الوقت-بعد شهر من دخول جو بايدن البيت الأبيض ، اتخذ هو وفريق السياسة الخارجية الأمريكية الجديد موقفًا بشأن معظم قضايا السياسة الخارجية الرئيسية وأوضحوا موقفهم إلى حد ما. ومع ذلك ، كان من المتوقع أن يعلن بايدن سياسة أمريكية جديدة بشأن العراق ، لكن هذا لم يحدث حتى الآن ، وحتى في خطاب الرئيس المهم يوم الخميس ، والذي خصص لشرح السياسة الخارجية ، لم يتطرق للملف العراقي. لكن لماذا يصمت البيت الأبيض عن ملف العراق؟ وهل ينبغي أن يُنظر إلى هذا الصمت على أنه تقلص في مكانة العراق وأهميته بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد بايدن؟
موقف العراق في سياسة بايدن الخارجية
لا تزال سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط ، وخاصة في العراق ، غير واضحة. ومع ذلك ، يمكن التطرق الى أهمية العراق في سياسة بايدن الخارجية من حيث سجل بايدن في سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق ومن حيث وزن العراق في المعادلات الإقليمية. يتمتع جو بايدن بتاريخ طويل من المشاركة النشطة في كتابة الإستراتيجية الأمريكية تجاه العراق منذ عام 2000 في مختلف الحكومات الى الان. كما زار العراق عدة مرات كعضو في مجلس الشيوخ ونائب للرئيس.
كما لعب بايدن دورًا أساسيًا في السماح لجورج دبليو بوش ببدء حرب العراق عام 2003 اذ كان حينها رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. كما اقترح تقسيم العراق على أساس الانقسامات العرقية والطائفية في اقتراح عام 2006 في صحيفة نيويورك تايمز. وبعد دخوله البيت الأبيض كنائب للرئيس ، عين باراك أوباما بايدن للإشراف على ملف العراق.
من ناحية أخرى ، ليس بايدن وحده معروفًا في الإدارة الأمريكية الجديدة بامتلاكه سجل حافل في العراق. حيث إن وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكين على دراية جيدة بالملف العراقي. وخدم أوستن كقائد عسكري في العراق خلال حرب عام 2003 ثم خدم لاحقًا في القيادة المركزية الأمريكية ، حيث أشرف على انسحاب القوات الأمريكية وعودتها إلى العراق بحجة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كما عين بايدن باربرا ليف مديرة عامة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي ، وبريت ماكغورك منسقًا خاصًا لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهما اثنان من كبار الدبلوماسيين في مجال قرارات السياسة الإقليمية للبيت الأبيض بشأن التطورات في العراق.
وفي هذا السياق قال مايكل نايتس ، عضو معهد واشنطن: "بايدن معروف جيدًا لجميع القادة العراقيين الكبار الذين التقى بهم عدة مرات ويظهر أن [قضية] العراق سيتم النظر فيها في البيت الأبيض في عصر بايدن.
ولكن بغض النظر عن تاريخ بايدن وفريقه للسياسة الخارجية حول ملف العراق ، فقد لعب العراق دائمًا دورًا محوريًا في استراتيجية السياسة الإقليمية للولايات المتحدة منذ عام 2003. حيث ان وجود عوامل مثل دور العراق المهم في سوق الطاقة العالمي ، ووجود العراق في مركز أزمة الشرق الأوسط ، والقرب من جمهورية إيران الإسلامية باعتبارها تمثل تهديد رئيسي للمصالح الأمريكية في المنطقة في نظر المسؤولين الأمريكيين ، ومكانة العراق المهمة في التنافس الاقليمي بين إيران وحلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية وإسرائيل ، ودور العراق في إبراز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة وأهمية هذه القواعد في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في مواجهة الأزمة السورية ، لا سيما في ظل استحالة استخدام قاعدة إنجرليك بعد خلافات مع تركيا حول دعم البيت الأبيض للأكراد السوريين ؛ اضافة الى ارتباط ملف العراق في المكانة الدولية الأمريكية ، اذ يشير مجموع ذلك إلى مكانة العراق المهمة في السياسة الإقليمية الأمريكية ، حيث تم استثناء العراق تحت حكم ترامب من قرار سحب القوات الامريكية ولم يشمل نهج ترامب انسحاب القوات الأمريكية من العراق مثلما في أفغانستان وسوريا.
صمت بايدن بدافع الإجبار
في مثل هذه الظروف يمكن القول إن صمت بايدن بشأن ملف العراق هو بسبب الإجبار وعدم توفر خيار اخر، وهو ما يواجهه سياسيو البيت الأبيض من أجل تجاوز التحديات في العراق. لقد جاء بايدن في ظل الظروف التي لا تمكّنه تمامًا باتباع نهج من شأنه أن يؤدي إلى استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق. اذ قضى مشروع قانون البرلمان العراقي على شرعية استمرار وجود القوات الأمريكية ، وحاولت واشنطن ، في ظل إدارة ترامب ، اتباع كل السبل الممكنة للالتفاف على مشروع القانون ، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا ، وقاموا بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية وإغلاق السفارة واتخاذ عمل عسكري ضد فصائل المقاومة وقدموا وعود بمغادرة العراق أو البقاء تحت غطاء الناتو لتهدئة الأجواء المعادية لأمريكا لكنها فشلت ايضا. حتى في الأشهر الأخيرة ، وضع بايدن خطة تنشیط تنظيم داعش على جدول الأعمال بالتعاون مع السعوديين ، لكن هذا الاخر لم يتحقق ببركة وعي الشعب العراقي والقوات الأمنية ، وخاصة الحشد الشعبي.
في غضون ذلك ، صرحت فصائل المقاومة العراقية بأنها لا تنتظر الإعلان عن سياسة إدارة بايدن بشأن انسحاب القوات الأمريكية من العراق ، وأن خطط العمل ضد قوات الاحتلال الأمريكية ستزداد في حال حدوث تأخير. وعلى هذا الاساس وبعد عرقلة المناورة السياسية الأمريكية في العراق ، بات من الواضح فهم سبب التزام بايدن الصمت بشأن الملف العراقي.