الوقت- أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الاستعدادات جارية لعقد مؤتمر احلال السلام الأفغاني في مدينة اسطنبول التركية، وتحدث الرئيس الأفغاني "أشرف غني" عن استعداد أفغانستان الكامل للمشاركة في هذه القمة. وفي الوقت نفسه، سوف يقرر الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ما إذا كان سيمدد أو يسحب القوات الأمريكية المتبقية البالغ عددها 3500 جندي من أفغانستان بحلول الأول من مايو القادم. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس" في مؤتمر صحفي، إن "التخطيط جار لعقد مؤتمر في إسطنبول التركية لتسريع عملية السلام في أفغانستان، بحضور دولي واسع". وأضاف إن مؤتمر إسطنبول يهدف لإحراز تقدم في المفاوضات بين الأطراف الأفغانية، ويستكمل محادثات الدوحة. وقال "برايس" أيضا، إن "مبعوث بلاده لأفغانستان زلماي خليل زاد يبحث في الدوحة، مع الأطراف المعنية بالشأن الأفغاني، التوصل إلى تسوية سياسية".
وبموجب اتفاق الإدارة الأمريكية السابقة في فبراير الماضي مع حركة طالبان، يجب أن تغادر جميع القوات الأمريكية أفغانستان بحلول الأول من الشهر القادم، لكن المسؤولين العسكريين الأمريكيين اقترحوا تمديد الموعد النهائي بسبب الوضع الأمني الحساس في أفغانستان. وحول هذا السياق، كتب "عبد الله عبد الله"، رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، على صفحته على فيسبوك، "تم الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على وضع الخطط وعرضها على اعضاء اللجنة القيادية للمجلس الأعلى للمصالحة الوطنية". ومن المقرر عقد اجتماع تركيا "الحاسم" بشأن السلام في أفغانستان في 16 أبريل نيسان القادم في مدينة اسطنبول التركية. وسيستمر الاجتماع عشرة أيام وستحاول الجهات الفاعلة الاجنبية إقناع الحكومة الأفغانية وحركة طالبان ومختلف الجماعات السياسية بالاتفاق على "المستقبل السياسي" لأفغانستان. وتعتبر قمة اسطنبول إحدى أهم الاجتماعات حول مستقبل السلام في أفغانستان، حيث يتوقع المجتمع الدولي أن تتفق المجموعات الأفغانية على إنهاء الحرب و "تشكيل حكومة سلام انتقالية" في البلاد.
خطة "أشرف غني" المكونة من ثلاث مراحل
مع اقتراب موعد انعقاد القمة التركية المتعلقة بالمستقبل السياسي لأفغانستان، أوضح "محمد أشرف غني" خطته للسلام وأعلن استعداد الحكومة الأفغانية الكامل للحضور والمشاركة في هذه القمة. ولقد أعد الرئيس الأفغاني مؤخرًا خطة من ثلاث مراحل تسمى "الإنجاز النهائي" ولقد قام بشرحها في حفل أقيم في قصر الرئاسة الأفغاني. ولقد تم مؤخراً نشر صور ومضمون ذلك الاجتماع، وشدد "أشرف غني" على ضرورة استغلال الفرصة لإحلال السلام في البلاد، وقال إن الحكومة ستشارك في الاجتماع في تركيا بكامل الجاهزية. وقال، "نحن على استعداد تام لحضور القمة التركية، وسيعود زلماي خليل زاد ورفاقه إلى كابول الأسبوع المقبل لإجراء مناقشات بناءة مع الولايات المتحدة. ومناقشتنا ليست متقطعة وهي دورية". وأضاف رئيس أفغانستان إنه إذا كانت مصلحة البلاد تستلزم تقصير فترة الحكومة الحالية، فهو ورفاقه مستعدون لإجراء انتخابات مبكرة ولن يكون هو نفسه مرشحًا في هذه الانتخابات. وكرر أن زعيم أفغانستان المستقبلي يجب أن يستمد شرعيته من الانتخابات.
وكان وقف إطلاق النار أحد المطالب الرئيسة للحكومة الأفغانية قبل التوصل لاتفاق سلام مع حركة طالبان، ولكن تلك الحركة لم تستجب بعد بشكل إيجابي لهذا المطلب وشددت على انسحاب القوات الأجنبية. ولقد شدد الرئيس الأفغاني، في شرحه لخطته للسلام، على أهمية الدستور، قائلاً، إن "أي خطة سلام يتم إعدادها دون دستور ستتعارض مع قيم الجمهورية الأفغانية". وأضاف "إنه لحين إجراء الانتخابات وتعديل الدستور، فإن أي مفاوضات وقرارات يجب أن تتم وفقاً للدستور الحالي".
وكان دور الأمم المتحدة في جهود السلام التي تبذلها الحكومة الأفغانية موضوعًا آخر أكده الرئيس في وصف خطته للسلام، قائلاً إنه "لا بديل عن الأمم المتحدة". وأضاف إن "ضمان السلام الدائم في أفغانستان يتطلب ضمانات من مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي". وتتكون خطة السلام التي قدمها "أشرف غني" من ثلاثة أجزاء: الاستقرار السياسي، وتشكيل حكومة سلام، والتشاور بشأن السلام من أجل ضمان النجاح النهائي لهذه العملية. ولكن حركة طالبان رفضت خطة "غني" قائلة إنه ليس لها آثار عملية. وقال مجلس المصالحة الوطنية الأفغانية إنه إضافة إلى خطة السلام التي قدمها السيد "غني" والسيد "زلماي خليل زاد"، فقد تلقى الممثل الأمريكي الخاص لعملية السلام الأفغانية، أكثر من 30 اقتراحًا آخر من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني الأفغاني.
التحذير من استئناف الاشتباكات والصراعات
من ناحية أخرى، حذر النائب الأول السابق للرئيس قائلا: "إذا لم ينجح اجتماع اسطنبول فسنقاتل". وفي هذا الصدد، قال اللواء "عبد الرشيد دوستم" زعيم الحركة الإسلامية الوطنية الأفغانية في لقاء مع بعض أعضاء البرلمان التركي وعدد من الطلاب الأفغان في أنقرة: "لسنا قادة جئنا من أوروبا والولايات المتحدة. اذا فشلت قمة اسطنبول وفرضت الحرب من جديد، فسوف نعلن الحرب ونقف ضد المعتدين". وأضاف: "نحن مع السلام، ونأمل أن تسفر قمة اسطنبول عن نتائج ايجابية، فالشعب يعلق آمالاً كبيرة على هذه القمة".
هل ستساعد قمة اسطنبول في إنجاح محادثات السلام في أفغانستان؟
لقد شكك الكثيرون في نجاح قمة اسطنبول من أجل احلال السلام في أفغانستان. في الواقع، جزء من هذا التشاؤم والتشكيك ينبع من حقيقة أن هناك العديد من الاختلافات الأيديولوجية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ومن ناحية أخرى، ترى حركة طالبان نفسها في طليعة المفاوضات ولهذا فإنه من غير السهل قبولها بتقسيم السلطة.
الجدير بالذكر أنه لما يقرب من عقدين من الزمن، استخدمت كل من حركة طالبان والحكومة المركزية الأفغانية الحرب لتحقيق أهدافهما الخاصة، كما لو أن الحرب والعنف أصبحا جزءًا منظمًا ومؤسسيًا لاكتساب السلطة في أفغانستان. ولقد تمكنت حركة طالبان من الوصول إلى السلطة عن طريق تلك الحروب التي حوّلت أفغانستان مسرحاً للصراع والتوتر في العقود الأخيرة بدلاً من الاستقرار. وعلى صعيد متصل، قال "محمد نعيم"، الناطق باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر، إن "مستقبل النظام في أفغانستان وشكله سيكونان على رأس جدول أعمال المفاوضات مع حكومة كابل". جاء ذلك في مقابلة لـ"نعيم"، الذي يُعّد أحد أعضاء فريق التفاوض التابع لطالبان، تحدث فيها عن رؤية الحركة للوضع الحالي ومستقبل عملية السلام الأفغانية. ولم يستبعد "نعيم" شن الحركة هجمات في أفغانستان ضد القوات الحكومية والأجنبية ما لم تسحب الولايات المتحدة قواتها. وقال إن "قادة طالبان أوضحوا في مباحثات موسكو أن الحركة لا تستبعد شن هجوم الربيع إذا لم تغادر القوات الأجنبية الأراضي الأفغانية، وأصدروا بيانا جديدا بشأن ذلك".
إن السمة المؤسسية والتنظيمية لأفغانستان هي الانقسامات العرقية في البلاد، وهذا الأمر جعل من الصعب المشاركة في الحكومة المركزية. ومن ناحية أخرى، فإن وجود العديد من الجهات الأجنبية الفاعلة في عملية التنمية في أفغانستان جعل من الصعب تحقيق نتائج إيجابية ومؤكدة في هذا البلد. ولهذا تتشكك العديد من دول المنطقة في ادعاء الولايات المتحدة بالسلام، ولكل دولة في المنطقة، مثل باكستان والصين وروسيا وإيران وتركيا، مخاوف ومصالح أمنية خاصة وأحيانًا متضاربة في أفغانستان. ويُظهر عقد اجتماعات السلام في الدوحة، وفي موسكو، والآن في اسطنبول، أن العديد من الجهات الأجنبية الفاعلة تشارك في تنمية أفغانستان، وهذا التعدد في المصالح والجهات الفاعلة هو أحد أهم العقبات التي تحول دون نجاح تلك الاجتماعات وتحقيق حل شامل وسلام واستقرار في أفغانستان.