدارة الاميركية على العمل من أجل
الحد من سقوط الضحايا المدنيين في اليمن الى أقصى حد ممكن والذي سيخفف فقط جانباً
من المأساة الانسانية في اليمن التي يتفطر لها القلب .
مرتزقة أجانب
إلا أنه رغم إعلان السعودية نيتها وقف العدوان والإنتقال إلى المرحلة السياسية، نرى سعيها لإستنفاذ الطلقات العسكرية الأخيرة عبر المرتزقة، فقد إستقدمت الأسبوع الفائت حوالي 6000 مرتزق من السودان لتأمين الوضع في مدينة عدن فضلاً عن إبرامها اتفاق مع شركة "بلاك وتر" الامريكية لتجنيد مرتزقة وارسالهم الى جنوب اليمن، ومؤخراً نقلت الخطوط الجويّة التركية على متن طائراتين حوالي 300 من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي إلى مدينة عدن، إضافةً إلى طائرة اخرى تابعة للخطوط الجويّة القطرية أقلّت حوالي 200 إرهابي، إلا أن إنكشاف الأمر دفع بالسلطات المعنية لتهريب عناصر التنظيم الإرهابي بحرًا إلى اليمن حيث وصلت إحدى الدفعات الأخيرة إلى منطقة "رأس الكلب"، وتم بعدها نقل الإرهابيين برًا إلى جهة مجهولة.
يتّضح من خلال التحضير السعودي قبل إنعقاد أي مؤتمر لحل الأزمة سياسياً، أن الرياض تريد حسم المعركة ميدانياً، أو تحقيق إنتصارات عسكرية إستراتيجية على الأقل بغية الإستفادة منها على الطاولة السياسية. بصرف النظر عن القدرات الهائلة التي أظهرها الجيش اليمني واللجان الشعبية خلال الأشهر السبع الماضية، ولو فرضنا نجاح مرتزقة السعودية في إحتلال أجزاء كبيرة من اليمن، فهل يعني ذلك بسط الرياض لسيطرتها على اليمن من جديد؟
لا ريب في أن أي تقدّم للمرتزقة في اليمن سيكون على حساب الرياض تماماً كما هو على حساب صنعاء، حيث تنذر الخلافات الموجودة حالياً بين قوى المتآمرة مع تحالف العدوان بتحول المشهد اليمني إلى نسخة مشابهة للواقع السوري. الجيش والجان الشعبية من جهة، وقوى معارضة مسلّحة متناحرة فيما بينها من جهة آخرى، وكما فقدت الرياض سيطرتها على أدواتها في سوريا، لن يكون اليمن عن هذا ببعيد، فلننتظر تداعياته على «جار السوء».