الوقت- تدرك الدول الخليجيّة جيداً أنّ عودة المياه إلى مجاريها بشكل إعلاميّ مع النظام الإخوانيّ في قطر وإعادة الدوحة إلى الحضن الخليجيّ لا يعني أنّ المشكلات العميقة بين الدول الخليجيّة قد انتهت إلى غير رجعة، وبالتحديد بين قطر والإمارات المتناقضتين فكريّاً وسياسيّاً، وإنّ الادعاءات الواهية بأنّ صفحة الخلافات قد طويت لا تعدو عن كونها "دعاية إعلاميّة مضللة"، فأيّ خلافات تلك التي تنتهي بمجرد لقاء أو تصريح أو إعلان عودة للعلاقات بعد مقاطعة دامت لسنوات!
منذ أن صرحت الإمارات على لسان أستاذ العلوم السياسيّة الإمارتيّ، عبد الخالق عبد الله، وهو أكاديميّ معروف بقربه من ديوان محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي وحاكم الإمارات الفعليّ، بأنّ قطار المصالحة الخليجيّة لن يتحرك مليمتراً واحداً دون علم وموافقة ومباركة الإمارات المسبقة، بعد أيام من إعلان دولة الكويت عن وجود تفاهمات لإنهاء الأزمة الخليجية، أو ما يعرف بـ "مقاطعة قطر" أو "الحصار الرباعيّ" على الدوحة، كان واضحاً عدم الرضا الإماراتيّ عن فصول تلك المصالحة، ولم يصدر عنها أيّ تصريح رسميّ حول هذا الموضوع.
وفي ذلك التوقيت، أثارت أبو ظبي ضجة كبيرة في الأوساط السياسيّة الخليجيّة حيث أوصلت رسالة "شبه رسميّة" إلى الدول الخليجيّة وعلى وجه الخصوص السعوديّة، بأنّ الدور الإماراتيّ حاسم في نجاح تلك القضيّة الشائكة والمعقدة، والتي لا يمكن أن تنتهي بمجرد "إعلان المصالحة".
والدليل على ذلك، ما أشارت إليه صحيفة "لوفيغارو" الفرنسيّة، حول أنّ انعدام الثقة بين الدول الخليجيّة ما يزال قائماً، خاصة وأنّ جذور التوتر لم يتم التطرق إليها، على الرغم من تأكيد البيان الختاميّ لقمة العلا السعودية، على عودة العلاقات الكاملة بين قطر ودول المقاطعة واحترام ما أسموها "مبادئ حسن الجوار".
ومن المثير للاهتمام أنّ "المصالحة الخليجيّة" أخذت بعداً إعلاميّاً أكثر من كونه سياسيّاً، فما حصل بين تلك الدول هو تخفيف لحدة التوتر ليس أكثر، ولا يعدو عن كونه "مصالحة إقليميّة" واسعة النطاق، فيما تشكك تحليلات سياسيّة في أن تشهد المنطقة تكثيفاً مفاجئاً للتعاون بين الدول الخليجيّة التي فشلت حتى في جعل قدراتها العسكريّة متوافقة منذ 40 عاماً، والتي لها مصالح وسياسات متباينة تجاه القوى الخارجيّة.
وفي الوقت الذي كثرت فيه التساؤلات حول العلاقة بين قطر والإمارات تحديداً، تتساءل الصحيفة عما إذا كان الإماراتيون سيعيدون فتح مجالهم الجويّ أمام الطائرات القطريّة، حيث إنّ انعدام الثقة لن يتختفي فجأة بين الدوحة من جهة، وأبوظبي والقاهرة ذات التوجه المشترك من جهة أخرى، خاصة عقب سنوات من الحرب الإعلاميّة الضروس بين الجبهتين والعداء الكبير والمكثف بينهما.
ومن الجدير بالذكر أنّ الإمارات لم تستطع هذه المرة تعطيل اتفاق المصالحة كما فعلت سابقاً، بسبب إصرار إدارة ترامب منذ أشهر على إعادة المياه إلى مجاريها مع قطر لزيادة الضغط على الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وأفشلت أبو ظبي وقتها المساعي الأمريكيّة بعد سلسلة من المناقشات بين كبار قادة قطر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي شكلت فيه الإمارات "حجر الزاوية" في إشعال فتيل الأزمة بين الدول الخليجيّة وتصعيدها، سعت لإفشال جهود التوصل إلى حل الأزمة الخليجية، بعد أن فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على قطر، بسبب اتهامات بدعمها للإرهاب بالإضافة إلى علاقتها مع طهران.
علاوة على ذلك، إنّ ما كشفته الصحيفة الفرنسية حول ضغوط صهر دونالد ترامب، جاريد كوشنر أو مايعرف بـ "مهندس اتفاق المصالحة"، بقوة من أجل أن تحذو القاهرة وأبو ظبي والمنامة حذو الرياض، وفي ختام قمة العلا، أعلن وزير الخارجية السعوديّ فيصل بن فرحان آل سعود، موافقة الإمارات والبحرين ومصر على “إعادة الاتصال الكامل” مع قطر.
يشار إلى أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، سعى بقوة لإنهاء الحصار الذي فرضته بلاده مع الإمارات ومصر والبحرين على قطر الغنية بالغاز منذ يونيو/ حزيران 2017، في محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد، وذلك من خلال كسب ود الإدارة القادمة للرئيس الجديد جو بايدن من جهة لتصمت عن فضائحه وجرائمه ذات البعد الدوليّ، وتقديم ذكرى الوداع إلى صديقه المفضل دونالد ترامب الذي حول المملكة إلى "بقرة حلوب" في عهده، من جهة ثانية، وتؤكّد “لوفيغارو” أنّ الاختراق الدبلوماسيّ الذي تحقق في القمة الخليجيّة بمدينة العلا السعودية، من المحتمل أن يكون النجاح الدبلوماسيّ الأخير لإدارة ترامب، بعد اتفاقيات التطبيع لكل من الإمارات والبحرين والمغرب مع العدو الصهيونيّ الغاصب.