الوقت- عقب الجدل الكبير الذي رافق ملف الصحراء الغربيّة بعد التطبيع المغربيّ مع العدو الصهيونيّ مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الإقليم الصحراويّ المتنازع عليه، حسمت الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، أمرها بشأن فرضية تراجع واشنطن عن قرارها في عهد إدارة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، نيد برايس، في معرض رده عن سؤال صحافيّ حول ما إذا كانت هناك مراجعات بشأن هذا الملف، أنّ "ما قلناه على نطاق واسع لا يزال ساري المفعول بشأن ملف الصحراء الغربية".
تراجع واضح
بشكل واضح وصريح، أكّدت واشنطن على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، نيد برايس، أنّها لن تراجع عن قرارها في عهد دونالد ترامب، القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة، وزعم المسؤول الأمريكيّ أنّ أمريكا ستواصل دعم مسار الأمم المتحدة لتطبيق حل عادل ودائم لهذا الخلاف طويل الأمد في المنطقة، وأوضح برايس أنّ بلاده ستدعم عمل بعثة الأمم المتحدة بالصحراء "المينورسو" في مراقبة وقف إطلاق النار وتفادي العنف بالمنطقة، في ظل تهديدات بنشوب حرب في المنطقة منذ هبطت طائرة العدو الغاشم والتي حملت وفداً إسرائيليّاً – أمريكيّاً، برئاسة مستشار الأمن القوميّ الصهيونيّ، مئير بن شبات، وبرفقة صهر ومستشار الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، اليهوديّ جاريد كوشنر، الراعي الرسميّ لإدخال الدول الخانعة إلى حظيرة التطبيع، حيث أبرم الجانبان وقتها، عدة اتفاقيات وخاصة في المجال السياحيّ والاستثماريّ، في حين جاء الوجود الأمريكيّ لإجبار الملك المغربيّ محمد السادس على تقديم تنازلات أكثر لتل أبيب.
وعلى الرغم من الضغوط التي مارسها نواب في الكونغرس مؤخراً، من أجل سحب الاعتراف الأمريكيّ غير الشرعيّ بمغربية الصحراء، غير أنّ مراقبين استبعدوا ذلك بشدة، بالاستناد على تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكيّة حول الصحراء المغربيّة، الذي كرس قناعة مفادها بأن الولايات المتحدة متمسكة بقرارها ورؤيتها تجاه التصعيد في ملف الصحراء.
ويعتقد البعض أنّ السياسة الأمريكيّة تسير وفق نهج سياسيّ واضح لا يمكن أن يتأثر بتغير الرؤساء، ما يعني أنّ موقف واشنطن بخصوص الاعتراف بالأراضي التي تحتلها المغرب في الصحراء الغربيّة لن يتغير، بعد دخول المغرب إلى حظيرة "التطبيع" الأمريكيّة مع العدو الصهيونيّ الغاصب، وإعلان الرئيس الأمريكيّ السابق دونالد ترامب، توقيع ما تسمى "اتفاقيات سلام" بين الإمارات والبحرين والسودان، والكيان الصهيونيّ المجرم.
ومن الجدير بالذكر أنّ 27 نائباً بالكونغرس الأمريكيّ، بقيادة جيم إنهوف، قد طالبوا مؤخراً الرئيس جو بايدن في رسالة بإلغاء قرار سابقه دونالد ترامب بفتح قنصلية في مدينة الداخلة، في الوقت الذي تحاول فيه المغرب بكل ما أوتيت من قوة تطبيق مبادرة الحكم الذاتيّ للإقليم الصحراويّ ولكن تحت سيادتها، فيما تُصر جبهة البوليساريو على رفض الخطة المغربيّة الراميّة للسيطرة على أراضيهم، وتطالب بعمليّة استفتاء حول هذا الموضوع وترى أنّه السيناريو الأمثل لحل الأزمة التاريخيّة.
وفي ظل المساعي المغربيّة للسيطرة على كامل الإقليم الصحراويّ بعد التطبيع مع الصهاينة ومن ثم الحصول على الضوء الأخضر الأمريكيّ للقيام بذلك، لا يبدو أنّ الإدارة الأمريكيّة ستغير من مواقفها المتطرفة وإنّ ما تضمنه تصريح المتحدث الأمريكيّ يعطي فكرة واضحة عن توجه واشنطن لزرع الفتن والنزاعات بين الدول، لتحقيق مصالحها مع كيانها الأرعن، على حساب دماء الشعوب.
وكان الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، قد أصدر قبل مغادرته البيت الابيض مرسوماً رئاسيّاً، يقضي بالاعتراف بالسيادة المغربيّة على الإقليم الصحراوي، أعقبته زيارة لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى إلى المغرب، للوقوف على تنزيل المرسوم، والإعداد لافتتاح قنصلية أمريكية في منطقة الداخلة، وفي سياق تلك الترتيبات قام وفد من سفارة واشنطن بزيارة إلى المدينة الاثنين المنصرم، وأجرى لقاءات مختلفة مع المسؤولين المحليين، حيث ركزت المناقشات على ملف الصحراء وقرار واشنطن فتح قنصلية عامة فيها.
وتأتي التصريحات الأمريكيّة، في ظل المحادثات التي تجريها الولايات المتحدة مع العديد من الأطراف بشأن ملف الصحراء المغربيّة وفقاً لما كشفه القائم بالأعمال في السفارة الأمريكيّة في إسبانيا، لكن الموضوع الأهم والأول والأخير بالنسبة للولايات المتحدة هو الكيان الصهيونيّ، حيث جدد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الترحيب باستعادة المغرب لعلاقاته مع تل أبيب، قائلا “نرحب بالخطوات الجديدة التي اتخذها الرباط لتحسين العلاقات مع الكيان"، زاعماً أنّ علاقة الطرفين ستكون مفيدة على المدى الطويل.
كفاح مستمر
قبل مدة، أكّد الأمين العام لوزارة الأمن في حكومة الجمهورية العربية الصحراويّة، سيدي ولد أوكال، استعداد الجبهة للتفاوض ولأي وساطة، مشدداً على ضرورة استمرار الكفاح سيستمر في ظل المفاوضات أو عدمها، وذلك انطلاقا من التجربة الماضية للشعب الصحراويّ.
وفي الوقت الذي تجد فيه "جبهة البوليساريو" أنّها أعطت الثقة كاملة للمجتمع الدوليّ وأوقفت الكفاح بصفة نهائيّة وانتظرت 30 سنة من المماطلة والوعود الكاذبة والانتظار الممل، أوضح الوزير الصحراويّ خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت بمشاركة الممثل الدائم لجبهة البوليساريو لدى منظمة الأمم المتحدة عمر سيد محمد، أن الجبهة في دفاع مشروع عن النفس، منذ أن أرسل المغرب في ال13 من تشرين الثاني قواته إلى أقصى جنوب المنطقة لطرد مجموعة من الناشطين الصحراويين كانوا يقطعون طريقاً مؤدياً إلى دولة موريتانيا المجاورة.
ويشهد الإقليم الصحراويّ نزاعاً بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ العام 1975، وذلك بعد انتهاء فترة وجود الاحتلال الإسبانيّ في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 واستمرت لمدة 16 عاماً، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، حيث تقترح الرباط حكماً ذاتياً للإقليم بشرط أن يكون تحت سيطرتها، فيما تطالب الجبهة باستفتاء عادل يقرر مصيرهم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات آلاف اللاجئين من منطقة الصحراء الغربيّة.
وبذلك حسمت جبهة البوليساريو مواقفها بشكل تام من مسألة الحكم الذاتيّ، في الوقت الذي يشكل فيه هذا الخيار المقترح الوحيد من المغرب، مع استبعاد الرباط عمليّة الاستفتاء التي تطالب بها الجبهة والتي تنهي الأحلام المغربيّة في السيطرة التامة على الإقليم الصحراويّ، الذي تسيطر الرباط على حوالي 80% من أراضيه التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، عقب انسحاب موريتانيا من الصحراء الغربية عام 1979.