إلا أن الرياض التي حظيت بدعم واشنطن التام منذ تخلّي بريطانيا عنها، نجحت ومن خلال «دبلوماسيّة الدولار» في تلميع صورتها من جديد، مستفيدة من عوامل ثلاث: العامل الأول، إستخدام سلطتها الدينية في بيت الله الحرام وإعطاء نفسها صبغة دينية فحواها زعامة العالم الإسلامي، والثاني النفط الذي نجحت من خلاله بكسب ودّ العديد من الحكومات العربيّة والإقليمية والتي بدورها كانت مسخّرة لخدمة العائلة الحاكمة في الرياض، والثالث آلتها الإعلامية التي نجحت بالفعل في بنائها بشكل قوي عبر آلاف الخبراء والمتخصصين في إطار الهدف نفسه "تلميع صورة آل سعود".
إلا أن النظام السعودي الهرم، والذي أتقن طوال فترة حكم الملوك السابقين الست اللعب على وتر الخلافات الإقليمية، يبدو حالياً بعد أشهر على إستلام سلمان بن عبد العزيز للحكم بصور مهشّمة، بسبب فشله وعدم قدرته على إدارة نقاط قوته تارة وإخفاء نقاط ضعفه آخرى. وقد زادت المستجدات الأخيرة و إستلام أحفاد عبد العزيز آل سعود لدفّة الحكم وإعتمادهم سياسة "همجية" بدلاً من "رباطة جأش" من طينة السعودية بلّة، التي غدت اليوم في موقف لا تحسد عليه، موقف ينذر بتعريتها وكشف عورتها أمام الشعوب العربية والإسلامية.
بما أن دوام الحال من المحال، ولإدراك مستقبل «آل سعود» في ظل التغيّرات الإقليمية وإقتراب العائلة الحاكمة من إستحقاق مصيري يتمثّل بإستلام أحفاد عبد العزيز لدفّة الحكم رسمياً، لا بد من الدخول في تفاصيل العوامل الثلاثة التي عزّزت «دبلوماسية الدولار» بإعتبارها بدأت بالتهاوي واحدةً تلو الآخرى.
من بعد قوّة ضعف
يمكننا القول أن المستجدات الأخيرة حوّلت نقاط القوّة لدى النظام السعودي الهرم إلى ضعف، بعبارة آخرى بدأت السعودية حالياً بإنتقال إلى مرحلة الضعف، بعد القوّة التي تمتّعت بها في الحقبة السابقة، وفي هذا الإطاريمكن إعطاء رؤية واضحة لعومل القوّة الثلاث بالتالي:
نفطّياً، يعتبر الإنخفاض النفطي الذي أجبر العائلة الحاكمة على إتخاذ سياسات تقشّفية بعد عقود من الرخاء الإقتصادي لجزء كبير من الشعب السعودي، من أبرز نواقيص الخطر التي تؤسس لبداية النهاية في حكاية «آل سعود». ربّما تستطيع الرياض بسبب المخزون النفطي الضخم من ناحية، وعائدات الحج من ناحية آخرى، أن تتجاوز هذه الازمة الإقتصادية الناتجة عن الإنخفاض النفطي بعيد الامد بسبب النفطين الصخري والرملي في أمريكا وكندا. إلا أن أبرز المتغيّرات تتمثل في التقشف الخارجي أيضاً، أي أن البزخ السعودي على حلفاء الخارج يتقلّص في الآونة الأخيرة مما يعني إنسحاب الحلفاء من الفلك السعودي، لأن من دخل في هذا الفُلك السعودي بالأموال، أخرجته الأموال كما أدخلته فيه.
وأما بالنسبة إلى الحج إلى بيت الله الحرام، ربّما نجحت الرياض في إسكات العديد من الدول التي تضرّرت جرّاء حادثة منى التي تؤكد بعض التقارير وصول ضحاياها إلى 7000 ألاف، إلا أنها هل تستطيع إسكات حوالي مليوني حاج شاهدوا ولمسوا حقيقة «آل سعود»؟. لو فرضنا أن كل حاج شاهد أو جرح أو قضى في هذه الحادثة الأليمة، فضح العائلة الحاكمة في الرياض أمام عائلته وأهل حزانته فهذا يعني كشف الوجه الحقيقي للسعودية امام 200 مليون مسلم، وكأحجار الدومينو سستهاوى صورة «آل سعود» لدى بقيّة المسلمين.
إعلامياً، تدرك الرياض أن أذرعها الإعلامية أحد أبرز أسباب الحفاظ على صورة العائلة الحاكمة، لذلك عمدت طوال الفترات السابقة إلى الإستثمار الضخم على الصعيدين العربي والدولي. وبالفعل نجحت في سياستها الإعلامية بشكل كبير مما حافظ على صورة «آل سعود»، إلا أن عدوانها القائم على الشعب اليمني، والمجازر المروّعة التي شاهدناها في المخا وغيرها من المدن، لم يفضح زيف الإعلام المدعوم سعودياً فحسب، بل كسر قدرتها الناعمة التي إكتسبتها سابقاً جرّاء سياسة "رباطة الجأش". لو إستطعنا كسر الرياض إعلامياً، لما إستطاع «آل سعود» الصمود لأكثر من بضع سنوات حتى يغدون في مزبلة التاريخ.
كما بدأ النظام السعودي ضعيفاً في العام 1902، يتحول اليوم إلى الضعف والشيب بعد سنوات من القوّة، ليكون بذلك مصداقاً لقوله تعالى: خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوّة ثم جعل من بعد قوّة ضعفاً وشيبة.