الوقت- أكثر من 50 غارة جوية شنتها اسرائيل على الاراضي السورية خلال السنوات الماضية. هذه الغارات التي كانت تحمل مضامين سياسية أكثر منها عسكرية لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهذا يعني أن الكيان الاسرائيلي لم يحقق أهدافه المرجوة حتى اللحظة، وهذا أمر طبيعي لطالما الجيش السوري لايزال ينتصر على الارض السورية ويسحق الارهابيين، وبالتالي كلما اقتربت سوريا من الأمن والأمان يقوم الصهاينة بدعم أمريكي بتوجيه ضربات نحو الاراضي السورية، ربما لدعم الارهابيين واغيصال رسالة مفادها ان الاسرائيلي الى جانبكم استمروا في زعزعة الامن والاستقرار في سوريا، ولكن يبقى السؤال إلى متى ستبقى سوريا صامتة عن الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على اراضيها، وهل سنشهد ردا سورياً نحو الاراضي المحتلة؟.
الأكيد أن اسرائيل تتحرك وتعتدي على سوريا كلما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية في سوريا، وتتصدى الدفاعات الجوية السورية للصواريخ الإسرائيلية وتمنعها من تحقيق أهدافها، كما حصل قبل مدة، عندما اعتدت اسرائيل على ريف حماة وقتلت عائلة بأكملها وجرحت آخرين، وما كان من الدفاعات الجوية إلا أن ترد على العدوان وتصد الصواريخ وفي الحقيقة اسقطت معظمها.
بعد العدوان أصدرت الخارجية السورية، بيانا شددت فيه على حق سوريا المشروع في الدفاع عن سيادة أراضيها ضد الاعتداءات الإسرائيلية عليها. وقالت الخارجية السورية إن "العدوان الإسرائيلي الإجرامي فجر الجمعة على محيط مدينة حماة يأتي استمرارا للاعتداءات الإسرائيلية التي بلغت خلال أقل من عام أكثر من 50 عدوانا والتي تشكل اعتداء صارخاً على شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي من خلال استهداف المدنيين والاعتداء على حقهم في العيش بأمان وسلام".
وأضافت الخارجية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، أنها ناشدت في رسالة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيسة مجلس حقوق الإنسان الاضطلاع بمسؤولياتهم في إدانة هذه الاعتداءات، وأنها تؤكد حقها المشروع في الدفاع عن حرمة وسيادة الأراضي السورية وحماية مواطنيها من هذه الاعتداءات بكل السبل المشروعة".
واستهجنت الخارجية السورية "الصمت الرهيب من قبل الكثيرين في المجتمع الدولي إزاء هذه الاعتداءات الصارخة وخصوصاً أولئك الذين يتشدقون بالحديث عن حقوق الإنسان".
الواضح من الرد السوري أن الأوضاع ستتغير في المستقبل القريب، وأن سوريا ربما تتجه نحو توجيه صواريخها إلى قلب تل ابيب، ولكن يبدو ان الاقدام على مثل هذه الخطوة يحتاج للكثير من الحسابات، لذلك لن تستعجل سوريا هذا الامر، ومع ذلك وكما قالت مصادر مطلعة انه أمر مطروح على الطاولة اليوم، وبات خيارا جديا، خاصة وان الادراة الامريكية الجديدة لن تكون أحسن من سابقتها، ولن تردع اسرائيل، وفي الامس القريب حددت الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم الأحد، موقفها من اتفاقيات التطبيع التي وقعتها إسرائيل مع دول عربية هي الإمارات والسودان والمغرب والبحرين، وذلك خلال عمل الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن.
وكشف بيان للبيت الأبيض أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان تلقى اتصالا هاتفيا أمس من رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شابات، حيث أكد المسئول الأمريكي "التزام الولايات المتحدة الثابت بأمن إسرائيل".
بالعودة إلى خيارات الرد السورية على الاعتداءات المتكررة، لابد من توضيح التالي:
أولاً: العدو الاسرائيلي بغاراته لم يستطع ان يغير المعادلات ولم يحقق اي شيء، ولكن في الحقيقة اسرائيل مأزومة في الداخل وهي بحاجة لمثل هذه الضربات وخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليأكد للشعب الاسرائيلي انه الوحيد الذي يدافع عن الشعب الاسرائيلي.
ثانياً: اسرائيل تعاني نتيجة الانتصار السوري على مشروعها في إسقاط الدولة السورية وانتهاء كل ما كانت تراهن عليه، وعلى مستوى رئيس حكومتها الذي قد يدخل للسجن في حال خسارته الانتخابات، ولاسيما بعد أن عجز عن تغيير الموقف الروسي الداعِم للدولة السورية والمُتحالِف مع إيران، والذي عبّر عنه مُستشار الأمن الروسي" نيكولاي باتروشيف" بقولين علنيين في غاية الأهمية حين قال عن إيران "إيران حليف إستراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط وأن روسيا ترفض محاولات شيطنة إيران وتصويرها على أنّها راعية للإرهاب في العالم أو أنّها تُشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين" ، وحين قال عن سوريا "إن أمن إسرائيل لا يتحقّق من دون عودة الأمن إلى سوريا" ، وبطبيعة الحال هذا إيحاء يرتقي إلى مستوى الإنذار.
إذاً إسرائيل هذه التي يؤرِقها الانتصار السوري تحاول من خلال هذا العدوان إجبار سوريا على الردّ بشكلٍ مباشرٍ وفي العُمق الإسرائيلي، ولاسيما أن الإسرائيلي كان يعتقد أن كثرة الاعتداءات ستدفع دمشق للرد في العُمق الإسرائيلي بشكلٍ يبرّر لإسرائيل أن تدفع بالأمور نحو التصعيد الذي سيُشعِل المنطقة، ولاسيما بعد أن عجزت عن جرّ الولايات المتحدة الأميركية لشنّ حربٍ على إيران رغم كل التحريض، وخاصة بعد إسقاط طائرة التجسّس الأميركية من قِبَل الدفاعات الجوية الإيرانية.
أما سوريا التي أدارت هذه الحرب بحنكة مُنقطعة النظير، فهي تُدرِك تماماً الهدف الإسرائيلي، وتُدرِك أن العدو واحد سواء كان الإسرائيلي في الجنوب، أو التركي وعصاباته في الشمال، أو الأميركي وعصاباته في الشرق، كما تُدرِك بأنّ كلّ مترٍ من الأرض يتمّ تحريره سيمتدّ تأثيره من واشنطن إلى تل أبيب مروراً بأوروبا والخليج الفارسي، وأنّ كلّ صاروخ سوري يجب أن تكون له حساباته الدقيقة، ولذلك تتريَّث في تحرير مدينة إدلب بانتظار أن تتغيّر بعض المُعطيات الإقليمية والعالمية، ومن هنا وبما أن سوريا تُحارِب عدواً واحداً ولو تعدَّدت الجبهات فمن الحكمة ألا تُستدرَج إلى معركة يُحدِّد العدو زمانها ومكانها، مع قرارها الأكيد بأّنها ستخوض كلّ معارك التحرير من الشمال إلى الشرق وصولاً إلى المعركة الرئيسية والأهم في الجنوب مع العدو الإسرائيلي بشكلٍ مباشر، ولكن ذلك بالتوقيت السوري وحسب الظروف السورية.
ثالثاً: ما تقدم لا ينفي اطلاقا ان يكون خيار الرد قائما، لأن الاسرائيلي سيرتدع في حال قامت الدولة السورية باستهداف الداخل الإسرائيلي، لأن التجربة مع إسرائيل تؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك أي رادع أخلاقي أو سياسي، والرادع الوحيد الذي يفهمه القادة الإسرائيليون، هو الرادع العسكري الذي يسبب الخسائر للكيان الإسرائيلي.