الوقت- أعلن قصر "باكنغهام" قبل ساعات من وفاة الأمير "فيليب" زوج ملكة إنجلترا البالغ من العمر 99 عاماً ولقد كانت هذه الأخبار أكثر من مجرد أخبار عادية لوكالة الأنباء "البي بي سي" وحتى قبل الإعلان الرسمي عن هذا الخبر، صدر أمر بتغطية هذا الخبر بشكل شامل لجميع أقسام الأخبار في وكالة الأنباء هذه. ولقد أجبر قسم "البي بي سي" الفارسية، التي حاولت دائماً عدم الإشارة إليها باسم "وسيلة إعلام الملكة"، على تغطية أخبار وفاة الأمير "فيليب" على نطاق واسع وعمل مقاطع دعائية له. لكن الشيء اللافت في ادعاء وسيلة الإعلام الإنجليزية هذه، التي تدّعي حرية التعبير، هو إغلاق قسم التعليقات المتعلق بأخبار وفاة الأمير "فيليب" على "انستغرام"؛ وهذه القضية لاقت ردود أفعال ناقدة من قبل الجمهور.
بالطبع، يمكن العثور على العديد من هذه الأمثلة في قسم "البي بي سي" الفارسية التي تؤكد ما لا تدع مجالا للشك أن هذه الوسائل الإعلامية، لا تمتلك قيماً إعلامية وصحفية وإخبارية لقضية ما، وإنما تقوم بنشر أخبار لا قيمة لها بسبب تبعيتها المطلقة للملكة. وفي آخر حالة نشرت "البي بي سي" الفارسية خبرًا فاز فيه الأمير "وليام" بلقب الرجل الأصلع الجذاب! وعلى سبيل المثال، في حين كان هناك الكثير من الانتقادات للسياسات والممارسات البريطانية، وخاصة فيما يتعلق بتفشي فيروس "كورونا"، وتظاهر آلاف من الأشخاص في البلاد، لم تقدم "البي بي سي" الفارسية برنامجاً انتقادياً ضد بريطانيا ولم تقم أيضاً بوصف سياسات الملكة بأنها غير ناجحة، بل على العكس من ذلك، حاولوا دعم المسؤولين في هذا البلد بنشر أخبار متنوعة ومفعمة بالأمل.
ومن ناحية أخرى، بينما كان هناك الكثير من الانتقادات لسياسات الملكة وسلطاتها، لم تذكر "البي بي سي" الفارسية ذلك على مر السنين. وعلى سبيل المثال، في حالة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث قامت الملكة بتعليق البرلمان البريطاني لمصلحة "جونسون" حتى يتمكن بسهولة من تنفيذ خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي. كما أنه لم يكن هناك أي ذكر للـ"البي بي سي" حول تورط العائلة المالكة البريطانية في الإهانات العنصرية لـ"ميجان ماركل" (كنة الملكة الجديدة ذات البشرة الداكنة). في حين أنه إذا تم ارتكاب مثل هذا الفعل من قبل إيراني له أي وضع حقيقي أو قانوني في أي مكان في بلدنا، تقوم وكالة "البي بي سي" الفارسية بهجماته وانتقاده. وتُظهر مراجعة مثل هذه اللقاءات غير المهنية أن "البي بي سي" الفارسية وضعت حرية التعبير والاستقلال على وجهها فقط كقناع، ولكن في بعض الأحيان يسقط هذا القناع عن وجهها.
لم يعد مخفياً دور الإعلام في قيادة الشعوب وتغيير بوصلته وفقاً لاستراتيجية الوسيلة الإعلامية وأهدافها سواءً عبر نقل الوقائع، أم نشرها بصورة تتلاءم مع السياسات العامّة للوسيلة الناشرة، أو حتى عبر اختلاق الاكاذيب ونسبها إلى موقع معين أو حتى مواقع التواصل الإجتماعي تويتر وفيسبوك. وتعتبر الكلمة الكاذبة أحد أهم أساليب وسائل الإعلام - قديمها وحديثها عريقها ووضيعها - لتحريك الجمهور نحو توجه معين، بدلاً من لعب دور مصدر معلومات دقيقة، حينها يتم مزج الخبر بالرأي وطرحه بأسلوب جذّاب وقادر على تحقيق أهدافه. الغريب أن الأخبار الكاذبة تنتشر كالنار في الهشيم، وتحقّق أهدافاً يصعب حتى على تلك الأخبار الواقعية تحقيقها لأسباب عدّة تبدأ بطبيعة وحيثيات الخبر، ولا تنتهي بخروجها عن مطابخ الإعلام ذات الخبرة الطويلة في صياغة ونشر الاكاذيب.
لا شك في أن القناة البريطانية "البي بي سي" تعتبر من أهم وسائل الإعلام الرائدة في مجال صياغة ونشر الأكاذيب، وقد حاولت الإستفادة حالياً، وبشكل كبير، من تطورات المنطقة منذ بدء ما يسمى "الربيع العربي" لترويج سياساتها القائمة على حنكة البريطانيين في صياغة الأكاذيب ونشر الفتن، كيف لا وهم المسؤولون عن تقسيم المنطقة وإذكاء الصراعات الطائفية والعرقية فيها لعقود خلت. وفيما يلي نستعرض بعض الأكاذيب والأساليب "الخبيثة" للقناة البريطانية، ومن ثم نحاول إستخلاص أهم النتائج:
وترجع دلالات وأهداف السياسات المتبعة في هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" إلى النقاط التالية، أولاً: لا تختلف سياسات شبكة "بي بي سي" إزاء المنطقة عن سياسات أم الفتن بريطانيا في تقسيم الشرق الأوسط عبر الضرب على الأوتار الطائفية والمذهبية والعرقية، وبالتالي فإن هذه الإذاعة عبارة عن وجه آخر لعملة بريطانيا الإعلامية، لذلك قد تختلف في سياساتها التكتيكية تجاه المنطقة مع القنوات الفتنوية، وإن اجتمعت معها في السياسات الاستراتيجية. ثانياً، تمتلك القناة البريطانية خبرة طويلة في صناعة وحبك الاكاذيب، إلّا أن أسلوبها بات مكشوفاً حيث يعتمد في أغلبه على دمج الاكاذيب بشيء من الواقع، فيؤخذ من هذا مقدار ومن هذا مقدار فيمزجان، فهنالك تستولي القناة على أوليائها. ثالثاً، تتمتع هذه القناة ببرغماتية واضحة حيث لا تتوانى عن نشر أخبار وأكاذيب قد تكون مخالفة لسياسات القناة في ظاهرها، إلا أن جوهر هذه الاخبار وتداعياتها تصب في استراتيجيات القناة.