الوقت- بعد مضي عدة أشهر على توقيع اتفاق السلام بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا بشأن إنهاء النزاع في ناغورنو كاراباخ، لا تزال انعكاسات وتأثيرات هذه الأزمة على المشهد السياسي في يريفان مستمرة. حيث انه منذ بداية توقيع اتفاقية السلام، اعتبر جزء كبير من المواطنين والتيارات السياسية أن رئيس وزراء هذا البلد هو السبب الرئيس للهزيمة وقبوله بالسلام هو خيانة للبلاد. بل إن الوضع تطور بحيث تطالب أحزاب المعارضة وكبار المسؤولين العسكريين باستقالة رئيس الوزراء. وحتى في أعقاب هذه الأزمة، أدت معارضة الرئيس الأرميني أرمين سركسيان لمرسوم أصدره نيكول باشينيان بإقالة رئيس الأركان العامة إلى تحويل المناخ السياسي في البلاد إلى حرب شاملة. ويعد تحليل الوضع الحالي والمستقبل السياسي لأرمينيا الآن قضية جدية. وفي هذا الصدد، أجرى موقع "الوقت التحليلي" مقابلة مع حسن بهشتي بور الخبير في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز.
انتخاب باشينيان رئيساً للوزراء ادى لحدوث انقسام في أرمينيا
عند تحليل الأزمة السياسية الحالية في أرمينيا، يعتقد حسن بهشتي بور أن المجتمع السياسي الأرمني انقسم عمليا إلى قسمين مع انتخاب نيكول باشينيان رئيسا للوزراء في عام 2018. أي بعد سنوات من حكم من هم من ناغورنو كاراباخ على الحكومة، وجميعهم من الأرمن من منطقة ناغورنو كاراباخ، حيث تولى شخص من خارج المنطقة السلطة لأول مرة. من ناحية أخرى، فإن وجود السركسيين في السلطة، نظرا لأن الرئيس أصبح مسؤولًا شرفيا، لم تعد السلطة في أيدي شعب كاراباخ. ومنذ ذلك الوقت، أصبح المجتمع ثنائي القطب رسميا، كما ادت هزيمة أرمينيا في حرب ناغورنو كاراباخ الأخيرة إلى تفاقم هذا الاتجاه؛ أي أن البعض ظل مخلصا لنيكول باشينيان وألقى آخرون باللوم عليه في الهزيمة في الحرب، لكن هذا كان في وقت كان فيه النظام السياسي بأكمله في البلاد متورطا في هذا الامر، وليس شخصا واحدا فقط.
تدخل رئيس الأركان العامة أدى إلى اتساع رقعة الأزمة في أرمينيا
أكد الخبير في شؤون اسيا الوسطى انه بالنظر إلى الحقائق على الأرض، تجدر الإشارة إلى أنه في التسعينيات، احتلت أرمينيا بشكل غير قانوني حوالي سبع مناطق، وهو ما لم يقبله المجتمع الدولي. ومع ذلك، تسببت الهزيمة في حرب ناغورنو كاراباخ الآن في أزمة سياسية أخرى في البلاد. وفي غضون ذلك، أدى تدخل رئيس الأركان العامة للجيش في البلاد إلى تصعيد الأزمة. وفقا للدستور الأرميني، فإن دخول الجيش إلى السياسة وطلب رئيس الأركان العامة من باشينيان الاستقالة امر مخالف للقانون. واضاف "لكن في نفس الوقت ووفق القانون فان رئيس الوزراء ايضا غير قادر على اقالة رئيس الاركان للجيش الارميني وهذه من الصلاحيات الموكلة لرئيس هذا البلد".
تواصل الدعم الأوروبي والروسي لاستمرار حكم باشينيان
واضاف "في الوضع الراهن، وعلى الرغم من تفشي الازمة في ارمينيا، فان الدول الاوروبية وامريكا وحتى روسيا تدعم استمرار رئاسة وزراء باشينيان. فمن وجهة نظر أوروبا وامريكا، ان نيكول باشينيان شخصية مقربة من الغرب، وينبغي دعم استمرار رئاسة وزرائها. ويرى الروس أيضا أن رئيس الوزراء الحالي لأرمينيا، بصفته المؤيد والداعم الرئيسي للسلام في ناغورنو كاراباخ، يجب أن يظل في السلطة. حيث يمكن تلخيص مجموع هذه العملية على نحو ان باشينيان يتمتع حاليا بمستوى كبير من الدعم داخل وخارج البلاد، لذلك يمكن الاعتراف بأن وقت إقالته من السلطة لم يحن بعد.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه في عالم السياسة، فإن أي حدث ممكن الحدوث وهناك احتمال لسيناريو عزله من السلطة، ولكن يجب ايضا ملاحظة أنه سواء كان رئيس الوزراء الحالي في السلطة أو ان يأتي شخص آخر إلى السلطة، فمن الضروري حل أزمة قره باغ بشكل أساسي. وبهذه الطريقة يتم الاعتراف من ناحية بوحدة أراضي جمهورية أذربيجان، ومن ناحية أخرى يتم تأكيد مطالبات أرمينيا في ناغورنو كاراباخ. في حين أن هذا الاحتمال قد يكون صعبا، لكن من الممكن إيجاد مثل هذه الصيغة.
من الصعب أن يحدث انقلاب عسكري ضد باشينيان دون موافقة موسكو
اكد حسن بهشتي بور، في الجزء الأخير من تصريحاته بشأن احتمال وقوع انقلاب عسكري على رئيس الوزراء الحالي قائلاً: "في عالم السياسة، يمكن اعتبار أي احتمال ممكناً. لكن يتطلب الانقلاب في أرمينيا دعما محليا وأجنبيا. في غضون ذلك، ينبغي النظر في دور روسيا أكثر من أي جهة فاعلة أخرى. حيث ان موسكو لديها تأثير كبير على يريفان، ويبدو أن احتمال حدوث انقلاب بدون دعم الكرملين غير مرجح إلى حد ما. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الانقلاب العسكري الأرميني لن يحل المشكلة ولن يجد سوى ضحية واحدة للهزيمة في حرب كاراباخ؛ هذا يعني أنه يجب تسجيل جميع أبعاد الفشل باسم نيكول باشينيان. وحتى لو حدث انقلاب في أرمينيا، وهو ما يبدو امرا غير مرجحاً، لكن يمكن أن يستمر لمدة ثلاثة أشهر فقط ويجب إجراء انتخابات جديدة على الفور.