الوقت- أزمة جديدة يواجهها العراق في القطاع الكهربائيّ، وهو البلد الخامس في أكبر احتياطيات نفطيّة مؤكدة في العالم، بعد تراجع كبير في إمدادات الغاز الإيرانيّ، حيث تواجه العاصمة العراقية بغداد ومدن أخرى أزمة في توليد التيار الكهربائيّ بعد أن قلصت إيران صادراتها من الغاز، بسبب عدم تسديد 5 مليارات دولار لقاء استيراد الغاز الإيراني، في الوقت الذي يبلغ فيه الاستهلاك العراقيّ في ساعات الذروة خلال أشهر الشتاء نحو 19000 ميغاوات، بينما تولد البلد 11 ألف ميغاوات، وتعتمد على الواردات لسد العجز.
وفي هذا الصدد، تأكد تحليلات سياسيّة أنّ أمريكا لا ترغب بتحقيق الاكتفاء الذاتيّ بوقود الغاز للعراق، وأنّ واشنطن تستغل هذه الورقة كعامل ضغط على الحكومة العراقيّة لإجبارها على تنفيذ السياسات الأمريكيّة في المنطقة.
بدأ العراق بإنتاج الغاز الطبيعي بالتزامن مع إنتاج النفط في العام 1927، عندما تدفق النفط من حقل "بابا كركر" في كركوك، إلا أن الغاز العراقي المصاحب يحرق هدراً دون الاستفادة منه، منذ ذلك الوقت وفق تقارير إعلاميّة، ومؤخراً أظهرت بعض التحليلات أنّ العراق على مدى 17 عاما لم يتمكن من استثمار الغاز الموجود في حقوله، كما أنّه لم يتمكن من تطويره واستخدامه لتزويد محطات الطاقة، بسبب عدم منح الضوء الاخضر من قبل الإدارة الأمريكيّة.
وفي هذا الخصوص، من الممكن أن يحقق الغاز العراقي تغييراً كبيراً في معادلة الطاقة بالمنطقة، وربما يدخل كمنافس قويّ للدول المصدرة للغاز، وبالتاليّ فإن واشنطن تضغط باتجاه إضعاف العراق من هذه الناحية وتمنع بقوة الحكومات العراقيّة المتعاقبة من الذهاب نحو تطوير المشاريع الغازيّة.
وفي الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى أنّ احتياطيّ العراق من الغاز الطبيعي بلغ أكثر من 110 تريليونات قدم مكعب، يحرق منه 700 مليون قدم مكعب، وفق التقرير، الذي يوضح أن هذه الكمية تهدر حرقا لعدم وجود البنية التحتية وسوء الادارة والتخطيط وعجز الحكومات المتعاقبة، فيما يحاصر الجانب الأمريكيّ العراق بالغاز، ويمنح الحكومة بين الحين والاخر إعفاءات من استيراد الغاز الايرانيّ، ليجعل العراق تحت رحمته في ملف الكهرباء، كما أنّه يساوم بغداد للإبقاء على شركة "جنرال الكتريك" الأمريكيّة ومنحها معظم عقود الاستثمار في الطاقة.
ونتيجة الضغوط الأمريكيّة لتعطيل عجلة اكتفاء العراق من الغاز، فإنّ العراق يهدر نحو 62 بالمئة من إنتاجه من الغاز أي ما يعادل 196000 برميل من النفط الخام يوميا، في هذا هدر ماليّ كبير كاف لبناء صناعة غاز جديدة بالكامل، وقد أوضحت شركة سيمنز الألمانية أنه بإمكان العراق ان يوفر 5 مليارات ومئتي مليون دولار تقريبا خلال السنوات الأربع المقبلة من خلال تقليص نسبة الغاز المهدور، وتوفير اكتفاء ذاتيّ من ناحية أخرى، لما تحتاجه محطات توليد الطاقة الكهربائية التوربينية من وقود الغاز.
يشار إلى أنّ بغداد تقوم باستيراده الغاز الإيرانيّ الذي تقدر قيمته بنحو 3,5 مليارات دولار سنوياً، بالتزامن مع استمرار عملية حرق الغاز في العراق، حيث نقل تقرير لشبكة "روداو" العراقيّة، عن تقرير نسبه لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، أنّ كمية الغاز المحروق المصاحب للنفط الخام المنتج في آبار البصرة تقدر سنويا بنحو 12 مليار متر مكعب، وهي كميات تفوق الاستهلاك السنوي لدولة النمسا بأكملها، كما تشير التقديرات إلى أن كمية الغاز المحروقة تكفي لإمداد خمسة ملايين منزل بالطاقة الكهربائية، ليبقى السؤال: إلى متى تحرق الثروات الطبيعية العراقية ويكون مصيرها الزوال، في وقت يعاني شعب بلاد الرافدين من ارتفاع كبير في البطالة والفقر والأمية وتردي الخدمات والواقع الصحي؟
ومن الجدير بالذكر أنّ العراق هو ثاني أكبر منتج في منظمة "أوبك" العالمية التي تضم إحدى عشرة دولة تعتمد على صادراتها النفطية اعتمادا كبيرا لتحقيق مدخولها، ويعتمد العراق على صادرات الخام لتمويل أكثر من 90 في المئة من ميزانيته الحكومية، لكن انهيار الأسعار هذا العام قوض بشكل خطير الموقف الماليّ للحكومة، ويستورد ثلث احتياجاته الاستهلاكية من الغاز والكهرباء، بسبب الإرادة الأمريكيّة لإبقاء بنيته التحتية المتقادمة غير قادرة على تحقيق اكتفاء ذاتيّ طاقي لتأمين احتياجات سكانه البالغ عددهم 40 مليون نسمة.