الوقت- حظيت قضية الأزمة في سوريا، خلال الأسبوع الماضي، باهتمام جديد من مختلف الفاعلين السياسيين. وفي غضون ذلك، أعربت الدول العربية وعلى رأسها الإمارات والسعودية، بشكل غير مسبوق، عن رغبتها في عودة سوريا إلى الجامعة العربية وحل مشاكلها الاقتصادية، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين امريكا وأوروبا حول المستقبل السياسي في سوريا.
الوضع غير المواتي للشباب والأمن الغذائي والأطفال في سوريا
تجري جهود تغيير المعادلة السياسية في سوريا في وقت أصبح فيه تعقيد وضع الامن الاجتماعي في البلاد قضية مهمة. عاش المواطنون السوريون أياما صعبة في السنوات التي تلت عام 2011، عندما اجتاحت البلاد موجة كبيرة من الأزمات، حيث توجه جزء كبير منهم إما إلى الحدود الأوروبية أو إلى دول الجوار مثل تركيا والعراق والأردن ولبنان. وفي الوقت الحالي، تستمر معاناة مواطني هذا البلد، وفي أحدث المؤشرات المذكورة نذكر أمن الشباب والغذاء والظروف المعيشية غير الصحية للأطفال في مخيمات اللاجئين.
وفقاً لمجلة الإيكونوميست، تحتل سوريا المرتبة 101 من أصل 113 دولة في مؤشر الأمن الغذائي. حيث يعتمد هذا الترتيب على العوامل الأربعة لقدرة إعداد الطعام وتوافره وجودته وكميته من الموارد الطبيعية المتاحة لإعداد الطعام. كما أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مؤخرا أنه بحلول عام 2020، ارتفع عدد الأشخاص المعرضين لخطر نقص الغذاء في سوريا بمقدار 3.1 ملايين شخص في ستة أشهر، ليرتفع العدد إلى 12.4 مليوناً. وهذا الرقم يمثل حوالي 60٪ من سكان سوريا الحاليين. قبل الأزمة، كانت سوريا تنتج 4 ملايين طن من القمح سنويا، منها 1.5 مليون طن يتم تصديرها و 2.5 مليون طن يتم استهلاكها محليا. لكن مع بداية الأزمة، انخفض إنتاج القمح بشكل حاد، ما جعل سوريا بحاجة إلى الواردات.
ووفق دراسة أنجزتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا، قال حوالي واحد من كل شابين (47٪) إن قريبا أو صديقا مقربا له لقي مصرعه في القتال. وقال واحد من كل ستة شبان سوريين إن أحد والديهم على الأقل قُتل أو أصيب بجروح خطيرة (16٪). 12٪ أصيبوا في النزاع.
وعلى صعيد آخر، لفتت قضية أطفال أعضاء داعش في سوريا انتباه الدول الأوروبية مؤخرا. في الواقع، بعد أشهر من الجهود التي بذلتها ساسكيا بريكمون، العضوة البلجيكية في البرلمان الأوروبي، وافقت الحكومة البلجيكية أخيرا على عودة أطفال أعضاء داعش المحتجزين في المخيمات السورية، وخاصة في مخيم الهول. وقال رئيس الوزراء البلجيكي الكسندر دوكرو في دعمه لخطة البرلمان الأوروبي: "إذا نشأ هؤلاء الأطفال في الظروف الكارثية لهذه المعسكرات، فإنهم سيصبحون إرهابيي الغد". في الواقع، هؤلاء الأطفال ينتمون إلى الأوروبيين الذين ينتمون إلى داعش، الذين لم تكن دولهم الأوروبية على استعداد لتغيير بلدهم.
الخلافات بين العرب والغرب حول النظرة السياسية لسوريا
ان خلاصة السياسات والتوجهات الجديدة للدول العربية تجاه الأزمة السورية تظهر انقسام الأصوات بين العرب وسياسة الغرب اي امريكا وأوروبا. ويبدو الآن أن الدول العربية تعارض موقف الغرب الغامض وغير الاستراتيجي من سوريا، وقد أعادت بطريقة ما قبول بشار الأسد كرئيس شرعي للحكومة.
على عكس الدول الغربية التي تواصل الإصرار على سياسة الضغط والعقوبات على سوريا، يبدو أن الدول العربية قبلت الحقائق الميدانية مع تغيير كبير في وجهة نظرها وتريد عودة سوريا إلى الجامعة العربية. ووفق وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في الرياض، فإن الأزمة السورية تحتاج إلى حل سياسي ويجب على البلاد (سوريا) أن تعود إلى أحضان العرب وان تنعم مجددا بالامن والاستقرار. وإلى جانب الرياض، أكد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، خلال لقائه مع نظيره الروسي لافروف في أبوظبي، أهمية دور سوريا في جامعة الدول العربية.
في الواقع، يبدو أن الحليفين السابقين يواجهان مشكلة بشأن سوريا. من ناحية، قبلت الدول العربية التي تقودها السعودية حقيقة أنه، على عكس الأفكار الأولية لبشار الأسد، سيبقى في السلطة وهو القائد الشرعي للبلاد. ومن ناحية أخرى، فهم قلقون للغاية بشأن خطة تركيا لتمكين جماعة الإخوان المسلمين. لأنه في ظل هذه الظروف، تزداد قوة أردوغان والإخوان المسلمين في المنطقة أكثر فأكثر.
لذلك نشهد في الوضع الحالي تقاربا متزايدا بين العرب وروسيا. حيث التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مؤخرا، بوزير الخارجية سيرجي لافروف وألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا في الرياض. حيث يظهر هذا الاتجاه أن العرب، بإعادة النظر في نهجهم الأصلي، يعارضون السياسات الأوروبية والأمريكية تجاه دمشق، وشعروا بالتهديد على سوريا أكثر من أي وقت مضى منذ تولي حكومة بايدن السلطة.
تمهيد الطريق لحل مشكلة اللاجئين من خلال معالجة الأزمة الاقتصادية السورية
في الوضع الحالي في سوريا، يبدو أن معظم الفاعلين المنخرطين في الأزمة، بما في ذلك أوروبا ودول مثل تركيا والعراق ولبنان والأردن، وعلى مستويات أخرى دول أوروبية هي بؤرة للاجئين السوريين ويريدون حل هذه المشكلة. لكن في غضون ذلك، يبدو أن معظم الفاعلين، وخاصة الدول العربية، قد توصلوا إلى استنتاج مفاده بأن أي محاولة لحل مشكلة اللاجئين وتحقيق الاستقرار في البلاد ستمر عبر نافذة حل الأزمة الاقتصادية.
وفي هذا الصدد، نرى أن وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، صرح في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف أن قانون العقوبات الأمريكي المسمى "قيصر" هو التحدي الأكبر في طريق التعاون والجهود المشتركة مع سوريا. ودعت التصريحات التي رافقها رد من الخارجية الامريكية، الحكومة السورية وداعميها إلى العودة إلى الحوار السياسي، وتمهيد الطريق لرفع العقوبات من خلال المساعدات الإنسانية، حيث تشير هذه الامور مجتمعة إلى أن معظم الفاعلين يتفقون الآن على إعادة الإعمار الاقتصادي لسوريا كشرط مسبق لحل الأزمة.