الوقت - هيمنت دبلوماسية الدولار على السياسة الخارجية للسعودية منذ عقود، وشكَّل ذلك شبكةً من التحالفات والائتلافات الإقليمية والدولية غير المستقرة(وخاصةً في العالم العربي)، والتي تضطر الرياض باستمرار لتقديم تنازلات اقتصادية للحفاظ عليها.
وتعدّ باكستان واحدة من أبرز حلفاء السعودية في دبلوماسية الدولار، وفي السنوات الأخيرة فإن الخلافات بين البلدين حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، قد أظهرت هشاشة التحالفات الأجنبية السعودية بشکل أكثر وضوحًا.
في الأيام الأخيرة، وبعد فترة مضطربة في العلاقات بين الرياض وإسلام أباد، توجَّه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وقبله رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال "قمر جاويد باجوا" إلى السعودية، ووقَّعا خلال الزيارة اتفاقيات تعاون اقتصادي وسياسي وعسكري مع الجانب السعودي، وهو ما تراه وسائل الإعلام على أنه نهوض السعودية لتحسين العلاقات مع إسلام أباد.
إنشاء المجلس الأعلى للتنسيق... بذخ ابن سلمان في خضم الأزمة الاقتصادية
خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الباكستاني إلى الرياض، وقَّع عمران خان ومحمد بن سلمان اتفاقيةً لإنشاء مجلس تنسيق أعلى بين البلدين، لتسهيل التعاون الاقتصادي.
ووافق مجلس الوزراء الباكستاني، الثلاثاء الماضي، على تشكيل مثل هذا المجلس لإزالة العقبات أمام تنفيذ اتفاقيات الاستثمار السعودية الموقعة خلال زيارة ولي العهد السعودي لباكستان 2019.
وقد تم خلال الزيارة توقيع مذكرات تفاهم بين الصندوق السعودي للتنمية( (SFDوباكستان، في مجال تهريب المخدرات، وتمويل المشاريع المتعلقة بالطاقة، والبنية التحتية والنقل والمياه والاتصالات.
يعيش ما يقدر بنحو 2.6 مليون باكستاني في السعودية، أي أكثر من 29 في المئة من جميع الباكستانيين الذين يعيشون في الخارج، وأكبر جالية مهاجرة في الخارج. کما يشكل الباكستانيون حوالي 7 ٪ من سكان السعودية، وهم ثاني أكبر مجتمع مهاجر في هذا البلد بعد الهند.
يلعب هؤلاء المهاجرون دوراً مهماً في جذب العملات الأجنبية إلى باكستان، حيث أعلن مصرف دولة باکستان في مارس 2021 أن 2.7 مليار دولار أرسلها الباكستانيون الموجودون في الخارج في شكل تحويلات.
وفي الشهر الماضي، كتب خان على تويتر: "إن حب والتزام الباكستانيين بالخارج لباكستان لا مثيل لهما. رغم COVID-19، قمتم بإرسال أكثر من 2 مليار دولار مباشرةً في 10 أشهر، محطِّمين بذلك جميع الأرقام القياسية. کما ارتفعت تحويلاتكم المالية إلى 2.7 مليار دولار في مارس، بزيادة 43 في المئة عن العام السابق. إن تحويلاتكم المالية قد زادت بنسبة 26٪ في هذه السنة المالية."
ووفقاً للبنك المركزي، جاء 1.6 مليار دولار، أو 54 في المئة من إجمالي التحويلات من دول مجلس التعاون. وقد يكون هذا الرقم أعلى من ذلك، حيث يستخدم العديد من المهاجرين الباكستانيين في الخليج الفارسي قنوات غير رسمية لسداد دخلهم.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، تشير التقديرات إلى أن التحويلات المالية الباكستانية من السعودية ستتجاوز 8 مليارات دولار في عام 2021، وحوالي 19 مليار دولار من جميع دول مجلس التعاون الست، وهو ما يمثِّل حوالي 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي لباكستان.
وتأتي هذه الفوائد الاقتصادية في وقت تواجه فيه السعودية أزمةً اقتصاديةً غير مسبوقة على مدى العقود الماضية، بسبب هبوط أسعار النفط وتفشي وباء كورونا وتكلفة الحرب اليمنية، ولتعويض عجز الموازنة لجأت إلى الاقتراض وخفض الإنفاق العام، وطرق أخرى مثل مصادرة الأملاك الغنية للعائلة الحاكمة.
من ناحية أخرى، سعى محمد بن سلمان، من أجل خفض معدل البطالة خلال فترة الركود الاقتصادي، إلى خلق فرص عمل من خلال استخدام القوى العاملة المحلية كأحد أهداف وثيقة رؤية 2030، ما يدل على عمق الأزمة الاقتصادية في هذا البلد الغني.
المستقبل القاتم لحل الخلافات السياسية
كما ورد في مسألة التعاون الاقتصادي، فإن ركيزة الحفاظ على التحالف بين السعودية وباكستان هي الاحتياجات الاقتصادية لباكستان والمزايا الاقتصادية السعودية لهذا البلد.
لذلك، وعلى الرغم من إبرام مذكرات تعاون جديدة في مختلف القطاعات الاقتصادية، إلا أن زيارة خان إلى جدة لا يمكن أن تقلل الخلافات بين الجانبين في مجال القضايا الإقليمية.
يعدّ الوضع الذي تقوده الهند في جامو وكشمير أهم قضية أمنية وسياسة خارجية لباكستان، وقد رفض السعوديون دعم باكستان بسبب أهمية الحفاظ على علاقاتهم الاقتصادية مع الهند، ولا يُلاحظ تغيير ملموس في موقف الرياض تجاه هذه القضية في المستقبل المنظور أيضًا.
من ناحية أخرى، طغت الأزمة اليمنية بشدة على التعاون العسكري بين البلدين، وهو المجال الرئيس الذي تحتاجه السعودية لبناء تحالف مع باكستان.
عندما دعت السعودية إلى تحالف لغزو اليمن في ديسمبر 2015، أصبحت باكستان واحدةً من مؤيديها الرئيسيين، وتم تعيين الجنرال رحيل شريف، القائد السابق للجيش الباكستاني، كأول قائد عام للتحالف.
لكن هذه المرافقة الظاهرية لم تدم طويلاً، حيث إنه بقرار البرلمان الباكستاني، أصبحت أي مشاركة للجيش الباكستاني في الحرب اليمنية غير قانونية، وکان ذلك ضربةً قاتلةً للتحالف العسكري السعودي.
وفي ملفات إقليمية مهمة أخرى، تتمتع باكستان أيضاً بعلاقات جيدة مع إيران وقطر وتركيا كأهم المنافسين الإقليميين للسعودية، الأمر الذي انتقده السعوديون دائماً.
وفي إحدى الحالات، أعلنت باكستان عن استعدادها للمشاركة في قمة كوالالمبور في ديسمبر 2019 بمشاركة إيران وتركيا وماليزيا، ما أدى إلى غضب الرياض الشديد؛ ولمعاقبة إسلام أباد، طالب السعوديون باسترجاع قرض بقيمة 3 مليارات دولار من حزمة الإنقاذ البالغة 6.2 مليارات دولار لهذا البلد.
في الظروف الجديدة ورغم زيارة اللواء قمر جاويد باجوا قائد الجيش الباكستاني للسعودية والاجتماع بمحمد بن سلمان وزير الدفاع والأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع، ولكن من الواضح أن باكستان غير مستعدة لدخول مستنقع الحرب اليمنية بسبب مخاوف داخلية وإقليمية.
لذلك، يجب النظر إلى تحسين العلاقات مع باكستان بما يتماشى مع المرونة المرتبطة بتراجع الرياض الأخير في السياسة الخارجية، من أجل التكيف مع الظروف الإقليمية والدولية الجديدة.