الوقت- في عيد العمال هذا العام نسلط الضوء على أوضاع العمالة الوافدة في السعودية، التي تعاني أوضاعاً صعبة خلال سنوات عديدة. حيث جاءت أزمة تفشي فيروس كورونا وتدهور أسعار النفط لتفاقم تلك المعاناة الكبيرة، ويتباين حجم الضرر بين الدول الخليجية التي لجأت إلى التقشف وترشيد الإنفاق تحت وطأة الأزمة الاقتصادية. ولكن، في ظل الإغلاقات المستمرة وتواصل إجراءات حظر التجول والقيود المفروضة على الأنشطة الاقتصادية، ارتفعت موجات تسريح العمالة في غالبية هذه البلدان. حيث احتلت بعض الدول الخليجية مراكز متأخرة في مؤشر "إكسبات إنسايدر" حول استدامة الوافدين الذي تصدره منظمة "إنترنيشنز" المعنية بشأن أفضل وجهات الوافدين في العالم، ومقرّها في ألمانيا.
السعودية من أسوأ الوجهات التي يقصدها الوافدون
جاءت كل من السعودية والإمارات ضمن الدول الأسوأ في استقبال العمالة الأجنبية الوافدة، حسب أحدث المؤشرات العالمية.
كانت العمالة الوافدة في السعودية أكبر ضحايا جائحة كورونا، في ظل انهيار أسعار النفط وإغلاق الأنشطة الاقتصادية الذي أدى إلى عمليات تسريح غير مسبوقة في المملكة.
وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، بلغ عدد الوافدين في عام 2019، ما يقرب من 13.2 مليون نسمة، من بين 34 مليون نسمة إجمالي عدد السكان في السعودية. وغادر خلال العامين الأخيرين أكثر من 1.5 عامل وافد السعودية حسب بيانات رسمية، وازدادت وتيرة تسريح العمل عقب تفشي فيروس كورونا.
وتأتي الجالية الهندية في المرتبة الأولى من حيث عدد السكان بنسبة 20%، ثم الجالية الباكستانية بنسبة 16% ثم البنغلادشية بنسبة 15% ثم الجالية المصرية بنسبة 14% والجالية الفيليبينية بنسبة 11%، ثم الجالية اليمنية بنسبة 7%..
بدوره، قال رئيس وحدة البحوث الاقتصادية في مركز الخليج للاستشارات المالية عبد العزيز الخالدي، إن السعودية أصبحت من أسوأ الوجهات التي يقصدها الوافدون من مختلف دول العالم، مشيراً إلى أن الخبرات والكفاءات لا ترغب في القدوم إلى السعودية لأسباب عديدة، من بينها سوء المعاملة، فضلاً عن ارتفاع الأسعار وفرض ضرائب على الوافدين.
أزمة مالية وتسريح للعالمين
كما أضاف الخالدي، إن السعودية أصبحت بيئة طاردة للوافدين، خصوصاً في ظل تراجع الإيرادات النفطية والخسائر الفادحة التي يتكبدها القطاع الخاص وموجات تسريح العاملين، مشيراً إلى أن الوافدين يعيشون أوضاعاً صعبة فيما يجب على الحكومة إعادة النظر في السياسات التي تضرّ بالوافدين في المملكة.
وتصاعدت الأزمة المالية التي تواجه الرياض خلال الفترة الأخيرة. حيث أعلنت وزارة المالية السعودية، أخيراً، أن المملكة سجلت عجزاً في الميزانية بلغ 40.768 مليار ريال تعادل 10.87 مليارات دولار، في الربع الثالث من العام 2020 نتيجة بلوغ الإيرادات 215.577 مليار ريال بانخفاض نسبته 30% والنفقات 256.345 ملياراً في الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر/ أيلول المنصرم.
مذبحة العمالة الأجنبية في السعودية
تتعرض العمالة الأجنبية في السعودية لعمليات تصفية واسعة وكأنها المذبحة، فهناك تسريحات واسعة للعمالة الوافدة، وخفض في الرواتب، وامتدت يد التسريح والخفض إلى العمالة المحلية نفسها والتي باتت مهددة كالوافدة في السعودية.
والأخطر من ذلك هو أن السعودية أعطت الضوء الأخضر للقطاع الخاص للقيام بعمليات تصفية واسعة للعمالة، وخفض كبير في الرواتب دون مراعاة الظروف الاجتماعية والمعيشية لملايين الأسر التي تعتمد على تحويلات ذويها العاملين هناك، ودون مراعاة أيضا للظروف الصعبة التي تمر بها سوق العمل في دول المنطقة والناتجة عن تلاشي فرص العمل وزيادة معدلات البطالة بسبب تفشي وباء كورونا وما أحدثه من خسائر فادحة.
وكذلك أصدرت السلطات السعودية قراراً يتيح خفض رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 40% مع إمكانية إنهاء عقود العمل بحجة مواجهة التبعات الاقتصادية للفيروس.
وصاحب الخطوة استغناء الشركات الكبرى عن مئات الآلاف من العمال، بل ودخول الإعلام السعودي على الخط محرضاً السلطات على العمال الوافدين، ومطالباً بسرعة الاستغناء عنهم تحت مزاعم أن سيطرة هؤلاء على الاقتصاد أصبحت خطراً حقيقياً على الأمن الوطني وليس فقط على الجانب الاقتصادي.
العمالة في السعودية الأكثر تضرراً خليجياً
لقد كانت العمالة في السعودية الأكثر تضرراً خليجياً، بسبب تهاوي إيراداتها المالية مع تراجع أسعار النفط وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية بسبب كورونا، حيث تم تسريح مئات الآلاف من العمالة الوافدة خلال العالم الماضي.
ويقول رئيس وحدة البحوث الاقتصادية في مركز الخليج للدراسات الاقتصادي عبد العزيز الخالدي في تصريح له، إن عدد المواطنين السعوديين الذين تم الاستغناء عنهم خلال أزمة تفشي كورونا يبلغ مئات الآلاف.
ويشير الخالدي إلى أن اقتصاد السعودية سيحتاج إلى سنوات من أجل التخلص من آثار أزمة كورونا والتخبط والفشل الحكومي. ويضيف أن المواطنين والمقيمين يعانون من العديد من الأزمات في ظل الوضع الراهن مثل غلاء أسعار السلع والمواد الغذائية وارتفاع أسعار الرسوم والخدمات الحكومية إضافة إلى فرض الضرائب.
قلق أممي من أوضاع العمالة الأجنبية في السعودية
مؤخراً عبر مقررون أمميون عن قلقهم من أحوال العمالة الوافدة إلى المملكة السعودية عامة والمحتجزون في سجونها خاصة.
وكتب هؤلاء رسالة حقوقية إلى سلطات آل سعود عبروا خلالها عن غضبهم الأنباء الواردة إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية لهؤلاء العمال.
وأشارت الرسالة إلى معاناة مئات العمال المحتجزين في العديد من مراكز احتجاز المهاجرين من أجل ترحيلهم. وأكدت أيضا أن هؤلاء العمال يعيشون في ظروف صعبة وغير صحية ولا إنسانية عدا عن الإيذاء النفسي والجسدي الذي يتعرضون له منذ عدة أشهر.
خطر طرد العمالة سيطال السعودية نفسها
إذاً، هناك موجة تسريح عمالة داخل السعودية قد تكون الأعنف في تاريخها، مدفوعة بعدم وجود أفق لطيَ أزمة فيروس كورونا التي شلت الاقتصاد السعودي كما شلت الاقتصاد العالمي، أو حدوث تحسن في أسعار النفط يغطي ولو نسبة من خسائر كورونا.
وهذا التسريح بات يشكل خطراً ليس على العمالة الوافدة نفسها، بل على السعودية نفسها؛ فالعمالة الوافدة هي التي بنت، ولا تزال، تبني المشروعات المختلفة، والعمالة الوافدة هي التي زودت السعودية بالخبرات في شتى المجالات، ولا تزال توفر خبرات في مهن لا يقبل عليها المواطن السعودي مثل المهن الحرفية وأنشطة البناء والتشييد والعمران وغيرها.
والاقتصاد السعودي وقطاعه الخدمي لا يزالان يعتمدان على استهلاك الوافدين. والتسريح الجماعي لهذه العمالة قد يؤدي إلى تهاوي شركات ووقف أنشطة اقتصادية بالكامل. فهل ستنتهي مملكة الرمال على أيدي من بنوها، ومن ينكر حق العمالة الأجنبية في بناء السعودية ومشاريعها فهو لا يفقه من الاقتصاد بشيء ومن يدعو إلى طرد العمالة الأجنبية عليه أن يسأل نفسه هل يقبل أن يقوم بالأعمال التي تقوم بها العمالة الأجنبية؟