الوقت- تريد اسرائيل بشتى الوسائل الممكنة تهجير فلسطينيي الداخل او ما يعرفون بعرب الـ "48"، لكنها ترى فيهم خطورة كبيرة على مستقبل اسرائيل لكنهم فعالين واعدادم تتزايد عاما بعد عام بالرغم من جميع الضغوط التي يتعرضون لها، ومؤخرا يضغط الاحتلال الاسرائيلي بقوة لتهجير فلسطينيي الداخل.
يوم الاثنين الماضي اندلعت مواجهات في مدينة يافا، بين شرطة الاحتلال الإسرائيلي و"فلسطينيي الداخل" الذين تظاهروا على مخطط يقضي بتهجيرهم من المدينة، لليوم الثاني بحسب شهود عيان.
والأحد وقعت احتجاجات مماثلة في يافا، اعتقلت الشرطة خلالها 3 متظاهرين فلسطينيين، في حين نظم مستوطنون تظاهرة أخرى بالمدينة بعد الاعتداء على الحاخام إلياهو مالي رئيس المدرسة اليهودية في حي العجمي.
اسرائيل تخشى من "فلسطينيي الداخل" وتشك بولائهم "لكيان العدو، وإمكانية تحولهم عندما تسمح الظروف إلى مقاتلين ضدها، وهو ما تجسد عمليا في فرض الحكم العسكري على القرى والمدن والبلدات العربية، والذي إمتد من عام 1948 وحتى عام 1966 وبموجبه تم تقييد حركة السكان العرب حيث لا يسمح لهم بالخروج من مدنهم وقراهم إلا بتصاريح من الحاكم العسكري (باستثناء القرى الدرزية وعددها نحو 18 قرية إذ قررت الزعامات الدرزية وبناء على تفاهمات أجرتها مع قادة الحركة الصهيونية حتى قبل قيام "إسرائيل" التعاون مع الدولة الجديدة، بما في ذلك الموافقة على خدمة الشبان الدروز في الجيش الإسرائيلي) كما تم وفي إطار ضبط ومحاصرة وجود ما بقي من الفلسطينيين في أراضيهم الإعلان عن القرى المهجرة وعددها فاق الـ 500 قرية وبلدة كمناطق عسكرية مغلقة، وذلك بموجب أنظمة الطوارئ، مما أدى إلى منع عودة المهجرين واللاجئين إلى بيوتهم وقراهم، وخصوصا هؤلاء الذين تعرضوا إلى تهجير داخلي وبقوا في حدود «إسرائيل» وحصلوا على المواطنة والجنسية الإسرائيلية.
وبات التعامل التمييزي مع التجمعات السكانية العربية في "إسرائيل" هو سمة أساسية يمكن ملاحظتها في كل صغيرة وكبيرة، ومن ذلك حجم الميزانيات المقررة لهذه البلدات والقرى من ميزانية الدولة والذي يقل كثيرا عما تتلقاه المستوطنات والتجمعات السكانية اليهودية، ما انعكس على الدوام سلبا على حجم ومستوى الخدمات التي تقدمها المجالس البلدية في القرى والبلدات العربية، إضافة إلى تضييقات أخرى من قبيل محاصرة التوسع الديمغرافي لهذه البلدات والمدن ومحاولات خنقه وحصره ضمن إطاره الجغرافي الذي لم يتطور أو يتغير تقريبا على مدى السبعين عاما الماضية.
بالرغم من كل إجراءات التضييق والتمييز التي قام على أساسها تعامل "إسرائيل" مع "مواطنيها" العرب، إلا أن هؤلاء وخاصة ممن واصلوا العيش في تجمعاتهم وبلداتهم الخاصة ولم يختلطوا معيشيا مع اليهود في ما يسمى بالمدن المختلطة، استطاعوا عبر العقود السبعة الماضية الحفاظ على هويتهم الخاصة ووعيهم بتاريخ قضيتهم الوطنية وما مرت به من مراحل وأحداث مفصلية إضافة إلى حقيقة النظرة الإسرائيلية اليهم وأسباب التمييز والتضييق الذي يتعرضون له.
كما استطاع فلسطينيو 48 تدعيم وجودهم العددي حيث قفزت أعدادهم من نحو 167 ألفا في عام 1949 إلى ما يقرب من المليوني نسمة وفق إحصاء 2019 أي ما يقدر بـ 21 في المئة من عدد سكان "اسرائيل"
هذا النمو المتواصل للمجتمع العربي داخل "إسرائيل" لفت أنظار مؤسسات صنع القرار في الدولة العبرية والتي أقرت بخطورته على المديين المتوسط والبعيد لجهة إخلاله الديمغرافي والثقافي بالطابع اليهودي – الصهيوني للدولة الصهيونية خاصة مع التفاوت في معدل الولادات بين الجانبين.
سياسة نشر الفوضى
هكذا وفي ظل عدم إمكانية ما طرحته بعض الأوساط الصهيونية مرارا من ضرورة طرد أو ترحيل القسم الأكبر من فلسطينيي 48 إلى الدول العربية، لجأت اخيرا "إسرائيل" إلى تطبيق خطة غير معلنة تستهدف ضرب وحدة وتماسك "الوسط العربي" عبر نشر الفوضى المجتمعية وحالة التسيب الأمني في أوساطه وإيصاله أخيرا إلى حالة من التشتت وعدم الثقة كبديل مؤقت لعملية ترحيل جماعي ظلت "إسرائيل" وما تزال على الأرجح تتمنى على نشوء ظروف مناسبة لتنفيذها.
وفي إنعكاس واضح للخطة الإسرائيلية هذه، بدأت وسائل الإعلام تنشر عناوين عريضة عن تزايد حالات العنف والجريمة في المجتمع العربي داخل "إسرائيل" وما رافق ذلك من انتشار للسلاح وبروز لعصابات مسلحة هي أقرب في طريقة عملها إلى عصابات المافيا التي بدأت تؤثر سليا على أمن وسلامة فلسطينيي 48 حتى وصل الأمر بها إلى التدخل في تشكيل المجالس البلدية العربية.
وفي تقرير لها اعترفت وزارة الداخلية الإسرائيلية أن نصيب المواطنين العرب من النسبة الإجمالية لضحايا جرائم القتل في "إسرائيل" قد وصل في العام 2018 إلى نحو 61 في المئة.
وكان لافتا للنخب القيادية والمثقفة داخل أوساط فلسطينيي 84 إن انتشار أعمال العنف وجرائم القتل في المجتمع العربي داخل "إسرائيل" خلال السنوات القليلة الماضية وتحت أي ذريعة كانت، ترافق وبشكل وثيق مع تعمد الشرطة الإسرائيلية غض النظر عما يحصل وتقاعسها الملحوظ في معالجة الأمر، وهو ما أوجد وعيا عاما أن ما يجري ما هو في الواقع إلا خطة إسرائيلية يتم تنفيذها باستخدام متعاونين وعملاء من داخل الوسط العربي ذاته.
وفي محاولات متعددة للتملص من هذه التهمة ادعت "إسرائيل" أن العنف في "الوسط العربي" مرده إلى أسباب "تربوية وثقافية" مثلما جاء حرفيا على لسان وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان.
لكن إحصائيات المؤسسات الأمنية الإسرائيلية ذاتها تدحض إدعاءات الوزير الإسرائيلي حيث تشير بشكل واضح إلى أن انتشار السلاح غير المشروع هو أحد الاسباب المهمة في انتشار العنف في المجتمع الفلسطيني داخل "إسرائيل" حيث يقدر عدد قطع السلاح غير الشرعي نحو 500 ألف قطعة، مع الإقرار أن الجيش وتجار السلاح الإسرائيليين هما أهم مصادر هذه الأسلحة، وهو ما يثيرالتساؤل: هل كانت حالة عدم اللامبالاة الإسرائيلية تجاه هذا الإنتشار والإستخدام المريب للسلاح في المجتمع العربي، ستبقى على حالها لو أن هذا السلاح كان موجها بمعظمه لمقاومة الإسرائيليين أنفسهم.