الوقت- تعتبر قضية اللامركزية والفيدرالية واحدة من القضايا المهمة التي أثيرت وتثار باستمرار من قبل المسؤولين والمفكرين الغربيين كسبيل أفضل لحل الأزمات القائمة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.
وتعرّف اللامركزية بأنها عدم تركيز السلطة بيد جهة معينة وتوزيعها بين المستويات الإدارية المختلفة في الدولة، فيما يصفها البعض بأنها مفهوم شامل لنقل السلطة، تشريعية كانت أو اقتصادية أو تنفيذية، من المستويات الحكومية العليا إلى المستويات الدنيا.
أمّا الفدرالية فهي عبارة عن شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسّمة دستورياً بين حكومة مركزية (فيدرالية أو اتحادية) ووحدات حكومية أصغر (أقاليم أو ولايات)، ويكون أحدهما معتمد على الآخر ويتقاسمان السيادة في الدولة.
وبسبب التعدد القومي والمذهبي والعرقي في العديد من دول غرب آسیا و شمال آفریقا إكتسب موضوع اللامركزية والفيدرالية أهمية خاصة كونه يمثل بنظر الكثير من المراقبين الخيار الأفضل لتسوية الأزمات في هذه الدول بشأن مختلف القضايا السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية.
ويجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار الجذور التاريخية لهذه الأزمات بغية خلق نظام جديد قادر على تلبية متطلبات هذا التنوع الديني والعرقي ضمن أطر سياسية واقتصادية واجتماعية يتم مراعاتها بدقة لحل تلك الأزمات التي تسببت بظهور تحديات وتوترات نجمت في الحقيقة عن التركيبة الديموغرافية لشعوب تلك الدول.
وينبغي القول أن التنوع القومي والديني والعرقي لايمثل مشكلة بحد ذاته إذا ما تم التعاطي معه من قبل صنّاع القرار بإسلوب إداري حكيم يهدف الى سدّ المنافذ والفجوات التي يمكن أن تتسرب من خلالها المشاكل التي تصنع بدورها العقبات والعثرات.
وتجدر الإشارة إلى أن مناقشة هذه المواضيع أثيرت بشكل واضح خلال العقود الأخيرة من قبل الجهات المعنية بدراسة سبل مواجهة الأزمات الناجمة عن الاختلافات العرقية والطائفية والقومية في العالم وكيفية معالجتها من خلال اعتماد نظام حكم لامركزي يأخذ بعين الاعتبار مواطن القوة الكامنة في التعدد ويمتلك في نفس الوقت القدرة على منح صلاحيات للوحدات الحكومية التي تتولى إدارة شؤون الدول ذات التنوع الديموغرافي.
وهذا النوع من الادارة يتطلب توفر نظام سياسي يتناسب مع التركيبة والطبيعة السكانية للبلد المؤلف من قوميات وأعراق وأديان مختلفة والذي يجب أن يُراعي القائمون على شؤونه المصالح المشروعة لجميع هذه المكونات ويحترم خصوصايتها دون الاساءة الى أي منها وعدم تفضيل بعضها على البعض الآخر.
ومن الواضح أن أنماط الحكومات والنظم السياسية التي تتولى إدارة شؤون مثل هذه البلدان تختلف فيما بينها في الطريقة التي يمكن من خلالها تهيئة الجو السليم الذي يحفظ لجميع المكونات الاجتماعية حقوقها ويحترم خصوصياتها من جانب، ويعزز التلاحم والتماسك بين هذه المكونات من جانب آخر. فهناك الأنظمة الفيدرالية التي تتعامل مع هذا الموضوع من خلال إدارة مركزية تمنح صلاحيات لبقية المناطق التي تشكل الأقاليم أو الولايات المتعددة في إطار البلد الواحد والتي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظام خاص يحدد لها سلطاتها البرلمانية والتنفيذيه والقضائية ويكون الوضع فيها أشبه بالحكم الذاتي الذي لا يمكن تغييره بقرار مستقل من الحكومة المركزية.
وهناك الاتحاد الكونفدرالي الذي هو عبارة عن رابطة تضم أعضاءً ذات سيادة تفوّض بموجبها الصلاحيات في كثير من المجالات دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كياناً مستقلاً بنظر القانون الدولي. وعادة ما تبدأ الكونفدرالية بمعاهدة لاعتماد دستور مشترك للتعامل مع القضايا الحساسة مثل الدفاع والشؤون الخارجية أو العملة المشتركة، ويتعين على الحكومة المركزية في هذه الحالة توفير الدعم لجميع الأعضاء في كافة المجالات. ومن أبرز الكونفدراليات الحديثة الاتحاد الأوروبي، أمّا كندا وسويسرا وبلجيكا فتعتبر فدراليات.
ويبدو من خلال ملاحظة الطبيعة السكانية لدول غرب آسيا وشمال أفريقيا التي برزت فيها أزمات نتيجة الفوارق الإثنية والعرقية والدينية وحتى اللغوية والتي جعلتها في كثير من الاحيان تفتقر إلى التماسك والوحدة السياسية؛ يبدو أن العديد من هذه الدول في طريقها الى التقسيم ما لم يتم اعتماد النظام اللامركزي لإدارة شؤونها. ولكن تبقى هناك تساؤلات مهمة تتطلب الاجابة عنها التحلي بالموضوعية والابتعاد عن الحلول الارتجالية والآنية ومن بين هذه التساؤلات ؛ هل بإمكان شعوب هذه الدول التأقلم والتجاوب مع هكذا نظام؟ وهل هناك إمكانية لاعتماد نظام فيدرالي لإدارة هذه البلدان؟ مع الأخذ بنظر الاعتبار قلّة أو ضعف الامكانات الاقتصادية وعدم وجود منظومة ثقافية وسياسية متوازنة قادرة على تطبيق مقتضيات هذا النظام على أرض الواقع والحيلولة دون بروز أي مشاكل أخرى من شأنها أن تثير النزاع بين المكونات والشرائح الاجتماعية المتعددة في هذه البلدان.