الوقت- انتهجت السعودية خلال السنوات الماضية سياسة الإرهاب ضد مواطنيها من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد توسّع هذا النهج بشكل كبير منذ تولي الأمير "محمد بن سلمان" زمام السلطة في السعودية وقيامه بتطبيق نظامه الأمني الجديد في العديد من مدن البلاد. ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبية، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها. وعلى سياق متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية أنه بعد وصول ولي العهد "محمد بن سلمان" إلى السلطة، رافق قدومه سلسلة اعتقالات "لا متناهية" شملت رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء وكذلك مواطنين من دول أخرى، إضافة إلى عمليات اغتيال خارج حدود السعودية كان أبرزها قضية قتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" التي لا تزال تلفّها العديد من علامات الاستفهام، ولاسيما أن السعودية لم تتعاون بما فيه الكفاية مع المحققين في هذه القضية وعمدت إلى إغلاق الملف تحت أي ظرف كان.
ولفتت تلك المصادر أيضا إلى أن "ابن سلمان" قام بسجن العديد من رجال الدين غير الراضين عن سياساته المنفتحة في البلاد ويعتقد العديد من المحللين أن تصرفات ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" تنبع من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة كبيرة وكان في السابق أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة. وأعربت تلك المصادر عن أن هذه الاعتقالات التعسفية في حق العديد من النشطاء والسياسيين ورجال الدين السعوديين جاءت بعدما أحس "ابن سلمان" بأن هناك ثورة شعبية تتنامى في الشارع السعودي ولهذا فقد أسرع وقام بالكثير من جرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في السعودية. ويرى العديد من السياسيين أن خوف العائلة الحاكمة في السعودية خلال السنوات الماضية من أن تجتمع جميع تلك الاصوات المعارضة الشعبية تحت مظلة المطالبة برحيل النظام، هو ما دفع "ابن سلمان" للقيام بجميع تلك الاعتقالات التعسفية وإعدام العديد من معارضيه.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية، أن الرياض وجهت اتهامات إلى العديد من الحقوقيين والسياسيين ورجال الدين والمدافعين عن حقوق المرأة ولقد بدأت محاكمات اولئك المسجونين في آذار 2019، لكن وحتى آب 2020، وبعد مرور أكثر من عام، لم يصدر حكم بحق العديد منهم، ولم تُحدّد لهم مواعيد جلسات استماع جديدة مثل الشيخ "سلمان العودة". وتقول منظمة العفو الدولية، إن السلطات السعودية صعدت من قمع حرية التعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وتعرَض عشرات من منتقدي الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك ناشطات حقوق المرأة وأفراد الأقلية الشيعية وأهالي النشطاء، للمضايقة والاحتجاز التعسفي والمحاكمة على أيدي السلطات.
وعلى نفس هذا المنوال، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أن الرياض أخفقت خلال الفترة الماضية في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان، ما اعتبره نائب المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش "برونو ستاغنو"، "توبيخًا هائلًا إلى السعودية في ظل قيادة ولي العهد "محمد بن سلمان"، الدولة الوحيدة غير المنتخبة والمنبوذة من غالبية الأمم المتحدة، وكتب "برونو ستاغنو": "نالت المملكة ما تستحقه بسبب انتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب في الخارج". إن فشل السعودية في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان، يؤكد مدى الضرر الذي لحق بالمملكة جراء الانتهاكات المتواصلة في الداخل والخارج، رغم إنفاق سلطات البلاد لملايين الدولارات للتغطية على انتهاكاتها البشعة.
وحول هذا السياق، يعتقد العديد من الخبراء أن هذه الانتهاكات المتواصلة والصمت الرسمي تجاهها، ساهم بشكل كبير في تشويه سمعة المملكة وتسببت في فتور العلاقات مع المستثمرين العالميين، كما من شأنها أن تجعل الفاتورة باهظة على السلطات السعودية وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يسعى جاهدًا لإعطاء صورة جديدة عن بلادهم أمام حلفائه الدوليين. ولفت اولئك الخبراء إلى أن حلفاء السعودية يستطيعون الضغط على المملكة عن طريق وقف تسليحها، الأمر الذي انتهجته العديد من الدول، وكانت "برلين" قد علقت مبيعات الأسلحة للرياض في أعقاب مقتل الصحفي المعارض "جمال خاشقجي" في عام 2018، وهي الجريمة التي نُسبت إلى محمد بن سلمان".
وعلى نفس هذا المنوال، ذكرت العديد من التقارير أن المنظمات الحقوقية لا تتوقف عن تلقّي رسائل الاستغاثة من المعتقلين السياسيين في سجون السعودية ومن ذويهم، وهي رسائل تُسلِّط الضوء بشكل دوري على الانتهاكات الممنهجة ووقائع التعذيب وسوء المعاملة التي تمارسها السلطات السعودية بحق المعتقلين، ومع تفشي فيروس كورونا في المنطقة، تزايدت المخاوف من وصول الوباء إلى السجون السعودية سيئة السمعة، بما يجمع على المعتقلين ظلمة السجن وجحيم الوباء. ويبدو أن هذه المخاوف تحوّلت اليوم إلى حقيقة واقعة، إثر تأكيد المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أنها تلقّت استغاثات من معتقلين في سجون الرياض تُفيد بحدوث إصابات بفيروس كورونا بين المعتقلين داخل السجن، وتؤكد امتناع الجهات المسؤولة عن توفير الرعاية اللازمة للمصابين أو الحد من وصول الوباء للمزيد من السجناء، وقد حمّلت المنظمة السلطات السعودية مسؤولية صحة وسلامة المعتقلين في السجون كافة في ظل تعنُّتها في الإفراج عنهم، ليتحوَّل كورونا بذلك رسميا إلى مصدر جديد لمعاناة المحتجزين في السعودية، ونقطة سوداء جديدة في السجل الحقوقي المظلم لمملكة "آل سعود".
ولقد أبدت عشرات الدول الغربية قلقها، خلال الفترة الماضية، من استمرار احتجاز ناشطات في السعودية، داعية في الوقت نفسه إلى تقديم المسؤولين عن قتل الصحافي "جمال خاشقجي" إلى العدالة. وأثارت ألمانيا، متحدثة بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، مسألة احتجاز السعودية "الطويل لنساء مدافعات عن الحقوق"، من بينهن "لجين الهذلول". وقالت: "نشدد على الحاجة إلى المحاسبة الكاملة والمحاكمة الشفافة للضالعين في قتل جمال خاشقجي". وقرأت الدنمارك بياناً مشتركاً منفصلاً نيابة عن نحو 29 دولة، من بينها أستراليا وبريطانيا وكندا، حثت فيه المملكة على "إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وأبدت قلقها على مصير "ما لا يقل عن خمس ناشطات".
الجدير بالذكر أن اولئك المعتقلين والمعتقلات الذين استطاعوا خلال الفترة الماضية إيصال اصواتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى العالم، تمكنوا من نيل حريتهم وذلك لأن قضاياهم أصبحت قضايا رأي عام وهذا الامر هو الذي أجبر قادة الرياض عن الافراج عنهم بسرعة قبل أن تتّحول قضاياهم إلى شرارة من شأنها أن تشعل فتيل الاحتجاجات في الشارع السعودي ولكن اولئك السجناء الذين لم يتمكنوا من إيصال اصواتهم إلى العالم الخارجي، لم يتمكنوا حتى الان من نيل حريتهم ومن أبرزهم الداعية السعودي "سلمان العودة" والعديد من المعتقلين الذين لا حول ولا قوة لهم. وفي الختام يمكن القول أن هذا النهج التعسفي الذي يتبعه "ابن سلمان" ضد أبناء الشعب السعودي سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى خروج احتجاجات شعبية في العديد من المدن والمحافظات السعودية في المستقبل القريب والايام سوف تثبت ذلك.