الوقت- من جديد، تعود قناة الجزيرة التابعة لنظام آل ثاني الحاكم في قطر لتشن حروب الدوحة الإعلاميّة ضد الدول والشعوب، خدمة للمشروع الهدام في المنطقة، رغم الجراح النازفة والأوضاع المأساويّة التي حولت حياة الناس في تلك الدول إلى جحيم، وباعتبار أنّها أول قناة فضائية عربيّة متخصصة في مجال الأخبار وبدأت بثها من العاصمة القطرية منذ العام 1996بإمكانيات تكنولوجيّة وبشريّة رفيعة، فهي تعرف بالضبط من أين تؤكل الكتف، وتحت شعار "الرأي والرأي الآخر"، تبث القناة الممولة من النظام القطريّ سمومها وأحقادها أينما يمّمنا الخُطا في المنطقة، وبالأخص ضد محور المقاومة، ووفقاً لما ذكره السياسيّ والدبلوماسيّ والإعلاميّ الإيرانيّ، أمير الموسوي، على صفحته الشخصيّة على تويتر، فإنّ قناة الجزيرة بدأت حرباً إعلاميّة جديدة بصورة بشعة على أركان محور المقاومة مستخدمة سياسة إشعال الفتن الطائفيّة البغيضة وخاصة في اليمن وسوريا ولبنان، كما كانت قبل الحصار الرباعيّ عليها، مؤكّداً أنّ الوفاء والإنسانيّة صفتان ملازمتان لمحور المقاومة، في الوقت الذي يصر فيه البعض على الخيانة.
بمثل عربيّ وجّه المحلل السياسيّ الإيرانيّ، أمير الموسويّ، رسالته إلى الجزيرة ومن يديرها، وكتب في تغريدة على تويتر "عادت حليمة إلى عادتها القديمة" في إشارة إلى قناة الجزيرة قبل قرار المقاطعة الذي قامت به السعوديّة "الوهابيّة" لدويلة "قطر" الإخوانية إضافة إلى الإمارات ومصر والبحرين، بعد ثبوت تورطها بدعم وإيواء جماعات وعناصر إرهابيّة تستهدف الإضرار بالأمن القوميّ العربيّ وزعزعة استقراره، ولسنوات عديدة خفضت الجزيرة من حملاتها الإعلاميّة المضللة بسبب تفرغها الكامل حينها لموضوع "حصار قطر" والتغطيات المتنوعة حولها، لإظهار الدوحة بأنّها المظلوم الأول في العالم في ظل الحصار رغم أنّ نصيب الفرد في الدولة النفطيّة يتعدى مثلاً نصيب الفرد في سوريا بمئات المرات، ولم تنجو سوريا التي يعيش شعبها أصعب وأقسى الظروف من "الإرهاب الإعلاميّ" القطريّ قبل وأثناء وبعد المصالحة.
ومن المعروف أنّه مع إنشاء قناة الجزيرة الفضائية خصصت الحكومة القطرية دعماً مالياً سخياً بلغ حوالي 500 مليون ريال قطريّ، أي ما يعادل في حينها 140 مليون دولار أمريكيّ، وذلك كتمويل للقناة على مدار5 سنوات، شريطة أن تحقق بعد السنوات الخمس استقلالها الماديّ من الإعلانات التي تقوم ببثها، ما يعني أنّ الجزيرة كانت وما زالت "أداة إعلاميّة" للنظام القطريّ.
أما بخصوص ملكية قناة الجزيرة، فهي قناة قطريّة تعمل مع حكومة البلاد وسياستها داخلياً وخارجياً ولكنها تتمتع باستقلاليّة وحرية إعلاميّة تفوق بدرجات كبيرة الإعلام المحليّ القطري أو إعلام الدولة، ولكن تبقى هذه الاستقلالية والحرية الإعلامية غير كاملة أو مطلقة، والدليل على ذلك عدم مقدرة القناة على نقد نظام الحكم في قطر أو الأوضاع الداخلية القطرية أو السياسة الخارجية القطرية أسوة ببقية الدول العربية التي تتعرض للنقد اللاذع في أحيان كثيرة من قبل القناة.
وتعد نفقات القناة مرتفعة جداً إذا قورنت مع نفقات أي فضائيّة إخباريّة أخرى في العالم العربيّ، وتقدم القناة عدة برامج سياسيّة حوارية وتقارير متعددة، وتعتمد في ذلك على شبكة واسعة من المراسلين عبر العالم، ويتم عرض هذه البرامج مباشرة أو مسجلة، وتبحث في قضايا سياسية واجتماعية ودينية في الوطن العربيّ وخارجه.
بالمقابل، تحظى برامج المناظرات التلفزيونية بشعبية كبيرة لدى الجمهور لأنها تركز على الموضوعات والقضايا التي تهم قطاعات واسعة من المشاهدين وتعمل على زيادة خبراتهم ومعرفتهم بالأحداث والقضايا التي تشغل الرأي العام وذلك بإبراز الجوانب العاطفية والعقائدية والنزاع والجدال بين أطرافها، وبالرغم من هذه الشعبية تتعرض هذه البرامج للانتقاد الشديد بسبب اعتمادها على فكرة الاستعراض التي تطغى على النقاش الحقيقيّ للقضية المثارة إذ يتم فيها استضافة شخصيات استعراضية تعمل على إنجاح (العرض) على حساب المضمون ولهذا فأن الأوفر حظا للظهور في هذه البرامج هم أصحاب الآراء الصارمة والمتطرفة اما اصحاب الآراء الوسطية فيعدون مملين وغير مثيرين.
كذلك، تعتمد هذه البرامج على المقدم النجم الذي يحاول فرض قناعاته مخالفة لمبادئ المهنية الإعلاميّة والانحياز الى وجهة نظر معينة وتجييش الضيوف الذين يعبرون عنها للتأثير في قناعات الرأي العام، وتنتج هذه البرامج من قبل قطر لتفتيت التوافق الاجتماعيّ وإحداث شرخ كبير في بعض الدول العربيّة تماشيّاً مع مصالح الدوحة في المنطقة مع تعام فاضح عن المصائب التي يقوم بها النظام القطريّ في العالم العربيّ خدمة لمشروع "الإخوان المسلمين" الذي تؤيده وتدعمه تركيا.
عوامل نجاح قناة الجزيرة
استطاعت قناة الجزيرة أن تصبح القناة الفضائيّة العربيّة الأكثر تفضيلاً لدى قطاعات لا يستهان بها من المشاهدين العرب لأسباب متعددة:
- كونها أول قناة إخبارية عربية متخصصة تحقق في قوة اندفاعها نجاحاً يجعل المشاهدين يتبعونها حتى عند تغيير نظام البث.
- تتمتع القناة بإمكانيات مادية عالية كفلت لها مقدرة الحركة السريعة والنشطة واستخدام كافة الوسائل المتاحة لتوفير المادة الإخبارية وخدمتها بأسلوب يضاهي في كثير من الأحيان CNN نفسها، سواء من حيث التغطية المشبعة ومن موقع الحدث، بجيش من المراسلين في جميع أنحاء العالم، وفي أماكن لا يوجد فيها مراسلون لقنوات عديدة ليست عربية فقط بل أجنبية أيضاً.
- تتمتع أيضا بحرية أكبر من القنوات الحكومية العربيّة، مهما كانت نسبية هذه الحرية، خاصة وأنّ المشاهد أصبح لديه نوع من الشكوك فيما يصدر من المؤسسات الإعلاميّة التي تدور في فلك السلطة، مهما كان ما تقدمه قوياً وجريئاً.
- أثبتت أنه من الممكن نجاح قناة تلفزيونية دون أن تعتمد على الدراما والمنوعات، وأن المادة الإخباريّة والوثائقيّة يمكن أن تكفي للاستحواذ على المشاهد إذا ما أحسن عرضها وتقديمها.
- رغم اتهام الكثيرين لهذه القناة بالشطط وبالتحيز لتيار سياسيّ على حساب تيارات أخرى أحياناً، وبلجوء بعض برامجها إلى استفزاز ضيوفهم في أحوال أخرى، إلا أنها بالمقابل استطاعت أن تكسر أغلب الحظر في طرح موضوعات برامجها.
الانتقادات الموجهة لقناة الجزيرة
واجهت قناة الجزيرة بالموازاة مع نجاحها وانتشارها، الكثير من الانتقادات، سواء من الحكومات العربية أو غيرها مثيرة هذه الانتقادات العديد من الشكوك ونقاط الظل حول عمل هذه القناة وسياستها التحريريّة، ويمكن أن نشير إلى مجموعة من النقاط وهي:
- أنها عبارة عن واجهة أمريكيّة وأداة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ الغاصب.
- أنها عبارة عن أداة للتحريض الدينيّ والتحريض على الإرهاب والكراهية الدينية، عبر قنوات النشر آراء ورسائل تنظيم القاعدة وبثها رسائل أسامة بن لادن.
- أن القناة مجرد مؤسسة قطريّة تحاول أن تعطي لقطر دوراً أكبر من حجمها، حيث كتبت مجلة الوطن العربي حول القناة قائلة "إنّ القناة تحولت إلى أداة بيد أعداء الأمة العربيّة والإسلاميّة بدلاً من أن تكون وسيلة إعلاميّة ديمقراطيّة حرة، وأنّ اسمها مجرد لافتة خارجيّة، ولن تستطيع قطر أن تلعب من خلالها دوراً أكبر من حجمها حتى لو دعمتها أمريكا و"إسرائيل" في ذلك.
- اعتمادها على مبدأ الإثارة في برامجها وتغطيتها الإخبارية المختلفة لاستمالة جمهور المشاهدين، كما هو الحال في أسلوب صراع الديكة المعتمد في كثير من برامجها وتغطيتها الإخباريّة.
- عدم وضوح المعايير التي تتعامل وفقها القناة مع الأحداث والأخبار، فقد تركز أيام على موضوع ما وسرعان ما تتراجع عنه، والدليل على ذلك التحول الإعلاميّ في التعاطي مع السعودية بعد المصالحة والذي كان شرطاً من شروط الرياض لإتمامها.
- من الناحية التقنية، ورغم تطور القناة فهي مازالت تعاني من أوجه ضعف مهمة، فالقناة لم تتطور بحيث تصبح مكاتبها مصدراَ رئيسيّاً للأخبار والتغطية الأصلية للقناة تعتمد وبشكل كبير على المصادر الأجنبيّة والأفلام الأصلية ولا تزال تعاني من ضعف يجعلها دون المستوى العالميّ بكثير.
- نظمت قناة الجزيرة في 8/5/2000 حلقة نقاشية مغلقة في الدوحة لمحاولة تقييم أدائها وحضرها عدد من أعضاء الهيئة الإدارية للقناة والضيوف في قطر، ورغم أن ما تنشره عن الحلقة لم يكن يغطي جميع الحوارات التي جرت، ولكن المشاركين أكدوا على أن التقارير التي تنقلها القناة لا تشير فيها إلى المصادر التي استقتها منها وأن التشكيك بحصول الحدث واستخدام الخيال قد يدمر الكثير من الحقائق.