الوقت- كانت الثوابت الجديدة في تطورات الحرب اليمنية مع فقدان حكومة منصور هادي المستقيلة للسيطرة على جزء كبير من مناطق شمال اليمن من بين العوامل الرئيسة التي تسببت بأزمات خانقة للمحور المعارض لأنصار الله. حيث أدت الهيمنة على المناطق الشمالية والتقدم في الساحل الغربي،وخطر تهديد المحافظات اليمنية الوسطى من قبل الجيش واللجان الشعبية لأنصار الله، إلى تكثيف واحتداد التنافس بين السعودية والإمارات وقواتهما بالوكالة على الهيمنة على المناطق الجنوبية. كما يبدو أن هذه المنافسة تتخذ مسارا صعودياً بالتزامن مع الانتصار الوشيك لصنعاء في مدينة مأرب.
وعليه، وعلى الرغم من الهجمات الناجحة لأنصار الله على المراكز العسكرية والاقتصادية للسعودية في عمق البلاد في الأيام الأخيرة، فقد أدانت الإمارات الهجمات وحاولت تصوير نفسها على أنها حليف للرياض في الحرب وعضو في التحالف المنهار. لكن وراء كواليس الحرب، تظهر تنافسات قوية بين الرياض وأبو ظبي في جنوب اليمن بعد تطورات مأرب، والتي ستصبح أكثر وضوحا في الأسابيع والأشهر المقبلة.
هذا وأعلن وزير النقل في حكومة منصور هادي، عبد السلام حميد، على صفحته على فيسبوك الخميس الماضي، تنحية رياض سليمان المدير العام لميناء سقطرى، بضغط من الإمارات، واستبداله بمحمد سالم محمد. وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان رياض سليمان عن اكتشاف سفينة إماراتية مهربة تحمل معدات عسكرية إلى الجزيرة. وبعد هذا الكشف تم طرد سليمان من قبل وزارة النقل.
ووفقا لمحافظ سقطرى رمزي محروس، فقد قام الإماراتيون بتسليم المعدات العسكرية، بما في ذلك المدرعات، إلى المجلس الانتقالي الجنوبي في أواخر فبراير. ونقلت بعض المصادر في اليمن إن الآليات والعربات العسكرية الإماراتية تم إرسالها بحجة تقديم مساعدات إنسانية لاستخدامها ضد المدنيين والسكان المحليين.
ويشير الخبر إلى أن الإمارات تجهز قواتها الخاصة، أي قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، الموجودة حاليا في حكومة منصور هادي كجزء من ائتلاف حكومة عدن. وعلى الرغم من وجودها في اتفاق الرياض، إلا أن أبو ظبي عملت دائما بشكل علني وسري على إضعاف الاتفاق وإلحاق الهزيمة به، وهو ما ينبع من الخلافات بين خطط الرياض وأبو ظبي لمستقبل اليمن.
سعت أبو ظبي إلى السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية الجنوبية منذ بداية الغزو والمشاركة في اليمن من أجل تعزيز التجارة البحرية العالمية ومجال نفوذها الإقليمي. وتمكن المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم كامل من الإمارات وبعد سنوات من صراع القوى مع جماعة الإخوان المسلمين وقوات تابعة لمنصور هادي، من السيطرة على جزيرة سقطرى في يونيو من العام الماضي.
ومنذ تشكيل المجلس الانتقالي في مايو 2017، بقيادة عيدروس الزبيدي، يهدف المجلس إلى تقسيم اليمن واستقلال المحافظات الجنوبية، بالنظر إلى فترة ما قبل اتحاد اليمن عام 1997. وعلى الرغم من أن هذا كان الهدف طويل المدى للمجلس الانتقالي، إلا أن مؤيديه وقادته يعتقدون أن بإمكانهم الوصول إلى السلطة في عدن بأقل تكلفة. والواقع أن ما أعقب اتفاق الرياض، والذي دل على فشل الاتفاق، دفع المجلس الانتقالي الجنوبي للإعلان عن نواياه النهائية في وقت مبكر، كما جاء في إعلان نيسان 2020 الصادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي. وفي بيان رسمي وصريح ضد "اتفاق الرياض"، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الاستقلال الذاتي للمحافظات الجنوبية. كما شكل المجلس لجنة لإدارة المحافظات الجنوبية.
وتشير التقديرات إلى أن الإمارات دربت حوالي 120 ألف مقاتل في المحافظات الجنوبية والغربية وزودتهم بالأسلحة وآلات الحرب، فقد كانت هذه القوات هي المراقب الوحيد في الشهر الماضي على الحرب في مارب. وعلى الرغم من بذل السعوديين كل جهد ممكن لحماية مأرب ومنع سقوط هذه المحافظة الاستراتيجية، فإن انسحاب مرتزقة المجلس الانتقالي من مساعدة منصور هادي يشير إلى خطة الإمارات للإطاحة الكاملة بهادي والإخوان، وبعبارة اخرى تنحية النفوذ السعودي في عدن والتي ستكون في نهاية المطاف ممكنة من خلال الجيش.
وعلى عكس الإمارات، لم تحقق السعودية نجاحا كبيرا في كسب حلفاء في الجنوب مثل قبائل المنطقة والقادة العسكريين والسياسيين.
وفي هذه الحالة، تواجه السعودية أربعة سيناريوهات:
السيناريو الأول هو اتفاق مع صنعاء وأنصار الله أي الرضوخ لرغبات الشعب اليمني. إن العوامل التي يستند اليها هذا السيناريو هو الفشل في دفع عجلة الحرب والتكلفة المستمرة لاستمرارها، وكذلك جهود وقف الهجمات اليمنية في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة لوقف العدوان المستمر منذ ست سنوات، وفي هذه الحالة، يمكن للرياض أن تأمل في الحفاظ على وحدة اليمن وتحقيق إطار أمني مع صنعاء. لكن دعم السعوديين لهذا السيناريو منخفض للغاية في الوقت الحالي.
والسيناريو الثاني هو استمرار الدعم للحكومة المخلوعة برئاسة منصور هادي ضد جبهتي صنعاء والانفصاليين التابعين للإمارات ومحاولة نزع سلاحهم. لكن هذا السيناريو، الذي استند إليه الهدف الأولي للحرب، ليس له فرصة للتنفيذ في مجال التطورات الموضوعية.
اما السيناريو الثالث هو اصطفاف السعودية مع الإمارات لتقسيم اليمن. هذا السيناريو غير مواتٍ للسعوديين على الإطلاق، لأنه مع توقف الرياض عن دعم حكومة منصور هادي، لن يكون للقوات المقربة من السعودية مكان في الحكومة الشمالية في صنعاء وحكومة الجنوب في عدن. وفي الواقع، لن ينجح هذا السيناريو ما لم تكن الرياض على استعداد للتضحية بتكاليفها الأمنية ومصالحها الاستراتيجية في اليمن من أجل التعاون مع الإمارات.
والسيناريو الرابع: على السعودية قطع الدعم عن حكومة منصور هادي المخلوعة لخلق شرعية جديدة مقبولة للإمارات وحلفائها في الجنوب، ثم يبدأ السعوديون المفاوضات النهائية مع صنعاء لإنهاء الحرب. من الناحية العملية، يبدو هذا السيناريو صعبا للغاية بسبب التعقيدات في مجال تضارب المصالح للفاعلين الأجانب والمحليين، لكنه خيار أكثر احتمالية بالنسبة للرياض.