الوقت – من المقرر أن يقوم وزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية "محمد جواد ظريف" بزيارة دورية إلى جمهورية أذربيجان وروسيا وأرمينيا وجورجيا وتركيا منذ 24 يناير 2021.
وتأتي زيارة ظريف إلى هذه البلدان في وقت شهدت فيه منطقة القوقاز حرباً شديدةً مع تغيرات جيوسياسية كبيرة خلال الأشهر القليلة الماضية.
إرساء الاستقرار والأمن الإقليميين
على الرغم من أن جولة ظريف إلى روسيا وأرمينيا وأذربيجان وتركيا وجورجيا تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي على مختلف المستويات، إلا أن الهدف الرئيس، أو بعبارة أخرى، الدافع الرئيس لجولة ظريف الجديدة يأتي مرتبطًاً برؤية طهران الاستراتيجية لإحلال السلام والاستقرار في منطقة القوقاز.
في الواقع، إن جميع الدول التي تشملها خطة عمل وزارة الخارجية الإيرانية بطريقة ما، مرتبطة بأزمة ناغورنو كاراباخ أو أنها منخرطة ومهتمة بطريقة ما بهذه الأزمة.
وکان ظريف قد قال في مقابلة: "أعتزم السفر إلى دول يمكنها العمل معاً للمساعدة في أزمة ناغورنو كاراباخ، ووضع السلام والاستقرار في المنطقة".
في الأشهر الأخيرة، أصبحت حرب "ناغورنو كاراباخ" بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان محوراً رئيساً للأزمة في منطقة القوقاز، وحتى مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين "باكو" و"يريفان" بشأن وقف إطلاق النار والسلام تحت إشراف روسي في 10 نوفمبر 2020، لا تزال أزمة ناغورنو كاراباخ ينظر إليها من قبل جميع الأطراف على أنها غير منتهية وعرضة للاشتعال مجدداً.
في هذه الأثناء، فإن جمهورية إيران الإسلامية، باعتبارها واحدة من البلدان التي لها قرب جغرافي من هذه المنطقة واعتبارات ومصالح أمنية واقتصادية وسياسية، تتابع بحساسية تطورات ما بعد الأزمة.
وعلى وجه الخصوص، تضاعفت الحساسيات الأمنية الإيرانية بعد ورود تقارير عن وجود مجموعات إرهابية سورية في منطقة ناغورنو كاراباخ. وفي مثل هذه الظروف، تأتي جولة ظريف الأخيرة بهدف القضاء على تهديد الإرهاب وخلق استقرار شامل في المنطقة.
تعزيز العلاقات الثنائية
البعد الآخر لزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى موسكو ويريفان وباكو وتبليسي وأنقرة، إضافة إلى محورية أزمة ناغورني كاراباخ والأزمة الأمنية، يرتبط بتعزيز العلاقات الثنائية بين طهران وكل هذه الدول. وفي الواقع، إضافة إلى أزمة ناغورنو كارابا ، سيجتمع ظريف مع مسؤولي كل هذه الدول لمناقشة مختلف القضايا والمجالات.
ومن أهم اللقاءات في جولة ظريف الاقليمية هذه، يمكن قراءتها على أنها زيارة إلى موسكو للقاء نظيره الروسي "سيرغي لافروف" ومسؤولين روس آخرين.
كان هناك تعاون كبير بين إيران وروسيا خلال السنوات القليلة الماضية على مستويات مختلفة، ولا سيما في سياق الأزمة السورية واجتماعات أستانا.
وفي ظل الوضع الجديد، وخاصةً بعد تولي بايدن منصب الرئيس الجديد للبيت الأبيض، سيتم النظر في قضايا مثل رفع العقوبات عن إيران وزيادة التعاون الأمني والاقتصادي والعسكري في المحادثات بين الوفد الإيراني وروسيا.
على صعيد آخر، رحَّب المسؤولون الروس بالمحادثات بين طهران والرياض عقب الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السعودي إلى موسكو الأسبوع الماضي، ولذلك يمكن أن تكون هذه القضية محوراً آخر للجانبين أيضاً.
إضافة إلى موسكو، فإن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى تركيا مهمة للغاية أيضاً. خلال العام الماضي، وبسبب تفشي كورونا، انخفض مستوى التعاون الاقتصادي بين طهران وأنقرة بشكل كبير، والآن يمكن للقاء ظريف الحساس مع نظيره التركي "مولود جاويش أوغلو"، أن يخلق أرضيات جديدة لتعزيز التعاون الثنائي.
كما أن طهران وأنقرة، باعتبارهما قوتين إقليميتين مؤثرتين، بحاجة إلى التعاون والحوار حول المعادلات الإقليمية حول قضايا مثل الأزمة السورية وأزمة ناغورنو كاراباخ ونظام وأمن منطقة غرب آسيا، وهو الأمر الذي من المحتمل أن يناقَش في المفاوضات بين الوفدين الإيراني والتركي.
كذلك خلال زيارته لأرمينيا وأذربيجان، سيقدم ظريف أولاً مواقف طهران الحازمة بشأن أزمة ناغورنو كاراباخ إلى المسؤولين في البلدين.
على صعيد آخر، تريد إيران أيضاً زيادة التعاون ومستوى التجارة مع أذربيجان وأرمينيا في المجال الاقتصادي. في الوضع الحالي، حيث إن حجم العلاقات الاقتصادية بين طهران وباكو أقل من القدرات القائمة والعلاقات السياسية الودية بين البلدين.
في الوضع الجديد، يعتبر تطوير وبناء محطة السكك الحديدية ومحطة الشحن والانتهاء من جمارك "أستارا" واستكمال محطة "أستارا" للشحن وما إلى ذلك، برامج بنية تحتية لتطوير التعاون مع أذربيجان. ولذلك، في زيارة ظريف من المحتمل أن تتم مناقشة زيادة وتقوية التعاون الاقتصادي بين الجانبين.
كما أن حجم التبادل التجاري بين طهران ويريفان قد نما في بداية عام 2021 بشكل كبير وفق إعلان وزير الاقتصاد الإيراني، ومن المتوقع أن يرتفع إلى نحو مليار دولار في الأشهر الستة المقبلة. ولذلك، يمكن التفكير في التخطيط لهذا الأمر المهم خلال زيارة ظريف.
ستكون جورجيا دولةً أخرى ستشملها جولة ظريف أيضاً. وعلى الرغم من أن جورجيا ليست في قلب التطورات في القوقاز وناغورنو كاراباخ، لکن تنسيق إيران مع هذا البلد يمكن أن يكون فعالًا أيضاً في إرساء الاستقرار في المنطقة.
على صعيد آخر، ووفق الإحصائيات، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين جورجيا وإيران في عام 2019 بنسبة 3٪ مقارنةً بالعام الماضي وبلغ 258.3 مليون دولار، ولکن انخفض هذا الحجم التجاري بشكل طفيف في عام 2020 بسبب تفشي وباء كورونا.
لذلك، خلال زيارة وفد وزارة الخارجية الإيرانية إلى تبليسي، سيكون رفع مستوى التعاون التجاري والثقافي بين الجانبين، أحد محاور التفاوض المهمة.