تبدو القصة المذكورة حادثة عابرة بين شخصين اختلفا في وجهات النظر و فقد أحدهم أعصابه و صدر عنه ما صدر، لكن المتابع للوضع المصري السعودي على ضوء الأحداث الإقليمية الحاصلة من سوريا إلى التموضع في المعسكر الروسي الايراني و الحرب على اليمن، لا بد أن يتوقف عند الحادثة و غيرها من تطورات العلاقات المتأزمة و التي استدعت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عائدا من فيينا و لقائه بنظيره المصري و تصريحاته المطمئنة بأن مصر و السعودية على نفس الجبهة و في نفس الخندق.
قيام عادل الجبير وزير الخارجية السعودي بزيارة خاطفة الى القاهرة، على رأس وفد كبير تستغرق لعدة ساعات فقط، مباشرة قاطعا زيارته من فيينا يعني هناك ما استدعى حضوره، بعد أن ناقش في قمة رباعي الوضع في سوريا بحضور الطرف الروسي. ما سرب من لقاء الجبير و مضيفه وزير الخارجية المصري كان شحيحا و لكن كان لافتا للصحافيين مبالغة وزير الخارجية السعودي حول التطابق السعودي المصري في وجهات النظرمن الأزمة السورية، ففي الوقت الذي يكرر فيه الجبير، بمناسبة وغير مناسبة، على ضرورة رحيل الرئيس بشار الاسد، يأتي الموقف المصري نقيضا للموقف السعودي في هذا المضمار. و أبرز أوجه الإختلاف المصرية السعودية حول الأزمة السورية تتجلى من خلال عدة نقاط أبرزها:
إن العلاقات السورية المصرية في تطور ملحوظ، وهناك أنباء عن ارسال شحنات اسلحة مصرية الى سورية، كما ان جميع المسؤولين المصريين لم يطالبوا مطلقا برحيل الرئيس السوري ابتداء من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وانتهاء وزير الخارجية، والسفارة المصرية مفتوحة أمام الجميع في العاصمة السورية دمشق.
من جهة أخرى هناك تأييد مصري رسمي للتدخل العسكري الروسي في سورية، وهو التدخل الذي تعارضه السعودية بشدة، وهددت اكثر، من مرة على لسان الجبير نفسه بأنها، اي السعودية، قد تلجأ الى الخيار العسكري لمواجهة هذا التدخل واسقاط الرئيس الاسد في الوقت نفسه، وكشفت عن تزويدها للمعارضة السورية المسلحة بـ 500 صاروخ من نوع (TOW) الامريكية الصنع المضادة للدروع، ولمحت الى امكانية ارسال صواريخ اخرى مضادة للطيران.
كما يمكن اعتبار زيارة الجبير ضربة استباقية لاستمالة الرأي المصري بعد طلب سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي توسيع لجنة المتابعة للحل السياسي في سورية لتشمل مصر وايران. خصوصا بعد أن باتت السعودية تشعر بالعزلة السياسية و الدبلوماسية حيث لم يبق إلى صفها سوى قطر و تركيا بعد خروج الامارات ومصر والاردن من هذا خندقها بطريقة او باخرى، وتوقيع الاردن اتفاقا للتنسيق مع روسيا في الجبهة الجنوبية السورية يعني العمل المشترك ضد قوات المعارضة التي تسيطر على المنطقة الحدودية في مدينة درعا وتدعمها السعودية.
الوعود السعودية بالهبات المالية و الاستثمارات لم تعد تنفع كما كانت من ذي قبل خصوصا مع الأزمة المالية الكبرى في السعودية التي سحبت أكثر من 1\5 من احتاطاتها النقدية، و سياستها الجديدة بالتقشف و تخفيف النفقات، كما أن اعتبار مصر و غيرها من الدول، تابعين للملك و قراراته جعلت من تلك الدول تفتش عن بديل و حليف استراتيجي، و ربما تكون مصر قد وجدت من التحاقها بمحور الممانعة أنفع لمصر و أهلها من التبعية للسعودية.. و الأيام القادمة ستجيب حتما عن التساؤلات الكثيرة حول الموقف المصري و دورها المنشود كدولة عربية كبرى.