الوقت- في فبراير 2011 أعلنت إثيوبيا عزمها إنشاء سد بودر على النيل الأزرق والذي يعرف أيضا بسد حداسة على بعد 20 – 40 كم من الحدود السودانية بسعة تخزينية تقدر بحوالي 16.5 مليار متر مكعب والذي تغير اسمه ليصبح “سد النهضة” الإثيوبي الكبير.
وفي الثاني من أبريل 2011، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي البدء رسميا البدء في بناء السد وجرى وضع حجر الأساس، وفي مايو من العام ذاته أعلنت إثيوبيا أنّها ستطلع مصر على مخططات السد لدراسة مدى تأثيره على دولتي المصب مصر والسودان.
وتتهم مصر إثيوبيا بعدم أخذها في الاعتبار مخاطر الجفاف مثل تلك التي أثرت على حوض النيل في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.
وتتهم إثيوبيا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، مصر بمحاولة الحفاظ على قبضة حقبة الاستعمار على مياه النيل.
وتقول أديس أبابا إن القاهرة تحاول احتجاز المشروع رهينة بفرض قواعد على ملء السد وتشغيله.
وتقول إنها تأخذ مصالح مصر والسودان – الدولة الأخرى في المصب – في الاعتبار ، وأن متطلبات مصر من 40 مليار متر مكعب مضمونة غير واقعية.
وتقول أيضا إنه بينما يمكنها ملء الخزان في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام، فقد قدمت تنازلاً من خلال اقتراح عملية من أربع إلى سبع سنوات.
ورفضت اثيوبيا مرارا اقتراح مصر بشأن وسيط طرف رابع قائلة إن القاهرة تحاول تجاوز المحادثات الثلاثية.
تسع سنوات مرت دون أن يتم إحراز أي تقدم ملموس بشأن المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان حول بناء سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد مصر والسودان بفقدان المليارات من المترات المكعبة من حصتهما التاريخية من مياه نهر النيل.
ومنذ ذلك الوقت بدأ الصراع المصري السوداني الاثيوبي حول هذا السد وتداعياته. وفي اخر المستجدات في هذا الصدد ناقشت صحف ومواقع عربية استمرار تعثر الوصول لحل بشأن سد النهضة الإثيوبي، والذي تصر مصر وإثيوبيا على أنه يشكل خطرا حقيقيا على حياة الملايين من مواطني البلدين.
وقالت الحكومة السودانية في وقت سابق إن قرار إثيوبيا الفردي بملء خزان سد النهضة على نهر النيل يعد "تهديدا للأمن القومي".
وطالبت القاهرة والخرطوم أديس أبابا "بإبداء حسن النية والانخراط في عملية تفاوضية فعّالة من أجل التوصل إلى اتفاق" بشأن ملء وتشغيل السد.
ويقول فريق من كتّاب الرأي إن مصر بدأت "التعبئة الشعبية والعسكرية" بعد مماطلة إثيوبيا.
بينما عرض فريق آخر من الكتّاب استخدام "أوراق" ضغط آخرى لا تزال في جعبة مصر والسودان قبل خوض حرب مع إثيوبيا.
تهديدات غير مباشرة
الى ذلك قالت جريدة "رأي اليوم" اللندنية في افتتاحيتها إن "الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم السبت الماضي واستغرقت عدة ساعات فقط، يحلو للبعض وصفها بأنها 'زيارة حرب' ورسالة قوية موجهة إلى إثيوبيا".
وتركز الافتتاحية على المشهد السياسي الداخلي المصري، قائلة: "من تابع فعاليات إحياء 'يوم الشهيد' التي حضرها الرئيس السيسي في التاسع من آذار، وشاهد حالة الحماس، والبرامج الوثائقية عن بطولات الجيش المصري في جبهات القتال ضد إسرائيل. يدرك جيدًا أن القيادة المصرية ربما حسمت أمرها باللجوء إلى الخيار العسكري للتعاطي مع أزمة سد النهضة. وأن هذه الاحتفالات هي بداية التعبئة الشعبية والعسكرية تحضيرا لهذا الخيار".
وتتابع: "مصر والسودان لا تريدان الحرب. ولكن عندما تتعرض حياة هؤلاء الملايين من المزارعين الأبرياء الذين سيموتون جوعا نتيجة هذه الخطوة الإثيوبية فمن يلوم حكومتي البلدين إذا أقدمتا عليها، فهذا السد بات يشكل تهديدا وجوديا لهما ولشعبيهما معا مصر تعيش أجواء حرب، وقيادتها إذا قالت فعلت".
ويرى بعض المحللين انه إذا كانت مصر تدعو الآن إلى مشاركة أكثر فاعلية من المجتمع الدولي، قبل بدء المرحلة الثانية لملء خزان سد النهضة، فإن نجاح هذه الدعوة يتطلب أن تراجع مصر موقفها التفاوضي، وكذلك السودان.
ويرى اخرون ان هذا الموقف يجب أن يصبح "متوافقا مع القانون الدولي، والحرص على عدم الانجراف في تيار تبادل الاتهامات والتهديدات، والحملات الإعلامية الحمقاء التي قد تشتعل إلى درجة خطيرة هذه المرة، وخصوصا مع توقيع اتفاق التعاون العسكري المصري - السوداني، وقرب إجراء الانتخابات العامة في إثيوبيا.
ومن الأوراق التي لم تستخدمها القاهرة والخرطوم حتى هذه اللحظة، هي الورقة الاقتصادية، فمن المعروف أن السدود التي عليها خلافات، لا يجوز تمويلها من الدول أو من المؤسسات المالية الدولية، وهنا يمكن للقاهرة والخرطوم في ظل هذا التعنت الإثيوبي أن تفعلا هذه الورقة أمام المجتمع الدولي لتطبق القوانين والمواثيق الدولية.
ويبدو ان الكرة الآن في ملعب أديس أبابا، فليس مطلوبا منها أكثر من العودة إلى مسار التعاون الإقليمي حيث إن هذا المسار يعني بالضرورة أن الحرص السوداني المصري يقتضي بالضرورة أن يقابله حرص إثيوبيا المماثل، الذي يضع في اعتباره أنها معنية بالقدر نفسه، ويتجاوز إظهار حسن النية والعمل على عدم الإضرار بمصالح الشعبين في أدنى النهر. وعلى إثيوبيا أيضا التأكيد على أن "المصالح المشتركة الحقيقية لشعوب هذه المنطقة لن تحقق إلا معادلة كسبية يفوز فيها الجميع".