الوقت- خلقت نهاية كابوس حضور ترامب في البيت الأبيض موجة كبيرة من الأمل للمجتمع الدولي، وخاصة لحلفاء أمريكا الأوروبيين في حلف الناتو. شهد الناتو (حلف شمال الأطلسي) أسوأ فترة في حياته بعد فوز ترامب في عام 2016. هذه المؤسسة ترمز إلى الوحدة والشراكة الأمنية والعسكرية لدول الأطلسي، أصبحت ساحة للصراع الأطلسي.
مر الناتو بسنوات عاصفة بعد فوز ترامب في انتخابات عام 2016. يعتبر الكثيرون السنوات الأربع الماضية أسوأ فترة في تاريخ منظمة حلف شمال الأطلسي. حيث إنه في عام 2018 مارس ترامب الكثير من الضغط على ألمانيا لزيادة ميزانيتها الدفاعية، كما أعلن الصيف الماضي أنه سيسحب نحو 12 ألف جندي من ألمانيا. لكن بغض النظر عن الخلاف على الميزانية العسكرية، تسبب دعم البيت الأبيض للانقسام السياسي في الاتحاد الأوروبي، وكذلك الافتقار المتوقع للتعاون مع أوروبا في التعامل مع روسيا والخلاف حول التعاون مع الصين، إلى حدوث صدع غير مسبوق في هذا الحلف الأمني المشترك، حتى أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الموت الدماغي لحلف شمال الأطلسي. لكن رئاسة بايدن للبيت الأبيض الآن تثير التساؤل حول ما إذا كان بايدن يمكن أن يمثل عودة عهد حلف الناتو والانتقال من حقبة ترامب الكابوسية.
ماذا يريد أعضاء الناتو من بايدن؟
في الوضع الحالي، بعد تصاعد التوترات والمستوى الملموس للتوتر بين امريكا في عهد ترامب وحلف شمال الأطلسي، يبدو أن أعضاء هذه المنظمة سيكون لديهم سلسلة مطالب جديدة من إدارة بايدن الجديدة، أهمها هي:
يتعلق المطلب الأول والأهم لأعضاء الناتو من حكومة بايدن بروسيا وأنشطتها في مجال أوروبا الشرقية. على مر السنين شكك العديد من الأوروبيين في صحة إرادة دونالد ترامب في معارضة سياسات بوتين، واتهموه بالتسامح مع موسكو وخاصة فيما يتعلق بأوكرانيا. لذلك في الوضع الجديد، يبدو أن الأوروبيين يأملون في أن ينتهج بايدن سياسة أقصى تعاون مع أعضاء الناتو في مواجهة التهديدات الروسية.
والمطلب الثاني لأعضاء الناتو من إدارة بايدن في الوضع الجديد هو محاولة وقف عقيدة خروج ترامب في مجال السياسة الخارجية الأمريكية. في مجال المراكز الأمنية المشتركة مع أعضاء الناتو، حيث أظهر ترامب مرارا وتكرارا أنه لا يلتزم بالاتفاقيات الأمنية ويريد خفض عدد القوات الأمريكية في مختلف البلدان، مثل العراق وسوريا وحتى أوروبا.
والمطلب الثالث لأعضاء الناتو من بايدن هو وقف الانسحاب السريع للقوات الأمريكية من أفغانستان، والذي كان أساسياً في أواخر رئاسة ترامب. في الواقع، يشعر أعضاء الناتو بالقلق من أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان يمكن أن يهدد أمنهم. على سبيل المثال أكد وزير الخارجية الألماني هايكو موس أن حياة الآلاف من الجنود الألمان ستكون في خطر شديد إذا انسحبت القوات الأمريكية من افغانستان. لانه دون الدعم التقني واللوجستي الأمريكي، ستكون قوات الناتو ضعيفة للغاية. وفي هذا الصدد، طلب الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولبرغ من بايدن فور فوزه في انتخابات 3 نوفمبر 2020، وقف انسحابه السريع من أفغانستان.
ويمكن النظر في المطلب الأوروبي الرابع من بايدن بشأن مسألة نوع التفاعل مع الحكومة التركية في الوضع الجديد. على مدى السنوات القليلة الماضية، زادت التوترات الأوروبية مع تركيا إلى حد كبير، وهو ما ينطبق أيضا على الحكومة الأمريكية، لكن النقطة المهمة كانت عدم التنسيق بين هذه الدول لمواجهة أنقرة. لذلك في ظل الظروف الجديدة، هناك توقع بأن بايدن سيحقق نهجا موحدا مع أعضاء الناتو الآخرين في نوع المواجهة مع تركيا.
الموت العقلي لحلف الناتو والمسار الأطلسي الذي لا رجعة فيه خلال الحرب الباردة
على مر السنين، أثيرت قضية التوترات في الناتو والخلافات الأساسية داخل المنظمة مرات عديدة من قبل المراقبين السياسيين. حقيقة الأمر أن الخلاف في الناتو كان موجودا في الماضي، لكن في عهد ترامب بدا هذا الخلاف للمجتمع الدولي مثل الجروح المفتوحة. وفي الوقت نفسه، فإن الدول الأوروبية هي أهم اللاعبين في هذه الفجوة الحاصلة في حلف الناتو.
هذا ويمكن رؤية هذا الامر بوضوح في جهود فرنسا وألمانيا لإنشاء "مجلس الأمن الأوروبي" في عام 2019. بالطبع تجدر الإشارة إلى أن مسألة تشكيل جيش أوروبي خارج الناتو ليست خطة وليدة اليوم وتم طرحها فقط بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة، ولكن في كل السنوات التي تلت الحرب الباردة، ابتعد الأوروبيون تدريجياً عن امريكا، وقد شرعوا بوضوح في فصل الأزمات الأمنية. ومن بين الخلافات بين الدول الأوروبية وامريكا أثناء غزو العراق عام 2003، والتوترات حول الطريقة التي حدثت بها الثورات الشعبية في العالم العربي في سنوات ما بعد 2011، ووجهات النظر المختلفة بشأن التفاعل مع الدول العربية في غرب آسيا. هي من بين القضايا العميقة الجذور للخلاف في التحالف الامني بين دول الأطلسي.
في الواقع، يعتقد أعضاء الناتو الآن أنه على الرغم من انتهاء ولاية ترامب في البيت الأبيض، لم يعد من الممكن اعتبارهم مظلة ودرع الحماية الأوروبية كما كان الحال خلال الحرب الباردة. لذلك يتعين على الأوروبيين التفكير في حلول جديدة لمستقبلهم. لأنهم يعرفون جيدًا أنه في ظل أزمة كورونا والمشاكل الداخلية لأمريكا كبيرة جدا لدرجة أن بايدن سيكون أكثر انخراطًا في التعامل مع هذه القضايا في السنوات الأربع المقبلة ولن تتاح له فرصة خاصة لإعادة بناء الأطلسي.
وكما صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرارا وتكرارا انه "يجب على أوروبا أن تدافع عن أمنها". في الواقع، من وجهة نظر ماكرون، يجب على أوروبا تحقيق "الحكم الذاتي الاستراتيجي" في المستقبل القريب. وقد أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذه القضية كثيراً خلال السنوات الأخيرة من حيث الأمن والاقتصاد. وبشكل عام، يمكن القول إن الناتو يواجه موتا دماغيا من الداخل، وهو ما لن يتمكن بايدن وحده من إنقاذه من الأزمة والصدع المؤسسي في السنوات الأربع المقبلة، ولكن أيضا لن يكون ذلك ممكناً في العقود القليلة المقبلة.