الوقت- حظيت زيارة البابا فرنسيس للعراق بتغطية واسعة النطاق من قبل وسائل الإعلام العالمية. حيث وصل البابا فرنسيس إلى العاصمة العراقية بغداد يوم الجمعة الماضي، وكان في استقباله رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
هذه هي المرة الأولى التي يغادر فيها البابا الفاتيكان بعد 15 شهرًا من قيود الحجر الصحي في أوروبا. وقد التقى البابا فرنسيس مع المسؤولين العراقيين وأساقفة الكنيسة الكاثوليكية العراقية والأقلية المسيحية في هذا البلد.
كما التقى زعيم الكاثوليكيين في العالم في النجف مع آية الله علي السيستاني المرجع الشيعي البارز والمؤثر.
على الرغم من أن البابا فرانسيس يعتبر بشكل عام مسؤولًا دينيًا وغير سياسي، إلا أن زيارة هذا المسؤول الديني المسيحي لها أبعاد سياسية وثقافية مهمة أيضًا، وتدل هذه الزيارة، قبل كل شيء، على مكانة العراق المتميزة في التطورات عبر الإقليمية.
السعي للحد من التوترات الطائفية
يمكن أن يلعب لقاء آية الله السيستاني مع البابا في النجف، دورًا مهمًا في الحد من التوترات الطائفية في العراق. توتراتٌ اندلعت بعد الغزو الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003، وتصاعدت إلى مستوى غير مسبوق مع غزو داعش لشمال العراق عام 2014.
ويعتقد بعض المحللين العراقيين أن خطر اندلاع الحروب الطائفية، التي أودت بحياة العديد من العراقيين في عامي 2007 و2006 وألحقت أضرارًا جسيمةً بالمجتمع المسيحي، هو أحد الأسباب الرئيسة لزيارة البابا فرنسيس للعراق ولقائه مع المرجعية العليا والبارزة آية الله علي السيستاني.
ووفق الإحصائيات، قبل غزو داعش للعراق عام 2014، كان هناك حوالي مليوناً ونصف المليون مسيحي يعيشون في العراق، لكن اليوم لم يبق في العراق سوى أربعمئة ألف من هذه الأقلية. وبعد ما يقرب من سبع سنوات على الهجوم الداعشي، لا تزال آثاره واضحةً في مدينة الموصل، أكبر مركز للوجود المسيحي في العراق.
في الواقع، تعود جذور المسيحية في العراق إلى فترات الإيمان الأولى. ويُعتقد أن قبور الشخصيات التوراتية مثل "يونس" و"يوشع" موجودة هناك.
إن المجتمع المسيحي العراقي الذي يتألف من ديانات مختلفة، بما في ذلك الأرمن والآشوريون والكلدان والمالكيون والسريانيون، أصبح محدوداً للغاية بسبب المعاناة التي عاشوها منذ عقد من الحرب المدمرة بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ثم الهجمات الوحشية لداعش من 2014 إلى 2017.
وفي هذا السياق، قال البابا فرانسيس: إنه "كان ينتظر وقتًا طويلاً لمقابلة أشخاص عانوا كثيرًا".
لقد قُتل العديد من مسيحيي الموصل بعد هجوم داعش، وفرّ الكثير منهم إلى مدينة أربيل في كردستان العراق، حيث تستضيف الآن واحدةً من أكبر المجتمعات المسيحية في العراق.
وعن زيارة البابا فرنسيس لهذه المدينة، قال المطران "بشار متي وردة" رئيس أساقفة أربيل للكلدان الكاثوليك للمراسل الوطني الكاثوليكي: إن "البابا ذاهب إلى أربيل لعقد لقاء وجهاً لوجه مع المسيحيين ليظهر اهتمامه بالمعاناة التي عاشوها".
کما قال نائب وزير الخارجية العراقي "نزار الخير الله" في تصريح لـ "بغداد اليوم"، إن "زيارة البابا إلى العراق ستكون تاريخيةً، وسيكون لها أثر كبير في دعم مسيحيي البلاد".
زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق في ظل الأمن الذي وفَّرته فصائل المقاومة
من أهم أوجه زيارة البابا للعراق، استقرار هذا البلد من الناحية الأمنية. إذ يرحب العراق بهذه الزيارة باعتبارها فرصةً لإظهار استقراره النسبي بعد سنوات من الحرب والصراع.
إضافة إلى ذلك، فقد مر عامان على انتهاء سيطرة تنظيم داعش الإرهابي علی أجزاء من العراق، والآن يتوجه المسؤول المسيحي الأعلى في العالم إلى العراق كدولة مسلمة في ذروة الأمن.
من ناحية أخرى، فإن الأمن في العراق اليوم مدين أكثر من أي شيء آخر بالدور البارز لجماعات المقاومة وقادة المقاومة، الشهيد سليماني والمهندس، الذين استطاعوا تحرير العراق من براثن الإرهابيين بعد أن واجهوا تنظيم داعش الإرهابي وهزموه.
وعليه، فإن زيارة البابا للعراق تظهر قوة أمن واستقرار هذا البلد، الذي يتأثر بالوجود القوي والدور الذي لا بديل عنه لجماعات المقاومة في ضمان أمن العراق.
واليوم، يثبت وجود المسؤول المسيحي الأعلى في العالم في العراق وإحساسه بالأمن في هذه المنطقة لكل فرد وجماعة وأمة، أنه يجب الاعتراف بأن الأمن الحقيقي هو نتاج المقاومة، وأن جبهة المقاومة، وخاصةً في العراق وسوريا، قد وقفت وکافحت من أجل هذا الأمن حتى استشهاد جنودها وقادتها البارزين.